منوعات

من “الحماية الروحية” إلى “الكجور” النوبي .. تعرف على ثقافة قبائل أرض الذهب والحضارات

اعتمدت الأمم المتحدة، في عام 1994، التاسع من شهر آب/أغسطس من كل عام يوما عالميا للشعوب الأصيلة، وذلك بغرض الاهتمام بالشعوب الأصيلة في مناطقها.

الخرطوم – سبوتنيك. تحتفظ هذه الشعوب التي تعتبر اليوم أقليات، بخصائص تراثهم وثقافتهم المحلية الضاربة في القدم، ورغم أنهم يمثلون اليوم 5 بالمئة من جملة سكان العالم، إلا أنهم يشكلون نسبة 15 بالمئة من أفقر سكانه.

وفي السودان، تجد قبائل “النوبة” يقطنون منطقة جبال تحمل ذات الاسم، وهم يعتبرون من الشعوب الأصيلة التي تحتفل بهم الأمم المتحدة، حيث أقيمت احتفالات بهذه المناسبة العالمية بمنطقة “أم بدة”، غربي مدينة “أم درمان” السودانية.

اسم النوبة مشتق من كلمة “نوب” وتعني الذهب، وسميت المنطقة بذلك لوجود بها أكبر مناجم الذهب في أرضها بمنطقة العلاقي، بلاد النوبة تاريخيا امتدت من جنوب مصر إلى جنوب نهر النيل، وانقسمت إلى ثلاث ممالك: كوش ومروي ونباتا. وضمت دول حوض النيل: أثيوبيا وتنزانيا والسودان والكونغو.

“بأصالتي أرسم هويتي”

جمعت الاحتفالات كافة مكونات النوبة بأزيائهم المتنوعة ما بين اللبسات الأفريقية والعمامة والجلباب السوداني المميز، وجاء الاحتفال تحت عنوان (بأصالتي سأرسم شكل هويتي وأسترد حقوقي وأصون كرامتي). كما تم في الاحتفال اختيار ملكة جمال النوبة.

وأفاد الأستاذ بجامعة بحري والباحث في تراث النوبة، البروفيسور جمعة كندة، لوكالة “سبوتنيك”، بأن “هذا الاحتفال هو الرابع من نوعه الذي يقام في السودان، وهذا العام مخصص للغات الشعوب الأصيلة من أجل الاهتمام بها ورعايتها وتوثيقها.

وأضاف:”يأتي الاحتفال في شكل برامج ثقافية وفعاليات اجتماعية طوال العام، وتختتم بهذا الاحتفال الكبير، وفي هذا اليوم، تلقى خطابات رسمية في الأمم المتحدة واليونسكو تحث الدول على الاهتمام بالثقافات المحلية للشعوب الأصيلة، وسن القوانين الكفيلة بحفظ حقوق وحريات هذه الشعوب”.

وأوضح كندة أن “الاحتفال عمل على التعريف بالثقافة الشعبية لقبائل النوبة وفنونهم وتراثهم باعتبارها جزءا أصيلا من المجتمع السوداني، الشيء الذي يؤدي إلى التعارف القبلي والتلاقي الثقافي والتبادل الفكري مع بقية مكونات الشعب السوداني، وهذا بدوره يعمل على تعزيز قيم الوحدة الوطنية من خلال التعدد الثقافي”، مشيرا “هذا الجانب لم يجد الاهتمام اللازم من الدولة في كل الحكومات منذ الاستقلال، لذلك برز الاهتمام الشعبي بهذا الأمر المهم”.

النوبة ومجموعاتها العشرة

وفي ذات السياق، أعتبر الأستاذ الجامعي أن “قبائل النوبة من أقدم القبائل في السودان، وهم امتداد للنوبة الموجودين في شمال السودان”، وتقطن في كردفان، في المنطقة التي تعرف بجبال النوبة التسعة والتسعين”، مشيرا إلى أن “علماء الأنثروبولوجي يقسمون النوبة إلى مجموعات عشرة”.

ويضيف: “هذه المجموعات هي النمم، وتوجد في منطقة الجبال الستة، وتقلي، وهم الذين أسسوا واحدة من أكبر الممالك الإسلامية في السودان، ومجموعة الأما التي تقطن شرق جبل “الداير”، وتولوسي التي تقطن جنوب الجبال، وتيفين، وكواليب في أقصى جنوب شرق دبال النوبة، وتلودي، ودفوفة، والتاجو، والليري، وكل هذه المجموعات متداخلة مع بعضها البعض”.

