رأي ومقالات

تدجين الصحافة وصناعة الوهم


لو حاولنا مقارنة حال الصحافة السودانية بين الأمس واليوم نجد أننا كنا بالأمس نواجه بالفعل صعوبات كبيرة في ممارسة العمل الصحفي ونقص حرية النشر بسبب سيطرة السلطة على الصحافة من خلال الرقابة الأمنية على الصحف. وكانت الصحافة السودانية برغم تلك الظروف والتضييق المستمر عليها تصر على تأدية مهمتها بكفاءة كبيرة وتمكنت صحافة الخرطوم برغم تلك الظروف من أن تتفوق على السياسيين بدورها المشهود والموثق في كشف الفساد وتنوير الرأي العام حتى أن معظم قضايا الفساد التي كانت تتبناها القوى السياسية المعارضة فجرتها بالأساس وكشفت معلوماتها الصحف السودانية..
ذلك لأن من يقومون بالرقابة الأمنية القبلية كانوا يهتمون بشكل أساسي فقط بالجانب السياسي المباشر في الصحيفة بمنع أخبار أو تصريحات سياسية وإيقاف نشر حوارات مع قادة الحركات المسلحة وبعض السياسيين المعارضين أحياناً لكن لم يكن لديهم اهتمام يذكر بمنع وإيقاف نشر التحقيقات الصحفية ذات الصفة الاستقصائية مما جعل الصحف تركز أكثر على هذا الملعب البديل للملعب السياسي المحظور.. ملعب التحقيقات والبحث عن ملفات الفساد لأنها على الأقل لا تجد حماية مباشرة وواضحة من تلك الأجهزة التي كانت تقوم بالرقابة..
أقول هذا من واقع خبرة عملية طويلة في الصحف السودانية ومعرفة جيدة واحتكاك لصيق بالرقابة الأمنية بأشكالها المختلفة خاصة حين كنت أشغل مواقع تحريرية في الصحيفة.
صحيح أن الصحافة تخلصت الآن من هاجس الرقابة الأمنية بشكلها التقليدي القديم وتوفرت لها (نظرياً) مساحة أوفر من الحرية لكن هذه الحرية لا تزال عملياً منقوصة بسبب التنمر الإسفيري على الصحف وأقلام الصحافة السودانية وهوس اتهام النوايا والذمم المهنية حين تحاول تلك الأقلام ممارسة دورها الطبيعي في تقديم النقد الصحفي والملاحظات حول تشكيلة حكومة قحت أو أدائها التنفيذي لتجد أقلام الصحافة نفسها محاصرة بكتائب من الكائنات الإسفيرية التي تحاول ممارسة نوع من الرقابة العبثية من خلال حملات تخوين وتجريم لكل حرف أو كلمة لا تصادف أهواءهم..
هذه المجموعات المهووسة تريد من الصحافة السودانية ممارسة تطبيل مستمر لحكومة قحت حتى تحظى بصكوك البراءة من تهمة التعاطف مع الكيزان..
يريدون صحافة لا مساحة فيها لأي كلمة ناقدة أو ملاحظة موضوعية على وزراء تنفيذيين في حكومة انتقالية وفي مناخ من المفترض أنه مناخ ديموقراطي حر..!!
إما أن تصمت عن هرطقات صغيرون وتهويمات السيدة عائشة وتهويدات وزير الشؤون الدينية وغير ذلك أو أنك مجرد كوز مندس يجب أن تداس دوساً دوسا..!
سيندم هؤلاء على نتائج تدجين صحافة الخرطوم في حالة استسلام أقلامها لهذه الحملات وركوبها موجة تطبيل تتغافل عن كل الأخطاء وتغض الطرف عن أية ملاحظة سالبة تفادياً لذلك الاتهام الجاهز لتلك الأقلام.. سيندمون لأن تحويل صحافة الخرطوم في المرحلة القادمة إلى صحافة تطبيلية بسبب هذا النوع الجديد من القمع والتكبيل سيصنع فراغاً حقيقياً على مستوى الوعي السياسي والتنوير.
على الجميع أن ينتبهوا إلى خطورة هذه الممارسة العبثية التي تحاول نقل كل ملف يثار في الإعلام ومنابر الرأي العام حول أداء الحكومة أو أداء المسؤولين فيها إلى المعترك السياسي الذي لديه ختم جاهز لإغلاق النقاش هو ختم (كوز).. عليهم أن ينتبهوا لهذا النوع الخطير من القمع الجديد في زمان الحريات..

شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
بقلم
جمال علي حسن


تعليق واحد

  1. مهما تحاول تشرح وتوضح في ناس ما عندها غير نفس الرد
    وكانهم موجهون واقوالهم مكرره كان جهة ما تطلب منهم قول ذلك
    ولن تسلم مهما صفت نواياك طالما تنك لم تمدح قحت فأنت

    (((((كوز ومعفن كمان)))))