الخرطوم تستعد لمعركة «11 سبتمبر» القضائية
حمل مشروع قانون الإنعاش الاقتصادي الذي أقره الكونغرس الأميركي، أول من أمس، وتضمن إعادة الحصانة السيادية إلى السودان، في طيّاته مساعدات اقتصادية ومالية مباشرة وغير مباشرة إلى الخرطوم تصل إلى 1.1 مليار دولار.
وتبنى الكونغرس الأميركي، في وقت متأخر من مساء الاثنين، في ختام مفاوضات مضنية، قانوناً يمنح السودان حصانة من أي ملاحقة قضائية جديدة في الولايات المتّحدة تتعلّق بهجمات سابقة، فيما يشكل آخر خطوة في اتفاق تاريخي أبرمه البلدان مؤخّراً.
وينصّ القانون على «إعادة الحصانة السيادية للسودان في الولايات المتحدة، باستثناء القضايا التي ما زالت عالقة أمام القضاء الفيدرالي» والمتعلّقة باعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وأعلنت وزارة العدل السودانية استعداد السودان للمثول أمام المحاكم الأميركية للدفاع عن موقفه في قضية هجمات 11 سبتمبر. وقالت الوزارة، في بيان، أمس (الثلاثاء): «السودان ملتزم بالظهور أمام المحاكم الأميركية والدفاع عن نفسه في القضايا القائمة حالياً لإثبات عدم علاقته بأحداث 11 سبتمبر وبراءته من هذه الاتهامات غير المؤسسة»، وذلك رغم أن خبراء يقولون إنه من المستبعد أن يخسر السودان هذه القضايا.
وأكدت وزارة العدل السودانية أنه بموجب هذا التشريع سيحصل السودان على مساعدات مباشرة وغير مباشرة بمبلغ 1.1 مليار دولار أميركي، «وهي مساعدات منفصلة عن مبلغ المليار الذي التزمت الولايات المتحدة بدفعه للبنك الدولي لسداد متأخرات السودان المستحقة للبنك».
وهنأت الوزارة الشعب السوداني بالخطوة، ووصفتها بأنها «التطور التاريخي الكبير في علاقات السودان بالولايات المتحدة الأميركية… ويعني فعلياً انعتاق البلاد من تداعيات فترة حالكة في تاريخ علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية».
وأضافت: «يفتح هذا التشريع من تاريخ سريانه فصاعداً المجال واسعاً وممتداً أمام السودان للتعاون الاقتصادي والمالي مع الولايات المتحدة والدول الأخرى بحرية».
وأكدت الوزارة أن الوضع القانوني للسودان بعد بدء سريان التشريع الذي تمت إجازته، سيصبح دولة مكتملة الحصانة السيادية أمام أي محاولات مستقبلية للتقاضي ضده، استناداً إلى وضعه السابق دولة كانت مدرجة في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وحول المساعدات التي سيحصل عليها السودان، قالت الوزارة، إنه تم اعتماد مبلغ 931 مليون دولار مساعدات اقتصادية ثنائية مباشرة لدعم اقتصاد السودان، منها 700 مليون دولار مساهمة في تمويل برنامج الحكومة الخاص بتقديم الدعم المباشر للأسر وبرامج الرعاية الصحية، فضلاً عن مشروعات أخرى، كما تتضمن هذه المساعدات مبلغ 120 مليون دولار لدعم السودان في صندوق النقد الدولي وإعادة هيكلة مديونياته، بجانب 111 مليون دولار أخرى لمقابلة تكاليف إعادة هيكلة الديون السودانية.
وأشارت أيضاً إلى 150 مليون دولار تعويضات للأفارقة الذين تضرروا في تفجيرات كينيا وتنزانيا، وأصبحوا الآن مواطنين أميركيين، وكانوا يطالبون بتعويضات إضافية من السودان. وكشفت الوزارة أن جملة المساعدات المباشرة وغير المباشرة المجازة مع هذا التشريع لصالح السودان بلغت 1.1 مليار دولار، وهي مساعدات منفصلة عن مبلغ المليار دولار، الذي التزمت الولايات المتحدة بدفعه للبنك الدولي لسداد متأخرات السودان المستحقة للبنك.
