كيف تتحدث النباتات مع بعضها وتتبادل المعلومات؟
منذ فترة طويلة، كان هناك نظرية تقول إن التحدث إلى النباتات يمكن أن يساعدها على النمو بشكل أفضل، وقد يبدو ذلك أمرا سخيفا، لكن لا يمكن أن تكون فكرة استجابة النباتات لتحذيرات بني جنسها سخيفة على الإطلاق، فماذا لو كانت النباتات نفسها يمكنها “التحدث” مع بعضها البعض؟
هذا ما تناوله أندريه كيسلر أستاذ علم البيئة وعلم الأحياء التطوري بكلية العلوم والآداب جامعة كورنيل الأميركية وفريقه البحثي، خلال دراسة استمرت حوالي 12 عاما، ودرست اتصالات النباتات ببعضها البعض.
ووفقا لبحثهم -الذي نشر يوم 23 سبتمبر/أيلول بدورية “كارنت بيولوجي”- فإن النباتات في الواقع لديها وسيلة كيميائية للتحدث مع بعضها البعض.
العود الذهبي
بدا المشروع على نبات العود الذهبي “غولدنرود” (سولياجو التيسيما)، وهو من العائلة النجمية يحتوي على مئة نوع من النباتات المزهرة، وأغلبها عشبية توجد بالمروج والمراعي، ورصد تأثير حشرات من آكلات العشب وبصفة خاصة خنفساء ورقة القضبان الذهبية على النبات.
وتأتي رسائل النباتات مضمنة (مدمجة) على هيئة مواد كيميائية محمولة جوا تعرف باسم المركبات العضوية المتطايرة (VOCs) والتي تنقل المعلومات بين النباتات.
الاكتشاف الكبير بهذه الدراسة يسميه كيسلر “اتصالات القناة المفتوحة” استنادا إلى الأنماط الجينية، فالنباتات المختلفة لها روائح مختلفة. ولكن عندما تتعرض لهجوم من الآفات مثل خنفساء ورقة القضبان الذهبية، فإن الروائح الخاصة -التي تحملها المركبات العضوية المتطايرة- تصبح متماثلة أكثر.
وبينت النتائج أن النباتات المجاورة تلتقط رسائل المركبات العضوية المتطايرة التحذيرية، وتستعد للتهديد المحتمل، مثل هجوم الآفات الحشرية.
وقال كيسلر في بيان صحفي للجامعة “هناك نوع من التقارب من نفس اللغة، أو علامات التحذير نفسها، لتبادل المعلومات بحرية”. واستطرد “يصبح تبادل المعلومات مستقلا عن الكيفية التي يرتبط بها النبات ارتباطا وثيقا بجاره من النباتات الأخرى”.
وشرح آلية تحدث النباتات لبعضها البعض بقوله “المركب العضوي المتطاير المنبعث من نبات واحد يمكن التقاطه من قبل نبات آخر، ويمكن لتلك النباتات إما أن تقوم بتجهيز دفاعاتها أو تقوم بتحفيز تلك الدفاعات مباشرة”.
ومع ذلك، فان نوايا النباتات الحسنة تجاه جيرانها من النباتات تعمل فقط على أساس قاعدة “إذا كنت ترى شيئا قل شيئا” ويتم توزيع المهام لمهاجمة وإجهاد الآفات بشكل متساو عبر التجمعات النباتية نتيجة للتواصل بينها.
لغة خاصة
وقد وجد الباحثون أن النباتات -التي تعيش في تجمعات لا توجد فيها حيوانات عاشبة- لا تتبادل المعلومات بحرية مع جيرانها. وبدلا من ذلك، فإنها تحافظ على قناة خاصة مع أقرب أقربائها من خلال انبعاثات المركبات العضوية المتطايرة التي تحفز على المقاومة، ولكن مع أقاربها من النباتات فقط أو مع أجزاء النبات البعيدة عن موقع الضرر الموجودة على نفس النبات.
يعود الباحث فيقول “نحن نقوم بترميز لغتنا إذا كنا نريد أن نحافظ عليها كلغة خاصة، وهذا بالضبط ما يحدث هناك، ولكن على المستوى الكيميائي.. هذا التشبيه لافت للنظر لا ما كنا نتوقعه”.
ويوضح “ما نراه في كثير من الأحيان أنه عندما تتعرض النباتات للهجوم من قبل مسببات الأمراض أو آكلات العشب، فإنها تقوم بتغيير عملية الأيض”.
ولكن هذا ليس تغييرا عشوائيا في الواقع، فتلك التغيرات الكيميائية والأيضية تساعد أيضا على التعامل مع هؤلاء المهاجمين. إنها تشبه إلى حد كبير نظام المناعة لدينا، رغم أن النباتات ليس لديها أجسام مضادة مثل ما لدينا، فإنها يمكن أن تقاوم باستخدام كيمياء سيئة جدا، تشمل المركبات الدفاعية.
“دفع-سحب”
يقول كيسلر “بعض المركبات العضوية المتطايرة يمكن أن تكون جاذبة للحشرات المفترسة، أو الطفيليات التي تأتي بعد ذلك وتقتل آكلات العشب، ويتم إنقاذ النبات، ونسمي ذلك الدفاع غير المباشر”.
آلية دفاع أخرى هي المركبات العضوية المتطايرة نفسها. حيث وجدت الأبحاث السابقة لفريق كيسلر أن يرقات الحشرات تتجنب النباتات التي تنبعث منها هذه المركبات العضوية المتطايرة التحذيرية، بغض النظر عما إذا كانت النباتات قد تضررت أو لم تتضرر بالفعل.
ويمكن أن تكون لهذه النتائج تطبيقات عملية في جميع أنحاء العالم. ويوضح الباحث “لفترة طويلة، فكر الناس في استخدام التفاعلات بين النباتات بالزراعة العضوية لحماية نباتات المحاصيل، وخاصة عندما تكون لديهم أنظمة للزراعة البينية”.
واختتم أستاذ علم الأحياء بقوله “نحن منخرطون في العمل على نظام (دفع-سحب) في كينيا الذي وضعه المركز الدولي لفسيولوجيا الحشرات وعلم البيئة، ويقوم على التلاعب في تدفق المعلومات للسيطرة على الآفات بحقول الذرة”.
الجزيرة نت