رأي ومقالات

الهندي عزالدين: آخر سنوات “البشير” (24،23)

آخر سنوات “البشير” (23)
قاد المهندس “علي حسن” شقيق الرئيس السابق “البشير” وساطة غير معلنة لتقريب الشُقة بين الرئيس والفريق “صلاح قوش” وردم الهوة السحيقة التي فصلت بين الرجلين إثر اتهام مدير المخابرات السابق بتدبير محاولة انقلابية مع عدد من ضباط الجيش والأمن أبرزهم العميد (م) “محمد إبراهيم عبدالجليل”الشهير بـ(ود إبراهيم) القائد السابق للحرس الرئاسي و أحد أبرز قادة العمليات في جنوب السودان .
تواصل عدد محدود من أعيان الولاية الشمالية مع شقيق الرئيس وطلبوا تدخله للمساعدة في إطلاق سراح “قوش” الذي يتمتع بقبول واسع في الشمالية ، خاصةً وسط أهله في محلية “مروي” ، وقد يبدو غريباً للبعض أن يرتبط رمز نضالي وشاعر ثوري مثل “محمد الحسن سالم حُميد” بعلاقة صداقة وود عميقة بمدير الأمن والمخابرات ! شهد “قوش” في نهاية العام 2011م ، حفل تدشين ديوان “حُميد” الموسوم (أرضاً سلاح) بقاعة الصداقة بالخرطوم. فحاورت صحيفة (الأهرام اليوم) التي كنتُ أرأس تحريرها وقتذاك ، صاحب العُرس ، فقال “حُميد” عن “قوش”:( هو ابن منطقتي ويصغرني في العمر ، قوش أهلو بحبوه لأنه خدمهم ، وأنا بتعامل معه كإنسان عادي، وقادر بأشعاري أستقطبه للخير والجمال) !
أفلحت وساطة “علي حسن” وآخرين في إقناع الرئيس بالعفو عن مدير الأمن المتهم بمحاولة انقلابية والمعتقل منذ نوفمبر 2012م ، فأصدر وزير العدل مولانا “محمد بشارة دوسة” قراراً بإطلاق سراحه مع اللواء أمن (م) “صلاح الدين أحمد عبدالله” ، فغادرا سجن “الهدى” غرب أم درمان في يوليو 2013م .
وما بين 2013 وفبراير 2018م ، تفرغ “قوش” لإدارة أعمال تجارية خاصة بين “الخرطوم” و”دبي” و”القاهرة” ، كما حرص على حضور جلسات البرلمان من حين لآخر ، باعتباره نائباً عن دائرة “مروي” ، مع نشاط محدود داخل أمانة العاملين في حزب المؤتمر الوطني .
وعندما اشتد الحصار في الحزب على الرئيس “البشير” خلال العام 2017م ، وشعر بأن قيادات الحزب والحركة الإسلامية بدأوا في التفلت من قبضته ، بحث عن شخصية قوية تعيد له التوازن ، ففكر ، ودبر ، واستقر رأيه ، على إعادة الفريق “قوش” للخدمة بعد (9) سنوات من التقاعد!!
