جرائم وحوادث

“جعلوني مجرما”.. تفاصيل انتقام عامل فصله صاحب محل أحذية في “ليلة العيد”


فرحة تسود الشوارع، أطفال يملأون الطرقات والأزقة، رواج كبير في سوق بيع الماشية، العمل على قدم وساق في الساحات، الكل يعد العُدة لاستقبال أول أيام عيد الأضحى المبارك، بينما يتلقى “أحمد”- اسم مستعار”- خبرا صادما حمل معه عنوان فيلم الفنان الراحل فريد شوقي “جعلوني مجرما”.

مع تردي أوضاعه المادية، ترك العامل البسيط مسقط رأسه في محافظة أسيوط، قاصدا محافظة الجيزة، استقر به الحال رفقة زوجته وأطفالهما الثلاثة داخل شقة مستأجرة بمطقة المنيب ذات الكثافة السكانية المرتفعة، حصل على وظيفة بمحل أحذية مقابل راتب جيد.

قضى عاما ونصفا بين جنبات المحل، متجاوزا العديد من المطبات والأزمات؛ آملا المزيد من الاستقرار له وأسرته قبل أن يتبدد الحلم “يوم الوقفة”.

اتخذ مالك المحل قرارا مفاجئا بطرد “أحمد”، حاول الأخير الوقوف على الأسباب الكامنة لفصله وإقناع صاحب العمل بحاجته الشديدة لراتبه الشهري للوفاء بالتزاماته المالية مخاطبا عاطفته “إحنا داخلين على عيد” لكن دون جدوى.

عاد العامل الثلاثيني بخيبة أمل أثقلت كاهله، يخطو درجات سلم العقار سكنه كأن أكياسا من الرمال رُبطت بقدميه، أفكار عدة تجول في خاطره، كيف سيخبر زوجته؟ ماذا عن خطوته المقبلة؟ أسئلة دون أجوبة ضاعت معها فرحة “ليلة العيد”.

حاول صاحب الـ38 سنة إخفاء الخبر المشؤوم عن أسرته حتى ينعموا بعيد سعيد، إلا أن رفيقة دربه صارحته بما يحدثها به قلبها، وحاولت طمأنته بأن الله سيرسل له الرزق الوفير.

لم تلق كلمات الزوجة قبولا لدى “رب الأسرة”، جلس منزويا في أحد أركان شقته يبحث كيف السبيل لتجاوز الأزمة المفاجئة التي ألمت به، إلا أنه استسلم لوساوس “إبليس” وأضحى جل همه الانتقام ولا شيء سواه.

منذ 10 أيام تلقى مشرف غرفة عمليات الحماية المدنية بالجيزة إشارة من إدارة شرطة النجدة بلاغا بحريق داخل مخزن بمنطقة المنيب، ودفع اللواء هاني سعيد بـ4 سيارات إطفاء بقيادة نائبه اللواء إيهاب عبدالحميد، وأخمد رجال الدفاع المدني الحريق الذي ألحق بصاحبه خسائر فادحة؛ إثر تفحم محتويات المخزن في تمام السادسة صباحا.

ثمة شبهة جنائية تلوح في الأفق، معاينة المعمل الجنائي تشير إلى أن الحريق ناتج عن اشتعال إحدى المشتقات البترولية، وأن الحريق “بفعل فاعل” ليوجه اللواء محمود السبيلي، مدير مباحث الجيزة، بتشكيل فريق بحث من ضباط فرقة الغرب بالتنسيق مع وحدة مباحث الجيزة.

منذ الوهلة الأولى لوصوله موقع الحريق، عمد المقدم مصطفى كمال رئيس مباحث الجيزة، إلى فحص كاميرات المراقبة التي كانت طرف الخيط لحل اللغز، إذ أظهرت شخصا ملثما ممسكا بحقيبة سوداء قبيل اندلاع الحريق بوقت قصير.

المرحلة الثانية كانت تتبع خط السير، تولى الرائد هشام فتحي معاون أول مباحث الجيزة، مهمة تفريغ كاميرات المراقبة وصولا إلى المنطقة التي يقطن فيها “المُلثم” حيث أحد الشوارع الضيقة بمنطقة المنيب.

وجه المقدم مصطفى كمال معاونيه بفحص العاملين السابقين والحاليين في المحل، وإعداد قائمة عن المترددين وتعاملات مالكه التجرية، فجاءت المفاجأة لدى اضطلاع صاحب المحل على نتائج فحص الكاميرات، وأن المشتبه به يقطن بالقرب من موقع الحريق “مش ممكن.. ده الصبي اللي كان شغال عندي ومشيته قبل العيد”.

بدت الصورة جلية أمام رجال المباحث بقيادة العقيد محمد الشاذلي مفتش مباحث غرب الجيزة، الذي وجه بسرعة ضبط المتهم بإعداد أكمنة في الأماكن التي يتردد عليها.

48 ساعة لم يذق فيها ضباط المباحث طعم الراحة، تحول الأمر إلى كر وفر، غادر المتهم شقته المستأجرة إلى مسقط رأسه “أسيوط” ومنها إلى القاهرة ثم إلى الإسكندرية وأخيرًا العودة إلى العاصمة؛ حيث نجحت مأمورية قادها المقدم هشام بهجت، وكيل فرقة الغرب، والنقيب عمر مبارك، معاون مباحث الجيزة، من ضبطه مختبئا بشقة أحد أقاربه.

“إنتم عرفتوا مكاني إزاي؟” صدمة ممزوجة بحسرة سيطرتا على المتهم لدى اقتياده للقسم، التزم الصمت حتى تم إيداعه غرفة الحجز لينتظر مصيره الذي ستحدد النيابة العامة ملامحه كاملة.

مصراوي