بمناسبة يوبيله الفضي مصطفى سيد أحمد (أبو السيد) .. حالة استثنائية لفنان متكامل
يعتبر الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد الذي ينتمي لأسرة فنية حيث كان شقيقه المقبول فناناً أيضاً، ما جعل مصطفى حالة فنية استثنائية نادرة ومختلفة في الغناء السوداني من حيث النصوص وتراكيب الجمل اللحنية واللونية التي تحمل في طابعها الصدق والشجن وتتضمن رسالة ثورية ووطنية وعاطفية عميقة كانت سابقة لأوانها في ذلك الوقت.
جمع الراحل أنواعا عدة ومختلفة من الفنون، فكان ملحنا بارعا وتشكيليا ورساما وعازفا إلى جانب مهنته كمعلم ومربي اجيال.
ظل مواصلا لمشروعه الغنائي بالرغم من معاناته من مرض الفشل الكلوي الذي انهكه حتي رحل عن الدنيا.
(١)
اليوم تمر ذكرى وفاته في يوبيله الفضي تلك الذكرى التي ظلت حاضرة في قلوب معجبيه وجمهوره بما قدمه من مشروع غنائي متكامل مازال صداه يردد. وبحسب متابعات(كوكتيل) تعامل الراحل مصطفى سيد احمد مع اكثر من ٦٠ شاعرا، وخلف رصيدا من الأغنيات يفوق الاربعمائة وخمسين عملا.
من بينهم الشاعر الراحل محمد الحسن سالم حميد وصلاح حاج سعيد وهاشم صديق ومحمد طه القدال ويحيى فضل الله وآخرون.
(٢)
الشاعر الكبير ازهري محمد علي الذي تعامل مع مصطفى في عدد من الأغنيات من بينها (مشرع الحلم الفسيح) و (وضاحة) و (ابداك من وين) واخريات، ابتدر حديثه بأن ما قدمه الفنان الراحل مصطفى سيد احمد من مشروع متكامل يعتبر حالة استثنائية خاصة اشتعلت جمالا وخرجت بين الناس على مستوى الأحوال والأفعال وكانت المسافة قريبة بين عمله وحالة سره الصدق هي التي صنعت القبول بين الناس ،هو فنان مثقف اسهم في إعلاء قيم الإعلام الجمعي والاستنارة وخلق حالة من الدهشة لسنوات وبمشروعه الغنائي فتح روح جديدة في الغناء والتراكيب اللحنية التي وجدت القبول عند الناس، تعاملت معه في مجموعة من الأغنيات وكان هناك عمل آخر بعنوان (بس تصور) لكنه لم يخرج للناس لانه كان وقتها مفتون بأغنية(الامان) وكان اللحن متشابها. واضاف :(كان الراحل مصطفى متعدد المواهب شاعراً وملحناً مسرحياً وتشكيلياً ومثقفاً ورائداً حداثياً كانت تجاربه خارج إطار التقليد ليتجاوز التجارب الجديدة ويقدم تجربة مختلفة مازالت الأسئلة تجول وتبحث لها عن إجابة،فقد كان مشغولا ومنفتحا على هموم الإنسانية وكان يفكر في إشاعة المحبة.)
(3)
واعتبر ازهري ان مشروع مصطفى كان منفتحا على تجارب الاخرين ويقبل الاضافة وكان متجذرا في الغناء السوداني بتجربة تقييمها لم يأت عن فراغ ولم تغلق أبوابها أمام الآخرين، منوها الى أنه تعامل مع عدد كبير من الشعراء وكثير من الأغنيات التي غناها هي مشروع ألحان في كاسيت لكنها تسربت قبل أن أن تكتمل رؤية مصطفى لها من حيث اللحن. واختتم حديثه:(الآن تمر ذكرى يوبيله الفضي وسنحتفي به حتى اليوبيل الذهبي والماسي،ندعو له بالرحمة والمغفرة والقبول لمقامه العالي ويجعل البركة في أسرته وأبنائه.)
(4)
جمعت علاقة فنية وأسرية مميزة بين الشاعر مدني النخلي والراحل مصطفى سيد حيث تغنى له الراحل ما يفوق ست عشرة أغنية من بينها (علمي عيوني السفر) (وادي الشعاع) (ووافق براك والهم عصف) وغيرها من الأغنيات.
ويذهب النخلي للقول بأنه قبل ظهور تجربة الغناء المختلف والملتزم بدأ الفنان الراحل الموسيقار محمد وردي محاولات الاضافة والولوج لنصوص لم تكن سائدة في وقتها 1977-1979 كان النص الغنائي بشكله البسيط يعتمد على الكلمات العاطفية المباشرة وبدأ بها وردي وبعده أبو عركي..
فكان لا بد أن بدايات مصطفى سيدأحمد أطالت الإصغاء لما قبلها وإن كان ردد مصطفى بعض اعمال وردي والنور الجيلاني وأحمد المصطفى كتقليد متعارف لكل فنان بدأ الغناء وكان مصطفى يصطحب معه التزامه تجاه قضايا الوطن وانسانه، وسرعان ما بدأ مشروعه الغنائى الفني وهو ملم بضروب اخرى ككتابة الشعر والرسم والعزف والتمثيل في بداياته.