ويحدثني مصدر من داخل دائرة الرئيس السابق أن رئيس شركة (زين السودان) الفريق طيار “الفاتح عروة” كان أول الذين أوعزوا للبشير بإعادة “قوش” لجهاز الأمن. وتربط “عروة” صداقة عميقة بالرئيس السابق، وكان يشغل منصب مستشار الرئيس للشؤون الأمنية مع بدايات (الإنقاذ)، في الفترة من 1989م إلى العام 1995م ، ثم عيّنه “البشير” وزيراً للدولة بوزارة الدفاع في العام 1995 ، لكنه لم يقض بالمنصب أكثر من عام ، فغادره بسبب خلافات في قيادة الجيش حول طريقته في العمل ، فضلاً عن أن النافذين في الحركة الإسلامية كانوا يعتبرونه وافداً غريباً على التنظيم ، ولم ينسجموا مع فكرة قيادته للعمل العسكري في مرحلة بالغة التعقيدات ، واجه خلالها النظام حرباً إقليمية شاملة على طول الحدود في جنوب السودان ، فبعث الرئيس صديقه إلى “نيويورك” سفيراً ومندوباً دائماً للسودان لدى الأمم المتحدة ، وظل يعمل في دهاليز المنظمة الدولية حتى العام 2005م . ومع تقلده منصب العضو المنتدب لشركة (زين) في السودان ، بمساعدة “البشير” و”قوش” في العام 2008م ، أصدر الرئيس قراراً جمهورياً بإعادة اللواء معاش “الفاتح محمد أحمد عروة” إلى الخدمة ،وترقيته إلى رتبة (فريق)، ثم إحالته مرة أخرى للتقاعد في ذات القرار ! وللعسكريين في السودان غرام خاص مع رتبة (فريق) ، مثلما لأساتذة الجامعات وكبار الأطباء عشق قديم للقب العلمي (بروفيسور) !
لكن (الإنقاذ) ابتذلت رتبة (فريق) في سنواتها الأخيرة بشكل مُستفِز لقدامى العسكريين ، إذ تقاعد معظم أعضاء مجلس قيادة انقلاب مايو 1969م برتبة (رائد) ، كما استلم ضباط انقلاب 30 يونيو 1989م السلطة وأغلبهم برتب (رائد) و(مقدم) و(عقيد) ، وكان قائدهم “البشير” برتبة (عميد) !
عاد “قوش” مديراً لجهاز الأمن بعد أن كان المقترح الأول عودته للجهاز التنفيذي في منصب وزير ديوان الحكم الاتحادي ، وقد أبلغه الدكتور “فيصل حسن إبراهيم” قبل أيام من القرار برغبة الرئيس في تعيينه وزيراً .
لكن الرئيس غيّر رأيه وقرر الإطاحة بالفريق أول “محمد عطا المولى” ، بعد جملة أخطاء متلاحقة وقع فيها في تلك الآونة ، أهمها ما تسرب من تقارير عن حشود عسكرية “مصرية” في إريتريا ، ثبت لاحقاً عدم صحتها ، بالإضافة إلى حادثة اختراق النظام المصرفي في دولة الإمارات عبر رجل أعمال شاب يدعى “أيمن المأمون” حاول تتبع حسابات المدير السابق لمكتب الرئيس الفريق “طه عثمان” ، ما أغضب القيادة الإماراتية ، وأدى إلى توتر جديد في العلاقات بين “الخرطوم” و”أبوظبي” .

