رأي ومقالاتمدارات

السعر الحقيقي للدولار الآن لا يقل عن 200 جنيه.. لماذا يجب ان يرتفع سعر الدولار ؟؟


إستقر سعر الجنيه في جنوب السودان منذ أكثر من ثلاث سنوات عند سعر 300جنيه كقيمة للدولار ، يزيد قليلا ليصل إلى 320 وينقص أحيانا إلى 280جنيها ، لكن دون أن تتجاوز قيمته هذه الأرقام إلا نادرا جدا .

منذ أكثر من عشرة سنوات وقيمة الدولار مستقرة تجاه الشلن اليوغندي في كمبالا لا يزيد أو ينقص إلا القليل جدا بدون أي تأثير على الإستثمارات ولا على مدخرات المواطنيين .

تحرير سعر العملة هو سبب استقرار أسعاره في هذه البلاد لأن أي دولة من دول العالم الثالث لن تصمد في دعم العملة المحلية وتحديد قيمتها ، و خاصة في وضع مثل وضعنا اليوم الذي نستجدي فيه الخبز و الوقود من العرب .

عند تحرير العملة في جنوب السودان كانت قيمته خمسون جنيها ، فأصبح يرتفع بسرعة شديدة و بزيادة شهرية لا تقل عن عشرة جنيهات ، إلى أن استقر في سعره الحقيقي بعيدا عن الدعم …
اليوم لا فرق بين السوق الأسود و البنوك في كل من كمبالا و جوبا ، فجميع التحويلات المالية تتم عبر الصرافات تحت نظر البنك المركزي و بعيدا عن السوق الأسود إلا في حدود ليس لها تأثير كبير لرفع قيمة الصرف …

الفوضى الحاصلة في الاسعار هذه الأيام في السودان ، هي أنسب فترة لتحرير العملة و رفع الدعم عنها و ترك الأسعار ليتم تحديدها وفق آليات السوق المتمثلة في العرض و الطلب ، و يتدخل البنك المركزي فقط عندما يحس أن هناك معروض كبير يؤثر على السوق فيقوم بشراء ، و يضخ في السوق عندما يشعر بارتفاع الطلب ، بذلك يستطيع البنك المركزي بعد فترة لا تزيد عن العام يستطيع السيطرة على كل الرساميل الأجنبية وفق الإجراءات الرسمية ، فأنا كمغترب لا شئ يدفعني لتحويل أي أموال بواسطة التجار ما دام السعر موحد ما بين الصرافات و الشارع !!.

الكتلة النقدية الأجنبية الضخمة المتحركة خارج النظام المصرفي سببها الرئيسي هو فروقات السعر الرسمي و السوق الأسود ، مثلا في مطار الخرطوم صرافات بائسة تحدد سعر الدولار ب 45 جنيها و عندما تقول لهم انك محتاج لبعض الدولار يقولون لك أنه غير متوفر ، و هذا يعني أنهم يخدعون بعض الأجانب و يشترون منهم الدولار بالسعر الرسمي 45 جنيه و يبيعونه في السوق الأسود بمبلغ 95 جنيها بفائدة تصل إلى 5 الف جنيه لورقة المائة دولار . فتخيل حجم الأرباح التي يحققونها اذا اشتروا فقط خمسة ورقات في اليوم الواحد . أرباح تتجاوز ال 25الف جنيه ، و هذا يعني أنهم يتحصلون على مبالغ تتجاوز ال 700الف في الشهر الواحد …
هذه التشوهات الاقتصادية و الأرباح الخيالية التي يحققها بعض تجار العملة و بعض المسئولين الفاسدين سببها الأساسي هو تحديد سعر مدعوم للعملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية … و يبقى المتضرر الوحيد منه هو المواطن الذين يحترق بعدم إستقرار الأسعار و الذي يعيش في دوامة دون أن يستطيع أن يخطط لأسبوع من حياته ناهيك أن يخطط لشهور أو عام كامل . و إن استمرت هذه اللامبالاة سنصل مرحلة أن تتغير الأسعار كل ساعة بدلا عن كل يوم .

