رأي ومقالات

رسالة .. لك يا علي


١. أقرأ موضوع تغيير اسم داخلية الشهيد علي عبد الفتاح في إطار قناعة تزداد يوما بعد يوم أن النخب السودانية لا تكف أبدا عن النظرة الضيقة وعدم المسؤولية مقرونان أحيانا كثيرة بالسوء والإنتهازية.. هي قضية صغيرة وانصرافية لا تستحق التعليق..

*فقط هي فرصة لأرسل رسالة واجبة وأخلاقية *.

٢. الشباب الذي ملأ الشوارع في سبتمبر ٢٠١٣ وديسمبر ٢٠١٨ وقبلها وبعدها لم يخرج ضد علي عبدالفتاح.
بل خرج ضد منظومة حاكمة بالظلم والفساد ومصادرة الحريات..
لم تخرجه قضية أيدلوجية ولكن أخرجه الظلم والفساد والإستبداد.

٤. عندما ثار الشباب ثورتهم كان البشير يحشد حشوده المضادة لتدافع عن الإنقاذ.. لم يكن الناجي عبدالله ( رفيق درب علي عبدالفتاح ) هو من يقف مدافعا عن البشير في وجه الشباب.. بل كان مطلوبا ومطاردا وفي أحيان كثيرة معتقلا ومعذبا.. لكن كان الذي يدافع عن البشير إلى جانب الوطني حاتم السر وأحمد بلال واولاد الصادق المهدي وحسن إسماعيل ومسار ونهار وإشراقة محمود وميادة سوار الدهب ومحمد أبوزيد وابوقردة…الخ من أساطين نخب الامة والإتحادي والليبراليين وأنصار السنة وحركات دارفور وغيرهم.

٥. لا يستطيع أحد أن ينكر أن من بين من خرج في ثورة الشباب من لم يخرجه الظلم ولا الفساد ولا الإستبداد.. بل أخرجه صراع أيدولوجي محدد أو موقف سياسي او فكري ضد المنظومة الفكرية التي يمثلها علي عبدالفتاح..

وكذلك لا يمكن أن يغالط أحد أنه من ضمن ذات هذه المنظومة الفكرية التي يمثلها علي عبدالفتاح خرج شباب داخل صفوف الثورة على البشير وكان بعضهم في صفوفها الأمامية في الإعلام وفي الميدان يستقبلون الرصاص بصدورهم ويقدمون أرواحهم مهرا للتغيير..

٥. الشهيد علي عبدالفتاح اختار أن يكون وفيا لما يؤمن به وأن يقدم كل ما يملك ( زمنه وماله وطموحه ومستقبله وشبابه ودمائه ثم روحه ) في بطولة تشبه أفلام الخيال.
الشاب النابغة صاحب المواهب المتعددة من نبوغ أكاديمي وخطابة وشعر.. قاده نبوغه لدخول كلية الهندسة جامعة الخرطوم في وقت كان التنافس عليها محموما قبيل التوسع في التعليم العالي وانتشار الجامعات. ملأ ساحات النشاط الطلابي بمستوى عال من النشاط الفكري والسياسي.. وحوار راق مع كل المدارس السياسية والفكرية في الجامعة نقاشا ومناظرة وحوارا.
ثم هو لا يتردد في الدفاع عن ما يؤمن به حتى في سوح القتال.. فكان يذهب ويرجع مصابا.. ثم يذهب ويرجع بكسور مركبة.. ثم يذهب وأثر الجراح والكسور يؤثر حتى على مشيته لكنه يذهب مرارا وتكرارا.. حتى يقدم روحه أخيرا في ملحمة بطولية.

٦. في سبيل ذلك كانت تفوته امتحانات الجامعة. الجامعة التي طبقت عليه لوائحها وفصلته فصلا نهائيا منها .
لم يطالب إدارة الجامعة بمعاملة خاصة.. ولا ب ( امتحانات مجاهدين )..ولم ( يتاجر ) بكثرة ذهابه للعمليات لينال أي حظوة او تمييز.. بل حمل اوراقه وقدم لجامعة السودان التي أتاها ( مفصولا ) من جامعة الخرطوم.. وبدأ من الصفر