ويأمل كندة أن تجد ثقافة النوبة وتراثها الاهتمام اللازم بعد الثورة السودانية، الشيء الذي يدعم التنوع الثقافي في السودان.

نظام الحماية الروحي من اللصوص

يوضح رئيس اللجنة العليا للمهرجان للنوبة، الدكتور شمسون خميس كافي، أن “النظام الاجتماعي [لقبائل النوبة بكردفان] دقيق ومضبوط من أجل الحفاظ على الأمن والنظام والحقوق والموروثات والقيم الثقافية”، موضحا أن “السرقة تعد من أنكر الجرائم في مجتمعهم، وإذا اكتشف السارق فإن المجتمع يلفظه ويضطر إلى مغادرة القبيلة”.
نوبيون يرقصون خلال احتفالات الأمم المتحدة في السودان بمناسبة اليوم العالمي للشعوب الأصيلة

ويضيف كافي “هذا الاستنكار نجده أيضا بارزا في معتقداتهم الروحية، حيث إن بعض الأسر لديه نظام حماية روحي من اللصوص، فإذا سرق أحد منهم شيئا فإنه يصاب بمرض معين ولا يشفى منه إلا باعترافه بالجريمة وإعادة المسروق، ومن ثم تعمل له طقوس روحية معينة لإزالة هذا المرض منه، وأن هذا المرض إذا لم يشف السارق منه قد يمتد إلى أسرته، وهذا يعتبر نوع من الروادع الاجتماعية في القبيلة”.

وكشف كافي أن “لدى النوبة عادة يتشددون فيها للغاية، فهم لا يتزوجون من بنات خالاتهم، ويحبذون زواج بنات العمومة، فتتم خطبة الفتاة منذ صغرها، ويتم إلباسها عقدا من السكسك، فيعرف المجتمع أنها مخطوبة”، مضيفا “المهر عند النوبة في العادة هو عمل ينجزه العريس لأسرة الفتاة كبناء غرفة أو زراعة أو حصاد، وبعض القبائل تطلب المهر ماشية أو سلاحا، كما أن بعض القبائل تحدد مبلغا من المال لا يكون كبيرا عادة ولا يمكن تجاوزه في أعراف القبيلة، والزواج عادة يكون عقب موسم الحصاد”.

ويبرز كافي بعض العادات والتقاليد لدى النوبة، فيقول:

“النوبة مولعون بالغناء والرقص، ولكن الغناء عندهم ليس للبهجة فقط، بل يعد عاملا مهما من عوامل حفظ قيم المجتمع وثوابته وأخلاقه وتقاليده ومعتقداته، لأن “الحكّامات”، وهن مغنيات القبيلة، يعكسن من خلال غنائهن ما هو موجود في المجتمع سواء من إيجابيات أو سلبيات، كما يستخدمنه في ذم الذين ينتهكون قواعد المجتمع وضوابطه والتشهير بهم، كما يستخدمنه في مدح ذوي المحاسن والأفعال الطيبة والمستمسكين بالقيم والأخلاق، وهذا الغناء ليس فيه رقص وإنما للاستماع فقط”.

ويضيف كافي، أن “هؤلاء الحكامات يعدن من ضمن النظام الرقابي في المجتمع، وهناك أهازيج تقال عند الزراعة والحصاد والرعي، ومن أشهر الرقصات عند النوبة رقصة الكمبلا، وتقام عند المناسبات الكبيرة، وتصاحبها منافسات لتحمل الجلد بالسياط على الظهر من قبل شبان القبيلة، مثلما يحدث عند قبائل الجعليين في شمال السودان، والذي يعرف بـ البطان”.

المصارعة.. تجمع بين قبائل النوبة

يقول كافي إن “رقصة الكمبلا معروفة عالميا ومسجلة في التراث العالمي، كما أن هناك رقصة الكرن، ورقصة البخسة، ورقصة الحرب، وهذه الرقصات تستخدم فيها الآلات الإيقاعية مثل النقّارة، والموسيقية كالأبواق والربابة والقرن والصفارة”.

