ضياء الدين بلال: (الإنفينيتي).. بين حسبو وود الفكي!
-1- الأستاذ الكبير الراحل المُقيم سيد أحمد خليفة، درج على شنِّ هجوم كاسح وعنيف عبر صحيفة (الوطن) على الإسلاميين ورموزهم.
حينما تدخَّل بعض الوسطاء طالبين منه أن يُخفِّف من الهجوم والنقد، قال لهم: (الناس ديل قايلين نفسهم ملائكة، نحن مهمتنا في الصحافة إقناعهم بأنهم بشر عاديين، بعد ذلك نوريهم أيِّ نوع من البشر هم).
مُهمَّة الصحافة في كُلِّ الأزمنة والحقب السياسية، تجريد الحاكمين من المزاعم والادِّعاءات، وتقديهم للرأي العام بطبيعتهم البشرية، بمحاسنهم وعيوبهم دون تزيُّدٍ ولا انتقاص.
مسؤولٌ رفيعٌ يحكي لخاصته في أيّامه الأولى في السلطة، كان يتعجب، لماذا كلما دخل إلى مكان قام له الجالسون وصمت المتحدثون؟!
بعد أكثر من عامٍ في بلاط السلطان، قال إنه أصبح يستبدُّ به الغضب إذا دخل إلى مكان ولم يقم له الجالس ويصمت المتحدث!
-2-
يقول لي صديق من أهل الطبِّ بإحدى الجامعات الأمريكية، إن العلوم التشريحية أثبتت أن البقاء في السلطة لفترة طويلة، يُحدِثُ تغييراً في طبيعة المخ، أشبه بالتغيير الذي تُحدثه المخدرات مع طول الإدمان!
كثيرون تُغيِّرُهم السلطة ببهارجها ونعمائها وامتيازاتها التفضيلية، السيارات الفارهة والعيش الرغيد، ويعمل على إفسادهم المنافقون والحاشية وحاملي المباخر، حتى تأتي لحظة تصيبهم الأوهام، فيطول قوامهم وتلمع خدودهم، فيظنُّون في أنفسهم التميُّز والاستثناء.
تتغيَّر نبرة صوتهم وطريقة حديثهم ومشيتهم على الأرض، فتصبح ابتساماتهم بلاستيكية وضحكاتهم مصطنعة، ويبحثون عن الإعجاب في عيون الناظرين!
البعض اعتبر نشر (السوداني) خبرَ سيارات الإنفينيتي التي مُنِحَتْ لأعضاء المجلس السيادي نشراً سالباً من باب الكيد والتربُّص، فثارت ثائرتهم غضباً وسخطاً!
فوجئ آخرون حينما أبرزنا أمس أخباراً ومقالات نُشِرَتْ بـ(السوداني) في العهد السابق، عن السيارات الفارهة التي يمتطيها المسؤولون وعدم استحقاقهم لها، طالما أنهم لم يوفروا للمواطن أبسط احتياجاته الضرورية.
وكم كانت سعادتنا كبيرة لما ترتَّب على نشر الخبر وردود فعله في وسائل التواصل الاجتماعي، من تراجع بعض أعضاء السيادي عن استلام السيارات بعد 24 ساعة من ركوبها!
قرَّرنا في إدارة التحرير تحفيز الصحافية المتميزة سوسن محجوب، صاحبة السبق الصحفي.
-4-
كنتُ قد تلقَّيتُ في يوم نشْر الخبر اتصالاً هاتفياً كريماً من عضو المجلس السيادي، الدكتور حسن شيخ إدريس، مُشيداً بمقالي المنشور بالصفحة الأخيرة تحت عنوان (دعوا حمدوك يعمل)، مُطالبا بضرورة التركيز على ترسيخ ثقافة احترام الزمن، ومُثنياً على دور الصحافة في التنبيه والنصح.
في وقتٍ سابقٍ اقترحتُ على الأستاذ معتز موسى، رئيس الوزراء السابق، في لقاءٍ صحفيٍّ نزعَ سيارات الدفع الرباعي من المسؤولين وتحويلها لسيارات إسعاف في الولايات البعيدة خدمةً للمواطنين.
