طب وصحة

شلل الأطفال يعود إلى السودان

بعد أكثر من 11 عاماً على خلوّ البلاد من مرض شلل الأطفال، أعلنت السلطات الصحيّة السودانية اكتشاف حالتي إصابة بالمرض، ما دفع السلطات إلى قرع جرس الإنذار لمواجهة المرض الذي كان له تأثير كبير على حياة الآلاف. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن مرض شلل الأطفال أو التهاب سنجابية النخاع، هو مرض فيروسي شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي، وهو كفيل بإحداث شلل تام في غضون ساعات، بحسب منظمة الصحة العالمية. وينتقل عن طريق الانتشار من شخص لآخر بصورة رئيسية من خلال البراز، وبصورة أقل من خلال وسيلة مشتركة مثل المياه الملوثة أوالطعام.

وتؤكد المنظمة أن حالة واحدة من أصل 200 حالة عدوى تؤدي إلى شلل عضال يصيب الساقين عادة. ويلاقي ما بين 5 في المائة و10 في المائة من المصابين بالشلل حتفهم بسبب توقّف عضلاتهم التنفسية عن أداء وظائفها، كما يصيب المرض الأطفال دون سن الخامسة. وتشير التقديرات إلى انخفاض حالات الإصابة بشلل الأطفال بمعدل 99 في المائة منذ عام 1988، من نحو 350 ألف حالة سُجّلت في ذلك العام إلى 33 حالة أبلغ عنها في عام 2018.

وسجل السودان آخر حالة إصابة بشلل الأطفال في 15 مارس/ آذار عام 2009، لتعلن منظمة الصحة العالمية البلاد خالية تماماً من المرض في عام 2015. لكن في العاشر من أغسطس/ آب الماضي، أعلنت وزارة الصحة السودانية، في بيان رسمي، ظهور مرض شلل الأطفال من النوع 2، بعدما تأكدت إصابة حالتين بعد انتشار المرض في ثلاث دول مجاورة هي تشاد وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى. كما رصدت حالات يشتبه بإصابتها بالمرض، لكن يعمل المعنيون على التأكد من إصابتها من خلال إجراء الفحوصات.

ويوضح بيان الوزارة أنّ اللوائح الصحية الدوليّة (مجموعة شاملة من القواعد والإجراءات التي تم اختبارها وتساعد على تعزيز أمن العالم ضدّ التهديدات المحدقة بالصحة العمومية. وأقرت تلك اللوائح من قبل جمعية الصحة العالمية في عام 2005) تعلن عن وجود وباء بمجرد ثبوت حالة إصابة واحدة. وتعهدت باتخاذ كافة الإجراءات وتكوين اللجان المتخصصة وتعزيز التقصي عن وجود حالات وتأمين اللقاحات والتوعية الصحية.
وتلا البيان عقد سلسلة من الاجتماعات بين الوزارة والمنظمات الدولية العاملة في السودان لتحديد الأدوار والاستجابة لوباء شلل الأطفال وتوفير الدعم الفني والمالي.

وفي بيان توضيحي، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن حالة إصابة بشلل الأطفال رصدت في ولاية جنوب دارفور المتاخمة للحدود مع تشاد، والأخرى في ولاية القضارف على الحدود مع إثيوبيا. كما ينتشر المرض حالياً في دولتي تشاد والكاميرون.

تخشى المجتمعات المحليّة عدم قدرة الفرق المعنية بإعطاء اللقاح على الوصول إليها

وتسعى السلطات الصحية إلى إعطاء اللقاح لنحو 9 ملايين طفل دون سن الخامسة، وقد بدأت التنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” والصحة العالمية ومنظمات أخرى.

وتخشى المجتمعات المحليّة عدم قدرة الفرق المعنية بإعطاء اللقاح على الوصول إليها نتيجة الاضطرابات الأمنية والأمطار والسيول والفيضانات التي ضربتها. ويقول الناشط في العمل الإنساني أحمد البدري، لـ “العربي الجديد”: “أي حملة من هذا القبيل تحتاج أولاً إلى تجهيز وسائل نقل قادرة على الوصول إلى جميع الأطفال، والتنسيق مع المسلحين في بعض مناطق النزاع والقادة المحليين”.

من جهته، يبدي الناشط عبد الباسط عبد الرحمن خشيته من قلّة الإمكانيات في الوقت الحالي، وانشغال البلاد والعالم أجمع بجائحة كورونا، عدا عن التدهور الاقتصادي الحاصل في السودان. ويوضح أن أي حملة تحتاج إلى تضافرالجهود الحكومية والمجتمعية والدولية. وقبل ذلك، تحتاج إلى حملات توعية واسعة تستخدم فيها كل وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الإجتماعي لحث جميع الأسر على إعطاء اللقاح لأطفالها دون سن الخامسة.

من جهته، يقول مستشار وزارة الصحة والمنسق الوطني لتقصي شلل الأطفال الصادق محجوب الطيب، أن السودان ملتزم بقرار الجمعية العمومية لمنظمة الصحة العالمية القضاء على شلل الأطفال، وقد بذلت البلاد جهداً كبيراً في حماية الأطفال وتجهيز المختبرات، مشيراً إلى أن تلك الجهود نجحت في القضاء على الفيروس عام 2001. إلا أن الفيروس عاد إلى البلاد بعد ظهوره في عدد من الدول المجاورة أربع مرات، أولها في عام 2004 ما أدى إلى تسجيل 158 إصابة، ثم إصابة واحدة في عام 2007 وإصابتين في عام 2008، و5 إصابات في عام 2009. لكن بعد عام 2009، ظلت البلاد خالية تماماً من المرض.

ويوضح الطيب أنّ وزارة الصحة تنفّذ برامج لمتابعة تطوّر المرض، مراهناً على كفاءة عمل البرنامج الوطني وخبراته الطويلة في الحد من انتشار المرض والسيطرة عليه كما حدث في السنوات السابقة.
ودعا وزير الصحة السوداني الأسبق أحمد بلال عثمان إلى عدم الاستهانة بالجهد الذي يتطلبه القضاء على المرض، مشيراً إلى أن الإعلان عن حالتين يمثل صدمة حقيقية وتراجعاً كبيراً عن إنجاز تحقق قبل أكثر من عشر سنوات. ويقول إن الاعتراف بوجود المرض سيضع البلاد مرة أخرى تحت المراقبة، مشدداً في حديثه لـ “العربي الجديد” على ضرورة العودة إلى إطلاق حملات التطعيم على الرغم من كلفتها العالية، الأمر الذي يتطلب دعماً دولياً من منظمة الصحة العالمية، لأن الدولة لن تستطيع توفير كل شيء.

العربي الجديد