وبحسب كافي، فإن النوبة أيضا “مشهورون برياضة المصارعة، ويتنافس فيها الشبان والفرسان. وبرغم أن المصارعة تحتاج إلى أجسام قوية، إلا أنها تعتمد على التكتيك والخبرة والخفة والذكاء، وهذه الرياضة تجمع بين قبائل النوبة، وتعتبر بمثابة داعم للترابط الاجتماعي بين القبائل، وأصبحت تمارسها قبائل أخرى غير النوبة، وحققت انتشارا واسعا بحيث أصبحت رياضة سودانية قومية، وتم إنشاء ملعب لها بمنطقة شرق النيل بالخرطوم”.

واستطرد كافي، بأن “النوبة كانوا إلى وقت قريب يدفنون موتاهم على نظام فراعنة شمال السودان، حيث يدفنونهم في غرفة تحفر في الأرض، هذه الغرفة يكون مدخلها أسطوانيا ضيقا، وتكون واسعة من الأسفل، لذلك فإن الجثة تدخل إلى القبر بشكل رأسي، ومن ثم يضعونها في القبر في شكل أفقي، إلا أن هذا النظام تغير، حيث صاروا الآن يدفنون موتاهم على طريقة المسلمين”.

وهذا ما يحدث عندما يموت السلطان؟

وأبأن كافي أيضا أن “السلطان عند النوبة له مكانة كبيرة في المجتمع، لأنه مجتمع قبلي يقوم على وجود الزعامة القبلية. ولتنصيب السلطان مراسم تختلف ما بين قبيلة وأخرى اختلافا طفيفا، ولكن في العادة عند الكثير من القبائل، فإن السلطان يختار من أسرة معينة في القبيلة هي أسرة السلاطين، كما يختار نائبه من أسرة أخرى، ولكن لا تختارهما أسرتيهما، وإنما يوكل هذا الاختيار إلى أسرة أخرى مكلفة بهذا الأمر وفق معايير محددة يجب أن تتوفر في الشخص، حيث يكون من أفضل الناس وأحسنهم أخلاقا وشجاعة واستقامة وقوة شكيمة وحكمة”.
احتفالات الأمم المتحدة في السودان بمناسبة اليوم العالمي للشعوب الأصيلة
احتفالات الأمم المتحدة في السودان بمناسبة اليوم العالمي للشعوب الأصيلة

ويشرح كافي أن “الأسرة التي تختار السلطان يحرم عليها إنشاء أي علاقات مع أفراد أسرة السلاطين أو تواصل اجتماعي، لضمان النزاهة والحيادية في الاختيار”.

يقول كافي “يختارون للسلطان زوجة من أفضل نساء القبيلة. وفي عرف القبيلة، إذا مات السلطان، فإن نائبه يعزل ويختار نائب جديد مع السلطان الجديد، حتى لا يكون نائب السلطان القديم أقوى من السلطان الجديد”.

ويضيف:

“للسلطان مجلس من المستشارين كل باختصاصه، وهؤلاء المستشارون يتم اختيارهم أيضا من أسر محددة في القبيلة، هي أسر المستشارين أو مساعدي السلطان. كما أن لكل قبيلة أشخاص معروفون بالحكمة والخبرة والمعرفة بأمور الفلك والنجوم”.

يلفت كافي إلى أن مستشاري السلطان “هم من يحددون للناس متى يزرعون، ومتى يحصدون، ومتى يأكلون من محصولهم، ومتى يخرجون إلى الصيد، وهذا يعد من ضمن التنظيم والتخطيط الاقتصادي في القبيلة، كما أن هناك أسر معينة مسؤولة عن حماية ومراقبة حدود القبيلة وأراضيها الزراعية”.

ماذا تعرف عن “الكجور” في النوبة؟

وبحسب كافي، فإن “النوبة معروفون باستخدام طبول النحاس الكبيرة في المناسبات الكبرى، وتسمى السبر، وتكون أكثرها في موسم الحصاد الكبير والصغير، حيث تقام احتفالات جماهيرية أمام بيت السلطان تمارس فيها الطقوس والألعاب والرقصات والأغاني المحلية، كما أن النوبة اشتهروا بالاهتمام الشديد بالأمور الروحية، وهي متجذرة في ثقافتهم، لذلك هم مشهورون بما يعرف بـ “الكجور” أو”تمسي” بلغة النوبة.