آخر سنوات “البشير” (24)
خلافاً لفترتي الفريق “صلاح قوش” الأولى والثانية في إدارة جهاز الأمن والمخابرات ، فإن حقبة الفريق “محمد عطا المولى” شهدت توترات أمنية متفرقة في علاقات السودان بجارته الشمالية “مصر” .
ومع أن النظام السابق ظل يعزو توالي الأزمات بين البلدين إلى مؤامرات ظل يحيكها جهاز المخابرات العامة المصرية ، إلاّ أن الفريق “عطا” لم يكن لديه استعداد نفسي للتعاون مع الجانب المصري ، بينما كان منفتحاً في التعامل مع المخابرات الإثيوبية وعموم المخابرات الأفريقية، ونشط في استضافة اجتماعات مديري أجهزة المخابرات الأفريقية (سيسا) بالخرطوم، ومهتماً بملف العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان له دور مهم بالتشارك مع وزير الخارجية الأسبق بروفيسور “غندور” في إقناع الإدارة الأمريكية بإصدار قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان قبل أسبوع واحد من مغادرة الرئيس “أوباما” البيت الأبيض في يناير 2017م .
ويتميز “محمد عطا” عن زميله في نهاية سبعينيات القرن الماضي بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم “صلاح قوش”، بأنه أكثر مهنيةً والتزاماً بمحددات الوظيفة (الأمنية)، لا تتنازعه طموحات سياسية ، ولا يميل إلى النشاط الإعلامي والاستعراضي ، يحب العمل في صمت ، يتحدث بهدوء ، يتحرك دون أن تسمع وقع أقدامه على الأرض ، حاد الذكاء ، لا يبدو عليه الانفعال والتوتر .
خلال سنواته الأولى في قيادة الجهاز بعد أن ترقى من منصب نائب المدير إلى المدير العام في العام 2009م ، طغت شخصية مدير مكتب الرئيس الفريق “طه عثمان” على شخصية مدير الجهاز ، مع أن مدير المكتب الرئاسي هو أحد ضباط الجهاز !
كان “طه” يباشر الاتصالات في ما يتعلق بملفات الرئيس السياسية والأمنية مع صديقه مدير دائرة الأمن السياسي اللواء “عبدالغفار الشريف” ، لكن “محمد عطا” لم يُبد تبرماً من تشكل دائرة أمنية تعمل من ورائه ، بعلمه أو دون علمه ، ما دام الرئيس يعلم . وربما ساعدت سياسة النفس الطويل التي انتهجها “عطا” في أن يبقى مديراً للجهاز لفترة طويلة امتدت لـ(9) سنوات ، شهدت الكثير من التحولات على الصُعد السياسية ، العسكرية والأمنية ، ولم تشهد البلاد في عهده اختراقات أمنية تذكر ، بل تعاظم دور جهاز الأمن عبر (هيئة العمليات) في العمل العسكري بالجبهات بأطراف دارفور وجنوب كردفان ، ثم نشأت قوات الدعم السريع تحت مظلة جهاز الأمن في العام 2013م ، بعد أن كانت قوةً مسلحةً تتبع لحرس الحدود تساند الجيش في مواجهة التمرد بولايات دارفور .
بالمقابل ، فإن شخصية الفريق “قوش” تبدو صدامية ومتمددة ، ويغلب عليها طموحه السياسي الزائد ، ورغبته التي لا تفتر في الوصول إلى كرسي رئيس الجمهورية .
ويتمتع الفريق “قوش” بطاقة هائلة وقدرة على العمل لساعات طويلة، وعُرف عنه بقاؤه في مكتبه برئاسة الجهاز جنوب القيادة العامة للجيش إلى وقت الفجر ، خاصةً بعد عودته الأخيرة ، محاولاً بكل جهده الإمساك بما تفلت من خيوط السياسة والاقتصاد .
أعاد “قوش” المياه إلى مجاريها مع المصريين ، وبينما لم يكن “محمد عطا” عضواً بوفد الرئيس في عدد من زياراته إلى “القاهرة” ، كان “صلاح قوش” ضمن الوفد الرئاسي إلى مصر بعد أقل من شهر على تعيينه الثاني مديراً للجهاز .
كنتُ ضمن وفد الرئيس مع عدد من الزملاء رؤساء التحرير في تلك الرحلة في مارس 2018م . احتفى الرئيس “عبدالفتاح السيسي” بضيفه الرئيس”البشير” احتفاءً فوق العادة ، وجرت محادثات مغلقة بين الرئيسين بقصر الاتحادية ، خرجا منها وقد علت الابتسامات وجهيهما ، تحدثا للصحفيين عن أهمية تطوير العلاقات الأزلية بين البلدين، وأكد “البشير” دعمه لـ”السيسي” في الانتخابات التي كانت تدق الأبواب بعد انتهاء الدورة الأولى للرئيس المصري ، ثم حضر الرئيسان احتفالاً فنياً باهراً أقامته جمعية الأسرة المصرية في صالة ملحقة باستاد “القاهرة”، ونقلته على الهواء عدد من الفضائيات المصرية والسودانية.
كانت معنويات “البشير” عالية جداً عقب تلك الرحلة .

نواصل غداً .
الهندي عزالدين
المجهر

‫2 تعليقات

  1. ما ذال دجاج المؤتمر الوطني الوسخان يحن الي الماضي انت يا معفن يا الاسمك الهندي ماتكلمنا عن الثوره يا كلب