رأي ومقالات

خطاب الكراهية والفتنة كتاب التاريخ للصف السادس لعام ٢٠٢٠ م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطاب الكراهية والفتنة كتاب التاريخ للصف السادس لعام ٢٠٢٠ م

إن خطاب الكراهية والفتنة ، لو كان في منبر خطابي او منبر اعلامي ، لكان منبوذا وقبيحا ، ولكن ان يكون ذلك في كتاب منهجي يدرس للتلاميذ الصغار فتلك مصيبة كبرى وثالثة الأسافي.
ولأنه كما قيل : من ألف فقد استهدف .
وقبل ذكر بعض النماذج من هذا الكتاب ، اشير إلى ثلاث مقدمات مهمة .
الأولى: إن بعض مرضى القلوب والنفوس حالهم كحال المنافقين الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم؛ يرمون غيرهم بما فيهم ، قال تعالى : ﴿وَإِذا قيلَ لَهُم لا تُفسِدوا فِي الأَرضِ قالوا إِنَّما نَحنُ مُصلِحونَ أَلا إِنَّهُم هُمُ المُفسِدونَ وَلكِن لا يَشعُرونَ﴾
[البقرة: ١٢] وقال تعالى : ﴿وَإِذا قيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ فَحَسبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئسَ المِهادُ﴾
[البقرة: ٢٠٦] وكما قيل : رمتني بدائها وانسلت .
الثانية : إن ادارة التنوع والتعدد في جميع الدول المحترمة ، يقوم اساسا على احترام دين وثقافة ولغة الأغلبية ، ثم احترام حقوق الأقليات بحسب حالها ؛ ولا نعرف دولة محترمة تستفز او تسخر او تحتقر دين او ثقافة او لغة الاغلبية؛ وتحترم ثقافات الأقليات الأخرى بدلا عنها، بحجة إدارة التنوع والتعدد .
الثالثة : المعروف في الكتب المنهجية المدرسية التي تصدر من مؤسسات الدولة الرسمية – وبخاصة تاريخ دولة السودان – التوازن والمحافظة على القيم الكلية للمجتمع السوداني، كالتسامح والتكافل واحترام الثقافة الإسلامية والعربية وغيرها ، وقد كان الكتاب المنهجي المدرسي محترما ومرجع لكافة أفراد المجتمع وخاصة في المجتمعات التي تقل فيها الكتب المرجعية ، ولذات السبب كان المعلم محترما، بل كان المعلم هو البوتقة التي تنصهر فيها كل مكونات المجتمع ، لما يمثله من قيم كلية وعليا عند الناس .
بل كان المعلم والمربي السوداني هو موضع ثقة الدول الشقيقة والصديقة في وضع المناهج الصائبة والنافعة والمتوازنة .
فيا ترى ما الذي أصابنا حتى اصبح الكتاب المنهجي المدرسي ، مصدر قلق واضطراب بهذه الصورة التي نراها في الفترات الأخيرة .؟!!!