والكجور هي روح خارقة تتقمص شخصا معينا تختاره هذه الروح دون إرادته، وله مواصفات محددة بأن يكون شخصا صالحا في نفسه مستقيما في سلوكه، ومن خلال هذه الروح يكتسب الشخص مقدرات خارقة كعلاج المرضى وجلب الخير ودفع الشر وإنزال المطر والتعامل مع الغيبيات.

ويضيف كافي “الكجور حسب معتقد النوبة يكون قريبا من الله، وما يقوم به هو الطلب من الله بفعل الشيء فيحققه الله عن طريقه، والكجور إذا مات فإن الروح تنتقل إلى شخص آخر ليس شرطا أن يكون من أسرته، والكجور يحمي الناس من السحرة لذلك فهم في عداء دوما معهم، ومجتمع النوبة ينبذ السحرة، وإذا تم اكتشاف ساحر يمارس السحر في القبيلة، فإنه يعاقب بواسطة الكجور، وربما يطرد من القبيلة”.

وحول الموضوع، يقول نائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان، المك محمد على جيلي، لوكالة “سبوتنيك”، “من ضمن الأشياء التي يبرزها الاحتفال هو دور النوبة في العمل العام ومشاركة أبنائهم منذ قديم الزمان في كافة مناحي الحياة، فعلى مستوى الممالك، فقد أقامت النوبة مملكة عريقة في السودان هي مملكة “تقلي”، والتي تعد من أكبر الممالك الإسلامية في المنطقة، وأسست هذه المملكة في منتصف القرن السادس عشر على يد الملك جيلي أبو جريدة. وكلمة المك في السودان تعني الملك، واستمرت هذه المملكة حتى تاريخ السودان الحديث، وكانت من أكبر الداعمين للثورة المهدية في عهد المك آدم أم دبالو”.

ويضيف أن من “أبرز أمراء النوبة العظام في الدولة المهدية الأمير عمر المر ابن المك آدم أم دبالوا، وحمدان أبو عنجة، والزاكي طمل، والنور عنقرة، وحينما شاركت قوة دفاع السودان إبان الحكم الإنجليزي بأورطة في المكسيك، كان قوامها من أبناء النوبة”.

وتابع، “كان للنوبة مشاركة بارزة في الثورات على الحكم الإنجليزي، أبرزها ثورة الفكي على الميراوي بجبال النوبة. وكلمة (الفكي) في السودان تعني الفقيه، كذلك ثورة المك كوكو كبنقا، وقد استخدم الإنجليز ضده الطيران الحربي لأول مرة، وكان رجلا كبير السن، فقبض عليه الإنجليز وأودعوه سجن كوبر بالخرطوم بحري هو وأبناؤه وجنوده، ثم أفرج عنهم، إلا أن الإنجليز منعوهم من الرجوع إلى جبال النوبة ومنحوهم مساحة شرق سجن كوبر ليقيموا فيها مساكن لهم، وهي ما تعرف الآن بـ (حلة كوكو)”.

سبوتنك

‫2 تعليقات

  1. ما تخمونا
    لا علاقه بنوبه الحضاره الفرعونيه وملوك مروي وكوش بنوبه الجبال في جنوب السودان،،،هل تدري يا نعسان ان حتي نوبه جبال النوبه هم دخلاء ع هذه المنطقه ونزحوا اليها وليس موطنهم الاصلي….كانو يعيشون في اثيوبيا الحاليه في جبال ايضا وهي مرتفعه من ارض السودان….ضربت المجاعه اثيوبيا فهبطوا منها الي السودان واستقروا ف الجبال ايضا لانها ابناء الجبال….طبعا مع العهد الجديد الماركوسي حنشهد تزوير وتكذيب وتحريف لكل شئ للدين والانسان والشجر والحجر

    تبا لكم

    يتاجرون بقضايا البلاد لياكلو بها ثمنا قليلا
    يتاجرون من اجل ارضاء عملائهم الماسونيين والصليبين الذبن يعملون جاهدين من اجل طمس الاسلام وانسان الاسلام …تبا لكم …سنكون بالمرصاد