و التجار اليوم يرفعون أسعار السلع بأكثر من زيادة الدولار ، لأن التاجر يضع هامش وهمي لزيادة الدولار ، فمثلا لو كان يشتري سلعة بعشرة جنيهات و يبيعها ب 12 جنيه بهامش ربح 20% ، فإنه يضع هامش وهمي للزيادة لا تقل عن 3 جنيه فيضطر إلى بيع السلعة بمبلغ 15 جنيه و يكون الضحية هو المواطن …

على الحكومة أن تضع كافة الاحتياطات اللازمة التي تساعدها على تحرير سعر العملة كاملا و فتح الفرص لتجار العملة لتسجيل و فتح صرافات تعمل وفق قوانين البنك المركزي ، و تشريع عقوبات صارمة جدا لكل من يعمل في مجال العملة الأجنبية خارج النظام المصرفي .

بهذه الطريقة يسيطر البنك المركزي على تحويلات المغتربين و كذلك ضمان إعادة حصائل الصادر عبر الطرق الرسمية بدلا عن التحايل الذي يحدث الآن بواسطة التجار و بمعاونة بعض موظفي البنك الفاسدين …

تحرير سعر الصرف نجح في مصر الذي قفز فيها سعر الدولار من 5 جنيهات قبل الثورة إلى أكثر من عشرين جنيها بعدها لكنه عاد و استقر الآن 16 جنيه لا يزيد أو ينقص إلا قرش أو قرشين لا تؤثر على المدخرات ، و كذلك نجح في تركيا ….

السعر الحقيقي للدولار الآن لا يقل عن 200 جنيه وسيستقر عنده او يزيد قليلا في حالة رفع الدعم ، وعلى الدولة وضع الاحتياطات في زيادة مرتبات الموظفين والعمال وفق الزيادة المتوقعة …

لن يتجه البعض إلى الإنتاج الحقيقي مالم يحس بأنه لن يأكل أو يشرب ما لم يعمل و ينتج ، لا شى يدفعه للعمل و الدولة توفر له البترول و الخبز و الغاز و الكهرباء مجانا . المجانين في كمبالا لا يجدون ما يأكلون ، لذا يجمعون البلاستيك و الكرستالات في الشوارع و يبيعونها للمصانع ليجدوا ما يسد رمقهم، و من ثم يرجعون إلى جنونهم بعد العمل ?

لن ننعم باستقرار مالي ، أو نمو اقتصادي مالم يتم تحرير قيمة الجنيه تجاه العملات الأجنبية وبرفع كامل الدعم عن الاستهلاك و فرض ضرائب حقيقية على الرأسمالية الوطنية التي تدفع الفتات مقابل الأرباح الضخمة التي تحققها ، سنعاني نعم و ستحصل تغييرات كبيرة لكننا سنعبر و تتغير حياتنا للأفضل . سيكون حالنا مثل الذي يتعافى من عملية جراحية لإزالة ورم في الرأس ، سيتألم لكنه سيتعافى …

سالم الامين بشير
يناير 2020


‫2 تعليقات

  1. ديل ناس الونسة والطريقة التي يدار بها الاقتصاد السودان اليوم..
    المواطن يعمل هل الدولة وفرة له العمل ورفض..
    قحت تسقط بس..

  2. رفع الدعم وتحرير سعر الصرف يمكن معالجته بالتدريج حتى تقل التاثيرات السلبية مع وضع المعالجات الضرورية والسياسات الداعمة في جميع المجالات وكذلك لبناء دولة منتجة يجب دعم الانتاج الحالي والمستقبلي بتفريغ العاصمة من السكان بنقل كل الجامعات والمصانع منها الى الاقاليم حتى تحدث هجرة عكسية توفر الايدي العاملة والمتعلمة ورؤوس الاموال في اماكن الانتاج.