اقتصاد وأعمال

الخبز بين الشارع والوزارة .. الحكومة السودانية تتهيأ لإعلان سياسات جديدة

تسري في غضون ساعات سياسات حكومية جديدة بشأن الخبز، ربما تشمل التعرفة والوزن؛ في محاولة للوفاء بمهلة قطعتها حكومة الفترة الانتقالية بالسودان، تنتهي الثلاثاء القادم لإنهاء طوابير الخبز.

وتكتسب أزمة الخبز بالسودان بعدا سياسيا وأمنيا؛ حيث إنها الشرارة التي أشعلت فتيل احتجاجاتٍ بعطبرة في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، وتحولت لاحقا لمظاهرات سياسية أطاحت بالرئيس عمر حسن البشير في أبريل/نيسان 2019.

ويبدو أن الشارع غير مكترث بانتظار مهلة 21 يوما التي أطلقها وزير التجارة والصناعة مدني عباس لحل أزمة الخبز، حيث شهدت عطبرة (مهد الثورة) احتجاجات وإغلاق شوارع بسبب تفاقم أزمة الخبز.

وتتزايد الاحتجاجات في ولايات نهر النيل وسنار والنيل الأبيض للمطالبة بإقالة الولاة العسكريين، على خلفية زيادة الطوابير للحصول على الوقود والخبز.

مراجعات واسعة
يقول شريف عثمان، ممثل وزارة التجارة والصناعة في لجنة سياسات الخبز، إن الحكومة الآن أمام مراجعات كبيرة لسياسات الخبز، ابتداء من استيراد القمح وحتى شباك المخبز لتختفي الطوابير.

وأضاف شريف للجزيرة نت أن ما بين تسعين ومئة ألف جوال دقيق هو حجم استهلاك السودان اليومي من الدقيق، لكن هذه الكميات يتم تهريبها غالبا خارج البلاد للاستفادة من فارق السعر.
اعلان

وتتسلم المخابز جوال الدقيق المدعوم حكوميا بواقع 550 جنيها (52 دولارا)، لكن سعره في السوق يصل إلى 2300 جنيه (218 دولارا)؛ ما يجعله عرضة للتسرب للأسواق والتهريب للاستفادة من الفارق الكبير بين السعرين.

وطبقا لعضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير هيثم محمد إبراهيم، فإن ولاية الخرطوم تستهلك وحدها 47 ألف جوال يوميا، وتستهلك بقية الولايات مجتمعة 53 ألف جوال.

ويشير إبراهيم في تصريح للجزيرة نت إلى أن نحو 75% من حصة الولايات من الدقيق لا تصلها بسبب التهريب.

صعوبات متعددة
لا تتوقف مشكلات الحكومة في أزمة الخبز عند تهريب وتسرب الدقيق المدعوم، إذ إن ثمة صعوبات أخرى تتمثل في غلاء مدخلات إنتاج الخبز بسبب ارتفاع التضخم وتراجع قيمة العملة الوطنية.

ومن باب “اعطي العيش لخبازه”، يقول عضو تجمع المهنيين لأصحاب المخابز علاء الدين الفاضل البر إن تكلفة مدروسة للتجمع حددت 11 مرحلة بدون الدقيق لإنتاج الخبز، منها خميرة البيرة والزيت والملح والطاقة والعمالة.

ويضيف أن تعرفة الرغيف الواحد زنة سبعين غراما محددة بواحد جنيه منذ عام 2017، وفي مقابل ذلك ارتفع جوال الدقيق المدعوم من 450 جنيها إلى 550 جنيها.

وإضافة إلى ذلك -حسب البر- فإن سعر كرتونة خميرة البيرة ارتفع من 350 جنيها إلى 2500 جنيه، وعبوة الزيت 36 رطلا من 350 جنيها إلى ألفي جنيه، وجوال الملح من أربعين جنيها إلى أربعمئة جنيه، وأجرة العامل من ثلاثين جنيها إلى ستين جنيها.

زيادة ناعمة
تبدو الحال بالولايات أكثر صعوبة لتكيف الناس خارج الخرطوم مع شراء الخبز التجاري ببيع ثلاثة أرغفة بعشرة جنيهات، لكن هناك مدنا ترفض فرض المخابز سياسة الأمر الواقع، مثل عطبرة وسنار وكوستي.