  2. إصطنع السودانيون في وقتنا الحاضر تصورات خاطئة عن أنفسهم وعن ماهيتهم وعن ما كانوا وما سيكونون.. وقد نظموا علاقاتهم العشائرية مع بعضهم البعض وفقا لتلك التصورات البريئة والصبيانية .. ولقد كبرت منتجات عقولهم هذه حتي هيمنت عليهم وعلي حياتهم. وأصبح الصراع المجتمعي سمة لازمة للبقاء في وطن اصبح لا يسع الجميع.. صراع الوعي الزائفً هذا انتقل من هنا قبل يومين الي العاصمة الفرنسية باريس ، وفي منبر كبير يبحث عن تاريخ السودان ، كانت هناك إستجابة مباشرة عبرت عن بعض ما يدور في الساحة المحلية من عراك .
    الورقة التي شاركت بها بروفسور : سامية بشير دفع الله متخصصة “تاريخ السودان القديم”، والحاصلة علي الدكتوراة من جامعة كامبريدج 1982م، والتي تُشارك بإستمرار بأوراقها العلمية في المؤتمرات الدولية ولا تأنو جهدا في تقديم خبراتها لما فيه خير البلاد ومصالح مواطنيها وهويتهم. ظلت متابعة لما يدور في الساحة المحلية- خارج الأطر العلمية- من صراع ثقافي ألقي بظلاله ليجرد بعض المواطنين من أهليتهم وأحقيتهم في الاستمتاع بتاريخهم.
    الكنداكة السودانية الأصيلة والتي لم توفق في المشاركة الجسدية حضوراً لمؤتمر الدراسات النوبية الأخير المنعقد في عاصمة الأنوار منتصف هذا الشهر بسبب ظروفها الخاصة التي أدت لتأخيرها في العودة من إبنتها في السعودية ، الشي الذي تلزمها للحضور قبل أسبوع للوطن، ومن ثم لم تستطيع السفارة الفرنسية بالخرطوم منحها تأشيرة الدخول والمشاركة رغم اجازة ورقتها من قبل لجنة المؤتمر . مما إطرها لتكليف أحد الحضور لتقديم الورقة إنابة عنها. ورغم ما صاحب تقديم تلك الورقة
    من لغط ومغالطات واشتباكات مع مصريين ونوبيين .. مما أستدعي رئيس الجلسة البروفسور كلود ريللي للتدخل شارحاً وموضحاً وجهة النظر المقصودة ، وما تريد صاحبتها تبيانه فيها.
    وحسب ما شوهد من عراك لفظي وتخاشن كاد ان يتحول الي شي آخر ، وفقاً لفيديو منسوب لتلك الواقعة .. الشي الذي دفعني للاتصال بالبروفسور سامية. وسؤالها عن ماهية الورقة تلك..؟ والبروف التي أكدت رغم السعادة التي تملكتها بعد ان تولي “احد ما” تقديم الورقة، إلا أنها لم تخفي بعض التحفظات علي الأداء، واختيار الكلمات، مما سبب إشكالية في طرح الفهم العام والمقصود… وعندها طلبت منها مدّي إن أمكن بفحوى المشاركة ونشرها .. فلم يتبين المتابع كُنه الورقة وما فيها.. خصوصا وان هناك هجوم كبير قد شُنَّ عليها.. وقامت مشكورة بأريحيتها المشهودة بمدّي بنسخة باللغة الانجليزية الأصلية التي أجازها المؤتمر العلمي الأخير لقناعتها بأهميتها وصلتها المباشرة بمشاكل وصراع الهوية السودانية الحالية.

    إبتدرت سامية الورقة بسؤال ومناقشة للعلماء المشاركين من مختلف دول العالم في هذا المؤتمر حول الأنسب والصحيح من الألفاظ الذي يمكن إستخدامه للإشارة إلى سكان وثقافات المنطقة النوبية قبل عام 550 م. فماذا نسميها : أثيوبية أم نوبية أم سودانية؟
    ومن ثم قامت بمناقشة كل اسم منهما علي حِدة، مشيرة الي ان المنطقة الممتدة من شمال أسوان [دكا] الي جنوب ملتقي النيلين الحالي ، أخذت تتوالى عليها في الكتابات هذه الثلاثة مسميات، حيث مازالت مستعملة من قبل كُتّاب مهمين في التاريخ السوداني القديم، ومتخصصين من من عملوا في المنطقة من المنقبين والآثاريين. وتُشير كتاباتهم في بعض الآحيان الي تحيز مقصود لواحد من هذه الاسماء الثلاثة دون غيره. فإسم أثيوبيا هو أقدم الاسماء التي اشارت الي المنطقة والي السكان، وربما إزدهار المسمي يعود الى ما ورد حوله في الكتب الكلاسيكية اليونانية القديمة. وحمل ذلك المسمي أب الأثار السودانية “جورج رايزنر” في كل كتاباته.لكن كثيراً من العلماء حسب متابعتها قد تجاوزوا هذا الاسم ، ربما لأن أغلب المواطنين يرفضونه -في رأي دونهام- وبحسب أنه يعني الآن شعباً آخر في دولة أثيوبيا الحديثة. وبعد العام 1950 يقوم تلميذ “رايزنر” وهو “داوس دونهام” بتغيير المصطلح للاسم الصحيح المتداول وهو “كوش”، وحملت مجموعته المهمة من أربعة مجلدات إسم: “المقابر الملكية الكوشية” وأصبح من بعده هذا المسمي هو المستعمل فيما يلي الإشارة لتلك الحضارة.