الرجل مشكوراً تبنَّى المُقترح وشرع في التنفيذ، ولكن كانت الاستجابة محدودة جداً، إذ وجدت الفكرة مقاومة شرسة من غالب كبار المسؤولين!
-5-
معلوماتي المُؤكَّدة من مصادر موثوقة، أن عشرات السيارات الفارهة جداً والأغلى ثمناً من الإنفينيتي، خاصة الأمريكية منها، ما تزال داخل القصر الجمهوري!
لا نُطالب بنزع كُلِّ تلك السيارات وبيعها في مزاد عام، ولكن لا بدَّ من بيع غالبها والاحتفاظ بالقليل منها للمهام العملية الضرورية.
لا نقول للوزراء وكبار المسؤولين عليكم امتطاء الحمير والدواب، ولكن عليهم بالسيارات الوطنية من صناعة جياد، تشجيعاً للصناعة الوطنية.
-6-
ظللنا نكتب منذ سنوات:
لا بدَّ من خفض القيمة المادية والتفاخرية للمنصب الوزاري، لتقلَّ جاذبيته إلى الحد المعقول، حتى يُصبح واحداً من عدَّة خيارات مُغرية.
لن تُحلَّ مُشكلات السودان، طالما أن المناصب الوزارية بكُلِّ هذه الجاذبية المُغرية بالتنافس الشرير.
لن تُحَلَّ مُشكلات السودان طالما أن لقب وزير أهم من كُلِّ الألقاب العلمية والوظيفية.
في بريطانيا ظلَّ ديفيد كاميرون رئيس الوزراء السابق، يستقلُّ مترو الأنفاق في حركته من المنزل إلى المكتب.
وفي روسيا، حرص وزير الخارجية سيرغي لافروف، على استقبال نظيره الأمريكي، بسيارة روسية قديمة أُنتجت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م.
حتى في الدول القريبة للسودان، إثيوبيا وإريتريا، تجد الوزراء في الأسواق والنوادي، يُمارسون حياتهم دون مظاهر سلطوية تُمَيِّزُهم عن غيرهم من المُواطنين.
-أخيراً-
لا تحصّنوا المسؤولين في عهد الثورة من نقد الصحف، فتُعينوا شيطان السلطة عليهم.
بل أعينوهم بالنقد والملاحظات حتى يظل ضميرهم يقظاً، وعيونهم مفتوحة إلى أقصى حد الانتباه؛ فكلاب الحراسة تقف على نواصي الطرقات!
نحن في حاجة لتغيير المنهج والسلوك لا الأشخاص والوجوه والأسماء.
فالتغيير الذي دُفِعَتْ فيه دماء غالية، لا يعني أن يمتطي محمد الفكي السيارة التي كان يستخدمها حسبو عبد الرحمن!
ضياء الدين بلال
يا ضياء كنت من الذين يحترمون كتاباتك لكن بعد ثورتنا المجيدة اتفاجأ بك في قطر ومقابلة حية تحلل ونفسك قائم من هول الصدمة ( ثورة الجياع ) الآن فقط علمت بهذه السيارات من أول كنت وين ( الليلة جاي تعتذر ما أنتم معشر الصحفيين ضيعتوا اللي كان ) حسبنا الله ونعم الوكيل من كل فاسد ان كان ( إداريا …..ماليا …..فكريا ) اللهم أحفظ أهلنا من سوء بعضنا .
أين تعليقي ؟
فى كل الاحوال لم يموت الشهداء من اجل ان يركب المسئولون سيارات انفينيتى على حساب ارواحهم و من اجل ان يسكنو منازل فخمة .. على المسئولين ان يركبو سياراتهم ويسكنو فى منازلهم وان يعلمو انهم موظفون لخدمة الشعب طالما قبلو هذا التكليف الضخم .. لا نريد اى مخصصات لاى مسئول فالوزراء فى هولندا يركبون الدراجات .. لنبدا من الان و ليكون المسئولين مثالا للتجرد ولوطنية وليكونو نورا لمن بعدهم .. هذا اوان الاخلاص و البذل و العطاء لهذا الوطن الحبيب و لهذا الشعب العظيم