بعد هذه المقدمات نأتي لبيان المقصود من صور خطاب الكراهية والفتنة في الكتاب المشار إلية .
أولا : إن ايراد رسمة مايكل انجلو الدينية المجسدة لصورة الاله وصورة النبي ادم ابوالبشر عليه السلام ، تمثل قمة الاستفزاز للمسلمين ، ودعوة صريحة لاثارة الفتنة ؛ لأنه من المعلوم بداهة ان أقوى صور الحمية والغيرة عند المسلم الغيرة لدينه ولربه سبحانه .
# إن هذه الرسمة احتوت على كفر صريح ، إذ ان كل من فسر هذه الرسمة : قال : انها للاله ومن حوله الملائكة ؛ او مريم العذراء وابنها عيسى عليه السلام، مع صورة ادم عليه السلام وهو عريان في مشهد قبيح
وهذا كله كفر صريح : لقوله تعالى : {وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحمنُ وَلَدًا لَقَد جِئتُم شَيئًا إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرنَ مِنهُ وَتَنشَقُّ الأَرضُ وَتَخِرُّ الجِبالُ هَدًّا أَن دَعَوا لِلرَّحمنِ وَلَدًا وَما يَنبَغي لِلرَّحمنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ إِلّا آتِي الرَّحمنِ عَبدًا﴾
[مريم: ٨٨: ٩٣] وقال تعالى : ﴿فاطِرُ السَّماواتِ وَالأَرضِ جَعَلَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزواجًا وَمِنَ الأَنعامِ أَزواجًا يَذرَؤُكُم فيهِ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ﴾
[الشورى: ١١] ثانيا : وصفة للدولة الأموية والدولة العباسية : بانها تقتل وتبطش بالعلماء والفقهاء .
مع ان الكتاب لا يتكلم عن تاريخ الدولتين ولا بيان محاسن ومساؤي الدولتين ، ولم يرد ذكرهما الا في سطر واحد فقط وبهذا الوصف القبيح ، وهذا تشويه وتكريه في اعظم دولتين في تاريخ المسلمين ، لا سيما انه قد ثبت أن كل من اراد الطعن في تاريخ المسلمين ؛ يبداء بالطعن في هاتين الدولتين .
وفي الحقيقة والواقع ان اكثر علماء الاسلام ، كالأئمة الأربعة وغيرهم ما علا شأنهم الا في هاتين الدولتين .
ثالثا : وصف الكتاب للدولة السودانية منذ الاستقلال ، بأنها : تنحاز للثقافة الاسلامية والعربية على حساب الثقافات الأخرى في أكثر من مرة .
* هذا تهديد للأمن القومي وتفتيت للنسيج الاجتماعي ، في كتاب يمثل رسالة الدولة للمجتمع . ( وهذا امر غريب وشاذ )
* إن اي شخص او مجموعة تريد التمرد أوالخروج على الدولة المركزية ، ما عليه الا ان يأخذ هذا الكتاب محتجا بما جاء فيه بأن ثقافته او لهجته مضهدة ومهمشه من الدولة المركزية .
رابعا : إن احتجاج الكتاب بما اسماه الزعيم جون قرنق : على الهوية السودانية .
هي دعوة للعنصرية واذكاء لروح الانفصال ، لأن جون قرنق ، ما انفصل بدولته الا بدعوى التهميش واتهامه للدولة المركزية برعايتها للثقافة الإسلامية والعربية .
* بالله عليكم الم يجد هؤلاء الناس عالما او سياسيا من دولة السودان ليحتجوا به في قضية الهوية السودانية .
ولكنها دعوة للفتنة : لأن جون قرنق يمثل رمزية لما يسمى بالسودان الجديد .
خامسا : ذكر الكتاب : بأن السوداني المغترب عندما يذهب لدول الخليج وخاصة السعودية ، لا يعترفون بعروبته ويعاملونه على انه افريقي .
*فهذا الكلام دعوة صريحة للكراهية واساءة للعلاقات الخارجية السودانية مع الدول الشقيقة والصديقة .
وهذا الكلام ان وجد فهو سلوك شاذ من أفراد وفي الغالب في الأرياف ، فمثله لا يكتب في كتاب منهجي مدرسي يعبر عن رؤية الدولة .
لاننا نجد ان رؤية الدولة في دول الخليج وخاصة السعودية وكذا في المصادر الرسمية : هو احترام السوداني ثقافة وإسلاما وعروبة.
بل السوداني محترم جدا في هذه الدول فهو المؤتمن على المال والعرض ، وهذا لا تحظى به الجنسيات الأخرى.
* والمعلوم عندنا وعندهم أن بيننا روابط الجوار والدم والدين واللغة والمصير المشترك .
# اذا مثل هذا الكلام لا يمثل الا شذوذا من أفراد لا يعتد بهم ، ويوجد أمثالهم في اي مجتمع ، وبالتالي لا يصح ايراد سلوكهم او كلامهم في كتاب يمثل الدولة السودانية ، والا فإن هذا الكاتب لا يعلم الأهداف الكلية للدولة ولا يفهم احترام العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة .
والله الموفق
كتبه : د. محمد إبراهيم البلة
أستاذ جامعي
ليلة الجمعة ١٧جمادي الأول ١٤٤٢ه : الموافق ١/ 1/ ٢٠٢١م

تعليق واحد