ويقول عضو تجمع المهنيين لأصحاب المخابز إن الولايات تعاني من ظلم فادح ببيع الخبز المدعوم بواقع ثمانية أرغفة بعشرة جنيهات.

ويشير إلى أن التجمع، ومن واقع أن وزن الرغيف عمليا الآن لا يتجاوز أربعين غراما بدل سبعين، ويباع بجنيه؛ اقترح ضبط الوزن عند سبعين غراما على أن يباع الرغيف بجنيهين.

وشبّه المقترح في حال إجازته من الحكومة بأنه رفع للدعم الحكومي على الدقيق بطريقة ناعمة، على أن تتحكم الحكومة في الزيت وخميرة البيرة استيرادا وبيعا.

حلول ذكية
ويفيد ممثل وزارة التجارة بأن الحكومة تدرس حلولا ذكية لحماية كل الأطراف: الحكومة، والمطاحن، والمخابز، والمستهلك، من دون تكاليف تتسبب فيها الرقابة الأمنية مثلا.

ويوضح أن الوزارة تسلمت التكلفة الحقيقية لإنتاج الرغيف الواحد، وبين يديها خطط لتحديد آليات جديدة تضمن وصول حصص الدقيق المدعوم للمخابز، ويمكن أن تقرر تعرفة جديدة، أو تقر دعما إضافيا للدقيق ومدخلات أخرى.

ومن ضمن المقترحات -حسب ممثل الوزارة- بيع الخبز بالكيلوغرام، وهي تجربة مطبقة في سوريا، ويمكن أن تضمن عدم التلاعب في الأوزان عن طريق توفير موازين بالمخابز.

وحسب معلومات حصلت عليها الجزيرة نت، فإن من ضمن المقترحات التي تدرسها وزارة التجارة والصناعة مقترحا بدعم الخبز، وليس الدقيق، كما يحدث في مصر.

تطمينات حكومية
يضع الخبز ائتلاف قوى الحرية والتغيير الحاكم بين مطرقة الحكومة وسندان الشارع، في انتظار ما تسفر عنه لجنة الوزارة.

ويؤكد هيثم إبراهيم أن الحكومة ستتوصل لحلول مرضية لكل الأطراف، وفقا للتطمينات التي تلقاها التحالف.

وتابع “إذا جاءت التعرفة مقنعة سندافع عنها، وسنصمم خطابا اقتصاديا للشعب ليتقبلها، لكنها إذا جاءت مجحفة سنرفضها لأننا جزء من الشعب”.

ويكشف عن أن من بين المقترحات التي تدرسها الوزارة زيادة الدعم الحكومي أو زيادة وزن الخبز إلى سبعين غراما مع قبول زيادة طفيفة في السعر، ولكن ليس 100%.
اعلان

ومن بين المقترحات التي تدرسها السلطات -حسب عضو اللجنة الاقتصادية- مراقبة حصص الدقيق، عبر حوسبة عمليات الدفع بين المخابز والوكلاء، حيث تكون لجان المقاومة بكل حي وقرية على علم بكمية الدقيق المُسلّمة لكل مخبز.

مقترحات أخرى
وتقدم الجمعية السودانية لحماية المستهلك مقترحات لضبط الدقيق المدعوم، وتتمثل في خلط القمح بالذرة في صناعة الخبز.

ووفقا لعضو جمعية حماية المستهلك عبد القادر الأمين، فإن إضافة الذرة إلى القمح المدعوم من الممكن أن تحاصر التهريب والتسرب بشكل عملي.

ويشير إلى أن هيئة أبحاث التغذية أجرت تجارب ناجحة منذ سبعينيات القرن الماضي حول إمكانية أن تشكل الذرة 25% من الخبز.

ويضيف أن هناك أبحاثا حديثة رفعت نسبة الذرة إلى 50% في الخبز؛ مما يقلل استيراد القمح، فضلا عن القيمة الغذائية والصحية للذرة، ومن شأن ذلك الإبقاء على سعر الخبز كما هو في بلد متوسط دخل الفرد فيه لا يتجاوز 250 دولارا شهريا.

وينبه عضو الجمعية إلى أن سياسة الدعم حاليا تجعل ملاك الفنادق والمطاعم ومصانع الحلويات يستفيدون من دعم الحكومة للقمح، فضلا عما بين 4 و5 ملايين أجنبي بالبلاد.

الجزيرة نت