٧. لم تثنه كثرة إصاباته التي كانت معظمها إصابات بالغة مع ما فيها من آلام مبرحة وتبعات متطاولة ومستديمة ان يتعلق قلبه بالمكان الذي يؤمن أنه يتيح له الدفاع عما يؤمن به بأقصى قدر.. يكون هانئا وسعيدا وحيويا جدا وهو في تلك الأماكن.. ويكون حزينا جدا عندما يكون في أمان في الخرطوم.. وكان يعبر عن ذلك الحزن بمخاطبته لإخوته في مناطق القتال بملكته الشعرية المبدعة:

أخي إن تغشتنا بزخرفها الدنا
وإن قعدت منا القوى والعزائم
ذكرناك فالعهد القديم موثق
وميعادنا أن نلتقي بك قائم
وأسيافنا لما تعد لغمادها
وأقدامنا لم تسترح والقوائم
وإخواننا في كل ناحية لهم
دوي إذا ما كبروا كي يهاجموا
فلا.. وجناب بت تسرح حوله
نهادن في إسلامنا أو نساوم
وإن جمع الطغيان أصناف بغيه
وطوقنا ( طيرانه ) و ( الرواجم )
أنسلمه⁉️…..حتى نصرع دونه
تغادرنا أطرافنا والجماجم

كان يقول:
أماه هل أرتاح بعد رحيلهم
يعتادني الزوار والسمار
واعيش موفور المطاعم متخما
والجوع هد عظامهم والنار
أماه لو خيرت بين كفافهم
ونعيمنا فنعيمهم أختار
أماه لا أرضى مقاما خلفهم
إن القعود عن الجهاد صغار

٨. أسرة علي بعد استشهاده لم تجعل دماءه سلما لحظوة او مميزات.. لا زالت الإسرة تسكن ذات المنزل في الدروشاب.. أسرة من عامة أسر الشعب السوداني.. كان لها نصيب في السير على خطى ابنهم في طريق المبادئ التي آمن بها.. لذا كان للأسرة دورها في رفض الظلم والإستبداد.. بل إن نظام الإنقاذ اعتقل بعض أفراد هذه الأسرة الكريمة التي لم تكن بعيدة عن ثورة الشباب ضد النظام المخلوع.

٩. يمكن جدا أن يختلف الناس مع الفكرة التي حملها الشهيد علي.. ويمكن جدا أن يختلف الناس حول اختياراته في التعبير عن فكرته والدفاع عنها.. ويمكن جدا أن يعتبر الناس حول نتائج تضحياته وما آلت إليه أوضاع المشروع الذي دافع عنه.. وما فعل الناس بعده..
كل هذا مفهوم ومن الطبيعي أن تتباين فيه الآراء.

١٠. وليست القضية أبدا تسمية شارع او جامعة باسمه فهذه قضية لا تحمل اي قدر من الأهمية.. فعلي لم يفعل ما يفعل ليسمى شارع باسمه.. ولن يزيده تسمية كل شوارع الدنيا باسمه ولن ينقصه نزع اسم من هنا او هناك.. كل ذلك محض معاركة تافهة في قضايا حقيرة صغيرة لا تستوعب إلا الصغار..
لكنها بالنسبة لي كانت مناسبة للحديث عن شخص أكرمنا الله بمعاصرته.. ثم أكرمنا بالقرب منه حينا من الزمن للأجيال التي لا تعرف عن علي إلا لافتة في داخلية او صورة في تلفاز..

١١. الذين يعرفون علي معرفة جيدة ( حتى ممن يضاده في الفكرة ) يعلمون قدره جيدا.. وستعلم الأجيال الناشئة عن هذا الرجل لأن قناعتي أن سيرة مثل هذه السيرة لا يمكن أن تندثر

١٢. يا علي :
لن يضرك ما فعلنا بعدك
ولن تزيد كلماتي هذه من قدر الحياة التي عشتها والطريق الذي سلكته..
لكنها معذرة متواضعة وضئيلة وخجولة.. أختمها بكلمات خطتها قريحتك المبدعة:

فإن يشإ الإله بنا افتراقا
فإن الله يفعل ما يشاء
وإن ما قطعت سبل التلاقي
فإن وصال ما انقطع الدعاء
وإن صدقت لخالقنا النوايا
ففي جناته يكن اللقاء

*وسلام عليك في الخالدين
محمد عبد الرحيم


تعليق واحد

  1. شكرا حبيبتا د محمد عبد الرحيم علي الكلمات الانيقة في حق قائدنا الشهيد علي عبد الفتاح ان أمثال قحت ونشطائها السياسيين غبر جديرين بالرد عليهم فهم لا يعرفون الرجال ولا قدر الرجال