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية أن وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوشين سيزور الخرطوم، مطلع العام الجديد؛ حيث من المتوقع أن يناقش مع الحكومة السودانية الترتيبات الجديدة بشأن دخول الاستثمار الأجنبي للبلاد، وتعزيز التعاون بين البلدين في المستقبل.
وقال السيناتور الديمقراطي كريس كونز، بعيد تبني النص، إن القانون سيساعد السودان «على العودة إلى الاقتصاد العالمي، ويشجع الاستثمار الأجنبي والنمو الاقتصادي في البلاد، وكذلك الانتقال المدني إلى الديمقراطية».
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) شطب اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الداعمة للإرهاب، بموجب اتفاق ينصّ على أن تدفع الخرطوم 335 مليون دولار تعويضات لعائلات ضحايا التفجيرين اللذين نفّذهما «تنظيم القاعدة» في 1998 ضدّ سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، وهجوم ثالث نفّذه التنظيم المتطرف في 2000 واستهدف المدمّرة الأميركية «كول» قبالة سواحل اليمن.
وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل أكثر من 200 شخص. وحمّلت الولايات المتّحدة السودان المسؤولة جزئياً عنها بسبب استضافة الخرطوم حينذاك زعيم «تنظيم القاعدة» أسامة بن لادن.
وحوّلت الخرطوم هذه التعويضات إلى حساب مجمّد في الولايات المتّحدة. لكنّ الإفراج عن هذه الأموال كان مرهوناً بموجب الاتفاق بإقرار الكونغرس الأميركي قانون إعادة الحصانة القضائية إلى السودان.
وجرت مفاوضات شاقّة بين وزارة الخارجية الأميركية وأعضاء في الكونغرس بهدف التوصّل إلى حلّ وسط بشأن الصيغة التي سيقرّ بها هذا التشريع.
وسعى السيناتوران، تشاك شومر، وبوب مينينديز، اللذان يمثّلان على التوالي ولايتي نيويورك ونيوجيرسي المجاورة لها، اللتين يتحدّر منهما عدد كبير من ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر 2001، إلى صيغة للتشريع لا تحرم ذوي هؤلاء الضحايا من حقّهم في مقاضاة السودان، لدوره في دعم «تنظيم القاعدة» في الماضي. لكن إدارة ترمب كانت تريد التوصل إلى نص بسرعة. فقد بذلت قصارى جهدها لتمرير هذا التشريع في الكونغرس لكي تظهر دعمها الواضح للسلطات الانتقالية السودانية بعد عامين من اندلاع الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس عمر البشير، ولتحول دون إعادة الخرطوم النظر في اعترافها التاريخي بإسرائيل، الذي تم انتزاعه تحت ضغط أميركي.
وكان لتوصيف السودان بأنه دولة راعية للإرهاب الساري منذ نحو 3 عقود تداعياته السلبية على الاقتصاد السوداني، وقيّد قدرته على تلقي المساعدات. وبالنسبة للمستثمرين، يزيل قرار إعادة الحصانة السيادية قدراً آخر من المخاطر المالية.
وقال مصدر أميركي مطلع على الأمر، إن مساعدات الديون ستسهم في إطلاق عملية تخفيف أعباء الديون على السودان على مستوى عالمي، ما يساعد في تأهله لبرنامج الدول الفقيرة المثقلة بالديون بصندوق النقد الدولي، حسب «رويترز».
وقال مصدر أميركي مطلع إنه بإعادة الحصانة السيادية والمساعدات المالية ستصبح الخرطوم ملتزمة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي خطوة وافقت عليها تحت ضغط أميركي، حسب «رويترز».
وقال وزير المخابرات الإسرائيلي، إيلي كوهين، لتلفزيون «واي نت»، إن التطورات الأميركية السودانية تعني «بالتأكيد» إحراز تقدم باتجاه التوصل لمعاهدة إسرائيلية سودانية. وأضاف: «سنشهد حفل توقيع في الأسابيع أو الأشهر المقبلة».
صحيفة الشرق الأوسط