    لكن زوال المملكة المروية ونهضة الديانة المسيحية في القرن السادس، هو ما عجل بنسيان هذا الاسم ليحل الكتابة عن المنطقة والشعب بإسم [النوبة] في الكتابات المنسوبة لجُلّ الرحالة والزائرين من العرب والأوربيين. ورغم وجود ثلاث ممالك وهي [نوباتيا والمقرة وعلوة] إلا ان أن المنطقة عرفت فقط بإسم النوبة. ومع تفسخ اللفظ Nubia نبحث لنجد أن أول ذكر له كان عند الكاتب اليوناني “إراطوسطينس” 200 ق م…الذي إبان :(أن “النوبة” هي قبيلة كبيرة تسكن في غرب النيل، فيما يسكن “البليميز” في شرق النيل الي حدود البحر الأحمر ويسكن “الاثيوبيون” علي النيل جنوب مصر).

    ويرتبط حسب الورقة مجيء النوبيين لوادي النيل بإعادة توطين النوبة السفلى فقط “آدامز ” ، ويقرر آخرون تاريخ قدوم النوبيين إلى القرن الرابع الميلادي مثل “تايقر”. فيما يعتقد “آدامز” أن النوبيين خلال القرون الأولى من عصرنا عاشوا في وادي النيل كمواطنين تابعين وفِي ظِل المرويين، ويعتقد أيضاً انه وربما أنهم قد قاموا في أثر ذلك بتبني الثقافة المروية. لكن وبعد بضعة عقود من سقوط مروي في 350ميلاية ، أصبحوا قادرين على ترسيخ أنفسهم كأباطرة للبلاد ، وكان ملكهم الأول هو “سيلكو” الشهير الذي وصف نفسه في معبد كلابشة بأنه ملك النوبيين وكل الأثيوبيين.
    عموما تخلص سامية في الورقة الي ما ذهب اليه قبلها “إليوت سميث” و”هيللسون” و”تايقر” بإعتبار ان إطلاق مسمي النوبية علي السكان والمنطقة فيما قبل 550م هو : “مضلل ويقود الي عواقب وخيمة في المستقبل”. و المستقبل هنا ما تتكلم فيه سامية: في إشارتها للصراعات الحاصلة الآن بين قبائل العرب النيلية (رباطاب، مناصير، جعليين، شايقية…)، والنوبيين (المحس، السكوت، الحلفاويين، الدناقلة) وهو صراع تجده يشتد في وسائل التواصل الاجتماعي، وفِي الندوات العامة المباشرة، لكن تشير الي حتمية تطوره في المستقبل الي ميادين أخري.. ان واصل العلماء الإشارة للتاريخ القديم بلفظ Nubian . او النوبية.
    وجماع النقد في الورقة هو ما تلتمس فيه سامية: بداية الصراع .. والذي في رأيها نشؤه يرتبط مباشرة بواقعة التهجير التي حدثت للنوبيين إثر قيام السد العالي في العام 1964م. ومن ثم فإن تداعيات ذلك أفضت لانقسام النوبيين في إعادة توطينهم الجديد، والممتد في دولتين.. مما شكل لديهم حلم الدولة الواحدة “دولة النوبة”-المترجم-. وما ذاد من تشكيل هويه هذه الدوله هو تبني “اليونسكو” لحملة إنقاذ الآثار الناتجة عن قيام بحيرة السد بإسم (حملة إنقاذ آثار النوبة). هذا ما دعي النوبيين للإعتقاد جازمين من بعد ذلك بأن مناطق نبتة والبركات ومروي هي ارضهم وملكهم التاريخي.. وعليه يجب إزاحة بقية المكونات الموجودة فيها .وفي هذا تقول سامية:[يبدو أن السكان النوبيين -مع بعض الباحثين- وبطريقة ما ، ظنوا أن اسم “النوبية” الذي يكتبه العلماء في هذه التقارير يشير إلى أسلافهم .. وأن هؤلاء الأجداد كانوا صانعي جميع الثقافات والحضارات القديمة المكتشفة هناك..!!. وقد يتساءل المرء عن الأسباب التي جعلت النوبيين يؤمنون بقوة في هذا الاعتقاد ..هذا إيمان لا أساس له من الصحة].
    وتمضي سامية قائلة: [أحد الأسباب الواضحة هو فشل الكُتّاب الأوائل في تاريخ وعلم النوبة -السودان القديم- في الشرح للقراء عن نوعية الفرق :
    النوبية بما تعني المنطقة والجغرافيا ..!!
    والنوبية حسب العرق واللغة ..!!
    كان يجب على هؤلاء الكتاب أن يشرحوا لقرائهم ذلك]
    كما لا تُخْفِي سامية صدقيتها في ضرب مكامن الضعف والوهن العلمي في ورقتها .. فتتهم بعض العلماء صراحة بالتحيز الاعمي لقبائلهم علي حساب الحقيقة ، وتشير أصابع الاتهام الي عالم الاثريات السويسري “شارلس بونية” وقيامه بإدجلاج مفاهيم خاطئة للأهالي في كرمة قائلة: [يبدو أن بونيه كان يُخبر النوبيين المعاصرين ، بشكل غير رسمي ، أنهم المنحدرون مباشرة من ملوك كرمة العظماء]. هذا وتجد الكثير من القرائن والدلائل التي تشير إليها الورقة المهمة حول الهوية وخطورة دلالات المسمي العلمي “نوبيا” فيما يخص قبل العام 550م .

