رأي ومقالات

اسحق احمد فضل الله: نوفمبر 1964


نوفمبر 2019
– 28/1/1965 الصادق المهدي يرسل خطاباً لمجموعة صغيرة يحكي فيه تجربته مع الشيوعيين
– والصادق يسجل الأحداث شهراً.. شهراً
– وحديث نوفمبر 1964 يصبح مدهشاً.. مدهشاً.. مدهشاً.. وهو يحكي نوفمبر 2019
– وحديث الصادق حرفياً هو
– نوفمبر 1964
– وفي بداية نوفمبر قامت الحكومة القومية الانتقالية ومنذ الأسبوع الأول لقيامها بدأنا ندرك أن تخطيطاً خطيراً أطل برأسه إذ أن جبهة الهيئات شرعت تتصرف كأنها حزب سياسي وتعلن أن الوزراء الثمانية هم وزراؤها كأنما هي حزب سياسي صاحب أغلبية وقد دخل في وزارة ائتلافية مع أحزاب صغرى مع العلم أنه لو كان واضحاً أنها ستكون حزباً سياسياً لكان حظها وزيراً واحداً. وعاودت مسلكها الذي سلكته أو سلكه قادتها في موكب السبت في محاولة لعزل الأحزاب السياسية ومضت وفق مخطط شيوعي تحاول تسيير الحكومة من الشارع بأسلوب المواكب والمظاهرات حتى انتهى ذلك المسلك بالبلاد إلى إعلان الإذاعة الكاذب في التاسع من نوفمبر، فعندما سمعنا الإذاعة ذهبنا للاستيلاء على دار الإذاعة وأرسلنا من يتحرى لنا عن تحركات الأسلحة فمكثنا بالإذاعة مدة من الزمن وعاد الرسول ليؤكد لنا أن الأسلحة لم تتحرك وأنه قد تفقدها جميعاً في أماكنها فشرعنا نتحرى عن مصدر الخبر وكيفية إذاعته فاتضح لنا أن مصدره أحد الشيوعيين وأنه أُذيع بغير تفويض من رجال الحكومة فبقينا بالإذاعة لحمايتها من تلاعب المخربين. وفي اليوم التالي رأينا أن نضع حداً لهذا الهرج والمرج فسيرنا موكباً من أم درمان حتى مجلس الوزراء محتجين على ذلك العبث مطالبين بإيقاف المواكب والتهريج فاستجابت الحكومة مشكورة وعاد الحال إلى بعض الهدوء.
بعد ذلك ركز الشيوعيون همهم في السيطرة التامة على جبهة الهيئات وأخذوا يعملون على تكوين اللجان في كل المصالح والجهات لتكون من مؤيديهم وتنتظم في جبهة الهيئات وأخذوا يدسون شعارات تهدف إلى احتكار جبهة الهيئات لثورة أكتوبر وإلى الانفراد بمخاطبة الشعب وقد بلغ هذا التخطيط منتهاه عندما دعت جبهة الهيئات إلى الاحتفال بمرور شهر على الثورة فعزلت القوات التي اشتركت وحصرت الدعوة في أعضائها هي وكنا نتساءل في بساطة المؤمن:
لماذا هذا المجهود لعزلنا؟ ولمصلحة من تفرق الوحدة القومية ما دامت جميع الاتجاهات سائرة في تطبيق الميثاق والاتفاق؟
وما كنا ندرك أن تخطيطاً دفيناً يحاك للبلاد! ولذلك دعوت سكرتارية جبهة الهيئات لأحقق معهم في الموضوع كله فبينوا لي أن ضيق الظرف هو الذي أدى لهذا المسلك وقالوا إنهم لم يدبروا الشعارات العدائية التي كررت في الاحتفال ولم تكن الحجج مقنعة.
وعندما بدأ القلق يساور الشعب من استمرار السيد إبراهيم عبود رأساً للدولة في فترة الانتقال أدركنا أن وجوده على ذلك المنصب لا يتماشى مع أحد أهداف الميثاق الهامة وهو البند الخاص بتصفية الحكم العسكري، شعرنا بالحاجة إلى مخرج من الاتفاق الذي عقدناه دون أن نرمى بعدم الوفاء فأرسلت للسيد إبراهيم عبود رسولاً في يوم 11/11/64 وطلبت منه أن يتقدم باستقالته تجاوباً مع المشاعر الشعبية فذكر للرسول أن هذا من رأيه واستجاب مشكوراً في ليلته فاتصلت بالسيد رئيس الوزراء وأبلغته الخبر ورجوته أن يعمل مجلس الوزراء بالتشاور على تعيين مجلس سيادة خماسي ليخلف السيد عبود وأن يجري التنازل والتعيين في وقت واحد. تم التنازل ولكن مجلس الوزراء لم يفلح في تعيين مجلس السيادة الذي خضع أمره لمناورات دبرها بعض الشيوعيين وكانت جبهة الهيئات طرفاً فيها واستمرت المناورات حتى حسمتها حكمة مجلس الوزراء أخيراً.
ومضى الشيوعيون يحطمون كل نظم الإدارة والخدمة المدنية والعسكرية ويسعون لإقامة لجان وخلايا في تلك الأجهزة الحساسة ويحررون لها الجرائد التي تخاطبها وتناشهدها تأييد مبادئهم.
ومضى الشيوعيون يشوهون الشعارات الوطنية الصادقة مثل التطهير متصرفين تصرفاً يجعل المسؤولية في مجلس الوزراء غير تضامنية مستغلين التطهير لنشر الذعر ليفرضوا يداً عليا على المواطنين. إن التطهير لخدمة مدنية ترك فيها الحكم الأجنبي كثيراً من رواسبه وترك فيها الحكم العسكري كثيراً من مصايبه كان هدفاً كبيراً وكان ينبغي أن يخضع لأساس ذي مبادئ وأساليب تكون دروساً في الوطنية والعدالة فجاء ضجة مثيرة لا ضوء فيها.
من القضايا الجانبية مسألة تخصيص دوائر انتخابية للعمال والمزارعين وهذا الإجراء ربما صح في برلمان في دولة يحكمها حزب واحد لا ثاني له لأن الخلافات السياسية تكون بعيدة عن النواب إذ أن سياسة الحزب الواحد موضع تأييد الجميع أما إذا تعددت الأحزاب أو الاتجاهات السياسية فلا سبيل للعدل إلا إذا أعطى كل شخص صوتاً سواء أكان عاملاً أو مزارعاً أو راعياً أو تاجراً ويمكن لكل فئة أن تؤيد الحزب الذي يحقق برنامجه مطالبها وأن تسعى إلى ترشيح نائب تطمئن إليه عاملاً كان أو مزارعاً ويعمل مؤيدوه لنيل أصوات العمال في مناطق العمال والمزارعين في مناطق المزارعين.

ولا خلاف بين الناس على هذه النقاط ولكن المطالبة بتخصيص دوائر للعمال وأخرى للمزارعين جزء من الإغراءات الهادفة لبلبلة الكيان السياسي.

اسحق احمد فضل الله
الانتباهة


تعليق واحد