رأي ومقالات

كيف تكون العلمانية الحل وهي تخالف أصول ومعتقدات المسلمين


تعقيب على مقال الإعلامي فيصل محمد صالح : العلمانية هي الحل
كيف تكون العلمانية الحل وهي تخالف أصول ومعتقدات المسلمين
د. محمد فضل محمد

اطلعت على مقال الإعلامي فيصل محمد صالح، على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان: العلمانية هي الحل (إن صحة نسبة المقال إليه)، وأتى بتعريفات للعلمانية من ناحية ثقافية واجتماعية وسياسية ثم خلص إلى أن العلمانية هي الحل لمشاكل السودان مشير إلى أن الدولة تضع نفسها كحامية لكل الأديان، ولا تُنصب ديناً للدولة، أو تفضله على دين آخر،… إذن العلمانية السياسية تعني حيادية السلطة أمام الأديان أي على مسافة واحدة من كل الأديان واحترامها وفصلها من مؤسسات الدولة.
إن العلمانية ليست حلاً لمشاكل السودان بل هي أداة لتمزيق السودان، وتحويل هويته الإسلامية إلى هوية لا دينية فتخرجه عن محيطه العربي والإسلامي وسأبين أن العلمانية لا تتناسب مع الهوية الإسلامية للسودان من الأوجه الآتية:

أولا: ان العلمانية تتعارض مع ديننا الإسلامي في كونها ضد الدين، ومحاولة الإعلامي فيصل إعطاء العلمانية بعداً علمياً وثقافياً واجتماعياً إنما هي محاول لتجميل وجهها القبيح حيث إن العلمانية لا تحتمل تلك المعاني وإنما هي فكرة ضد الدين ، وأي محاولة لصرف معناها الأصلي إلى معاني أخرى هو تحريف لما ورد في مراجعها الأصلية حيث إنها تعني : فصل الحياة عن الدين ، فقد جاء في دائرة المعارف البريطانية: “العلمانية (Secularism) هي حركةٌ اجتماعيةٌ تهدفُ إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا وحدَها” ودائرة المعارف البريطانية حينما تحدثت عن العلمانية، تحدثت عنها ضمن حديثها عن الإلحاد، وقد قسمت دائرة المعارف الإلحاد إلى قسمين: إلحاد نظري، وإلحاد عملي، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي، بل ذهب قاموس اكسفورد إلى أن العلمانية تفصل بين الدين والاخلاق حيث جاء فيه أن “الرأي الذي يقول أنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية”.
ثانياً: ان العلمانية ضد الحاكمية وشرع الله عز وجل : ومما يجب معرفته أن العلمانية تؤمن بتشريع وتحكيم القوانين الوضعية، وترفض أن يكون دين الله عز وجل حاكماً وهذا بنص القرآن يعد كفراً وفسقاً وظلماً (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة،44، فلإسلام لا يقبل نظاماً آخر شريكاً له في تنظيم حياة المسلمين، بل يدعو أفراده إلى التحاكم إلى قوانينه وأنظمته المستمدة من الوحي الإلهي ( القرآن والسنة )، ليكون مجتمعه مجتمعاً ربانيّاً بعيداً عن المجتمعات التي تحكم بالقوانين الوضعية يقول تعالى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، المائدة 50، يقول ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: *”ينكر الله تعالى على مَن خرج عن حكم الله المحكم، المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجاهلات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم “الياسق”، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائعَ شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخَذَها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنِيه شرعًا متبعًا يقدمونها على الحُكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتالُه حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحكِّم سواه في قليل ولا كثير”. وفي نقد القومية العربية قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله “يقال: إن الدعوة إليها( يقصد القومية العربية) والتكتُّلَ حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضَوْا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكامًا وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام، وقد صرح الكثير منهم بذلك – كما سلف، وهذا هو الفساد العظيم، والكفر المستبين، والرِّدَّة السافرة ” نقد القومية العربية ، لأبن باز”
*ثالثاً: العلمانية تتعارض مع الإسلام في الجانب الأخلاقي فهي تدعو إلى الحريات من غير ضوابط *وقد ترى في الدين معوقاً لها فهي تريد الفوضى وإشاعة الفاحشة والرذيلة والشذوذ ،واتفاقية سيداو أُنموذجاً وهذا ضلال مبين وفساد في الأرض ، بينما الإسلام يدعو إلى الالتزام بشرائعه وحدوده وعدم الاعتداء على حقوق الآخرين بغير حق ، يقول ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى: *﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ ، المائدة، 49؛ أي: فاحكم يا محمد بين الناس: عربِهم، وعجِمهم، أميِّهم وكتابيهم، بما أنزل الله إليك هذا الكتاب العظيم، وبما قرَّره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء، ولم ينسخه في شرعك” تفسير ابن كثير ج2، ص 72.
رابعاً أن تخويف العلمانية اهل الاديان الأخرى من تطبيق الشريعة يكذبه الواقع والتاريخ فالخلافة الإسلامية عبر التاريخ ساست الدول التي حكمتها بالإسلام وعاشت الأقليات تحت ظلالها في وضع مستقر لها كامل الحقوق التي يحفظها الإسلام للأقليات، ولم نسمع أن ظلم قد وقع عليهم ، وفي العهد القريب أخبرني الشيخ الهدية رحمه الله رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية أنه حينما تقدم بمذكرة الاصلاح الاجتماعي وهي عبارة مسودة دستور اسلامي لمجلس الثورة بقيادة الرئيس عبود ١٩٥٨م قال : انه كان قد عرض مسودة الدستور الإسلامي على اثنين من الرموز الدينية والسياسية في الجنوب هما على ما اعتقد كلمينت امبورو وسانتينو دينق ولم يبديا اعتراضا على المسودة بل قالا لا يهمنا شكل الحكومة بقدر ما يهمنا اين سيكون موقعنا في التنمية. فانظروا كيف ان اليسار يريد ان يكون ملكا أكثر من الملك نفسه!!، وعموما وضع الأقليات في الإسلام مواضيعه متشعبه ومفصلة في كتب الفقه والولايات السلطانية يمكن الرجوع إليها.
خامساً: إن الإدعاء بأن العلمانية تقنن للحريات ادعاء محل نظر فالحريات لها معايير مزدوجة* عند العلمانية فهي متاحة في شتم وسب الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولكن التشكيك في محرقة اليهود يعد جريمة يعاقب عليها القانون كما هو الحال في الاتحاد الأوربي كما يعد ارتداء الحجاب جريمة في فرنسا فعن أي حرية يتكلمون؟!.
سادساً: إن الدعاوى بأن العلمانية تقوم بحماية الأديان قول غير صحيح لأنها أصلاً تقوم على الإلحاد والكفر فهي قد تسمح بإظهار الشعائر الدينية الظاهرة كالصلاة أو اللحية، ولكنها تمنع وصول أحزاب دينية إلى سدة الحكم وبخاصة إذا كانت إسلامية، وهذه تسمى العلمانية الناعمة، ولكن هناك بعض الدول العلمانية في أوربا تمنع حتى الشعائر التعبدية الظاهرة كالحجاب مثلاً فضلاً على أن يكون الدين حاكماً، كما هو واضح في فرنسا وبلجيكا وغيرها وهذه تسمى بالعلمانية الديكتاتورية.. فالعلمانية تتكلم عن الحرية والعدالة وغيرها ، ولكن ما إن تأتي حكومة إسلامية منتخبة في أي من دول العالم إلا وسعت العلمانية إلى إجهاضها كما حصل في دول الربيع العربي وغيرها. ثم أن السودان سكانها مسلمون بنسبة 99% بعد فصل الجنوب، فالأديان عندنا لا تمثل أي رقم يعتد به، إذن العلمانية حينما تأتي وتعادي دين الأغلبية فإنها تقود البلاد إلى الاحتراب والفوضى الخلاقة، ثم العجب كل العجب أن ندعو إلى العلمانية في وقت تتقهقر في بلادها وهذا هو ترامب يهدد حكام الولايات بضرورة فتح المعابد ويقول بالحرف الواحد نحن أحوج إلى الصلاة في الوقت الحاضر أكثر من الملاهي والخمارات ومكان الاجهاض والحال هكذا وقومنا يصرون على استيراد البضاعة الكاسدة التي يرفضها اصحابها ويتملصون منها.
سابعاً: ومما يعلمه الجميع ان ثورة ديسمبر لم تكن بسبب تطبيق الشريعة الاسلامية بل ان الشعب السوداني وقف ضد حكومة الإنقاذ ولم يقف ضد التشريعات الإسلامية ولكن العلمانيين يريدون أن يوهموننا بأن الشعب كان ضد النظام العام، وضد رجال الدين، وهذه كذبة كبرى، وتزوير للحقائق فالشيوعيون يكذبون فالشعب لم يقف ضد الدين ودعاته وإنما ثار على الفساد، والأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها البلاد.
إذا كانت قوى الحرية والتغيير يحتكمون حقاً للديمقراطية فلماذا لا ينتظرون فترة الانتخابات ويُخضعون هذا الدستور 2005 لصناديق الاقتراع؟ باعتبار أن هذا الدستور مجمعاً عليه من كل الأحزاب منذ سلام نيفاشا وحتى سقوط حكومة الإنقاذ، وعلى قوى الحرية والتغيير أن يأتوا بتفويض من الشعب لإلغاء هذا الدستور أما استغلالهم الثورة لتنفيذ أجندتهم في تثبيت الإعلان الدستوري وهو لا يتواكب مع أشواق أهل السودان، بل هو خرق للديمقراطية وخروج عن الإجماع الذي انعقد في نيفاشا وهم بذلك يطعنون في الديمقراطية التي يؤمنون بها وكذلك دليل على عدم مصداقيتهم فيما يدعون!!!
فأتمنى من الإعلامي فيصل أن يعيد النظر في مقاله هذا لأنه يستفز المسلمين السودانيين في معتقداتهم، ويستعدي الأقليات الغير مسلمة على المسلمين مما يهدد السلم الاجتماعي ويؤدي إلى الاحتراب والذي يخشاه الجميع، ثم على العلمانيين ولا سيما قحت أن ينتظروا حتى انتهاء الفترة الانتقالية، وطرح برنامجهم العلماني في الانتخابات القادمة ، وعليهم أن يسعوا في المرحلة الحالية إلى إصلاح المجتمع وتحسين اقتصاده مع خالص تحياتي.

د. محمد فضل محمد

Mozer90@hotmail.om


تعليق واحد

  1. كفيت و وفيت جزاك الله خير..نحن ما دام مسلمين ارتضينا الاسلام دينا بغالبية اهل السودان فالمفروض يحكمنا الاسلام و تعاليمو و مافي حاجةاسمها الدولةتقيف علي مسافةواحدةمن كل اللديان لا..الدولة تقيف مع الاسلام كدين رسمي للبلد دي فرضتو الغالبية و الاقلية ليها كل الاحترام و السودان من قديم الزمان من اكتر الدول سماحةو تعايشا ف الاديان فدي شعارات كزابة كونو الكيزان طبقوا الاسلام غلط فاللوم عليهم وحدهم و الاسلام بريئ منهم فهو دين كامل لا شق فيه و لاطق لانو من الله ..الثورة بتقول حرية.سلام.عدالة و دي كلها و غيرا موجودةف الاسلام ..اياكم و غضب الله ..