(5)
ولعل افادة الموسيقار محمد سراج الدين حول رغبة مصطفى في الدراما عندما كان في فترة التدريس في كورس ونصيحة سراج الدين لمصطفى بأن يغني كانت محفزا لاستمرار مصطفى في الغناء، وكان سراج محقا لان مصطفى جاء من اسره فنيه عرفت الغناء مبكرا ومنها المقبول شقيق مصطفى رحمه الله والذي كان معروفا بقوة الصوت وجمال الاداء.
اصرار مصطفى على البحث عن صور جديدة ومضامين مختلفة للنص الغنائي وضعته اولا امام تحد كبير وبداية لم تتناسب مع السائد في السبعينيات ولجان النصوص والالحان آنذاك لذا اصطدمت محاولاته بالرفض للنصوص وبعض الالحان وعجز الملحنون عن مجاراة ميول مصطفى الجديدة وبحثه عن الحان تتناسب مع الاغنيات الرمزيه المنسجمه مع وعيه وتفكيره لذا اعيدت له عدة اعمال لم تتناسب مع ملحنين حاولوا اخضاعها للحن التقليدي وفشلوا ، منها اغنية(وجيده) لقريب الله محمد والتي بعد اعادتها لمصطفى قام بوضع لحن لها وقدمها بالاوركسترا.)
(6)
ويرى سراج أن الاغنيات الملتزمه تجاه الانسان البسيط واحلامه وتطلعاته كانت الشاغل والهم الكبير لمصطفى ولعل بداياته مع الكتيابي في (لمحتك) كنص جديد ومتفرد و(ضلنا) ليحىى فضل الله و(صابرين) للقدال و(حاجه فيك) لهاشم صديق وبدايات مصطفى مع الشاعر الجميل صلاح حاج سعيد في عدة اعمال منها (الحزن النبيل والمسافه وقمر الزمان) واعمال عده شكلت البدايات الاولى لنجاح تجربة التلحين والغناء لمصطفى و اعمال جعلت المتلقي المتطلع للتغيير والجديد شجعت مصطفى لخوض التجربه بقوه عندما غنى بعد ذلك (عجاج البحر) لشاعر مصري وانهم قادمون لشاعر عربي ربما درويش ثم غنى للراحل المقيم حميد عديد من الأغنيات مثل (عم عبدالرحيم ونورا ومطر عز الحريق) واخريات..واضاف لعاطف خيري اغنيات لايمكن اعتبارها نصوصا للطرب بقدر ما انها اعمال تشكلت فيها افكار الدراما بفهم جعلها اقرب للمسرح ومنها سيناريو (اليابسه وشهيق وجأت جالوص واقراك مره صاح).
شغلت مصطفى ظروف الانسان الضائع والوطن السبي رغم ظرف مصطفى المرضي الصعب ظل يكابد ويقاوم بالكلمه والنغم وينتج اجمل الاعمال المقاومه للقبح والجوع والقمع شفع العرب الفتارى البفنو الشايله ايدم ويجرو ساكين القطار…صورة الطفوله الضايعه في ريف الوطن الكبير.
و(يا حاج تلب) نص لخص ما كان من فارق طبقي وهدر لحقوق الناس لحساب فئه من البشر استأثرت بالخيرات وادارت ظهرها للعدل والحق والوطن.
(7)
اغنية (مشرع الحلم الفسيح) للشاعر ازهري محمد علي وجمال العباره في سرد واعي لما يحدث.
و(جواز سفر) لحافظ عباس انطلاقة الصوت المحلق في فضاء الحريه كاسرا قيود السلطات وقوانينها المقيده لحركة الناس في زمن الجوع والتعب واحلام الرواكيب التى تمتد أكبر من مدن.
الصعب في معادلة توصيل هكذا غناء لمتلقي تعود على اغنيه خفيفه راقصه مهد الطريق لها اسهام من سبقوا مصطفى كما ذكرت وردي ولا يمكن تجاوز ابوعركي البخيت الذي ظل يقاوم وبناضل متمسكا بالتراب الغالي وينسجم مع اطروحات مصطفى وكنت اعلم بتواصل عركي مع مصطفى فترة الدوحه ومتابعته له بقلق وهو يعاني ظرف الفشل الكلوي.
التحدي الكبير الذي دفع مصطفى مع كل الظروف الصعبه لمواصلة هذا المشروع الغنائي هو ايمانه بان القادم انتصار لارادة الانسان والكلمه المقاومه لذلك كان مصطفى حاضرا في الزحام والمواكب الهادره والاصوات الصاهله وهو يغني للحياه والجمال والارض والنماء ولانسان الوطن التواق للحريه والانعتاق من القمع والمهانه ومذلة الواقع الاليم.
الخرطوم: محاسن أحمد عبدالله
صحيفة السوداني