    والتاريخ الذي يرتبط عندنا وبقية الناس بالمفاهيم والأفكار والصور ويكون منتجاً للوعي العام ، و وسيلة للتقدم.. أصبح بفعل سياسي نوعاً من الأغلال الحديدية إرتبط بتكبيل وتشكيل وعي خاص عند الأعراق النوبية، وبالتالي فقد تطور لديهم شعور مشترك عن أنفسهم وماهيتهم. فأُنشئت في سبيل ذلك الصحف، والنوادي، والمنتديات، وصارت وسائل التواصل الاجتماعي تهدُف لتقوية وتوحيد المجمع النوبي. وبُذلت الجهود لكتابة اللهجات النوبية المحلية باستخدام الحروف الهجائية العربية أو اللاتينية. كما شعر النوبيون وفهموا فيما بينهم أن كل تراث المنطقة ، بما في ذلك المعالم الأثرية من الشلال الرابع وحتي مروي القديمة ينتمون اليهم. وان الملوك المدفونين في البركل والبحراوية هم من النوبيين وأنهم فقط من ينحدرون من تهارقا وبعانخي وتانوت آمون.

    وفِي الختام بعد أن أوضحت سامية الشكوك حول عدم صحة استخدام المصطلح النوبية Nubian لتعيين ثقافات وشعوب منطقة النوبة قبل عام 550 ميلادية، وفقاً للدلائل والمصادر الواردة في آخر الورقة ، تقوم بإعادة طلبها المعنون بغلاف الورقة.. وبصفتها “عالمة سودانية” تعيش الوقائع علي الأرض ، قائلة: [ المرء منا يأمل منكم أيها السادة العلماء تتجنب الدعوة في استخدام المصطلح عند الكتابة. وقد تسألون عن البدائل في حالة إسقاط العبارة واللفظ..؟. وفي رأيي هناك العديد من البدائل ، ويعتمد الاختيار من بينها على نظر الكاتب. إذا كان الكتّاب يذكّرون دائمًا بالعواقب التي قد تنشأ عن استخدام مصطلح ما بطريقة غير ملائمة ، فإنهم سيجدون وسائل وطرق لتجنب استخدامه].
    وتواصل: [ في حالة كتابة تاريخ عام للمنطقة التي تمس جميع الفترات القديمة أو العديد منها ، ينبغي استخدام اسم السودان ].