هل انتهت الخيارات السلمية بشأن سد النهضة بعد فشل مفاوضات الكونغو؟
لم تحرز اللقاءات الأخيرة بين أطراف أزمة سد النهضة الإثيوبي التي عقدت في الكونغو أي تقدم، ما دفع مصر والسودان إلى الإعلان صراحة عن فشلها وعن إجراءات قادمة، مع استمرار تصريحات أديس أبابا حول الملء الثاني… فهل انتهت الخيارات السلمية في تلك الأزمة؟
يرى الدكتور نور أحمد نور عبد المنعم، خبير المياه المصري في مركز دراسات الشرق الأوسط، أن السياسة والدبلوماسية ليست لها نهاية، ولا يمكن أن نقول أن مفاوضات كينشاسا في الكونغو بشأن أزمة سد النهضة التي أعلنت مصر والسودان فشلها هى الورقة الأخيرة في الحلول السلمية للأزمة، مصر لن تقف عاجزة ولا بد من البحث عن أوراق دبلوماسية أخرى، نحن لا نريد الوصول إلى مرحلة التصادم العسكري.
وأكد في حديثه لـ”سبوتنيك”، أن التصادم العسكري مع إثيوبيا بشأن سد النهضة غير وارد بالمرة بالنسبة لمصر، فمصر ورئيسها تقوم كل يوم بتشييد مشروعات للتنمية، فهل يعقل أن يضرب بكل تلك الجهود عرض الحائط ويذهب للحرب، نحن ذقنا الحروب ومرارتها 7 سنوات متواصلة، نعم المياه مهمة وضرورية، لكننا نريدها بالدبلوماسية، والدبلوماسية والسياسة هي فن الممكن، والتصادم لن يسفر عن شيء.
وأضاف عبد المنعم، إثيوبيا لن تستطيع إلحاق الضرر بمصر، والمياه سوف تأتي إلينا بغض النظر عما تريده إثيوبيا، لكنها ستأتي على مدار العام، لكن المشكلة أنهم يريدون تقليل نسبة المياه القادمة إلى مصر عبر النيل الأزرق، هم لا يريدون الاعتراف بحصتنا البالغة 55 ونصف مليار متر مكعب وتحدثوا عن تخفيضها، لكن الغريب أن إثيوبيا ليست في حاجة إلى تخزين المياه، الأمر ليس تخزين مياه والحصول على الكهرباء، إنما هي عملية عدائية ربما تقف وراءها العديد من الأطراف، لذا لا يجب على مصر الانجرار وراء تلك الخطط التي تستهدف أمنها واستقرارها في المقام الأول وأن تسير بالطريق السلمي حتى تحقق ما تريد.
وحول جدوى التفاوض والعملية السياسية بعد الملء الثاني قال عبد المنعم: إن إثيوبيا بعد الملء الثاني سوف تكون قد استنفذت كل خططها وعدوانيتها وجهودها، فقضية الفيضان في الأساس تعتمد على وصول حصة مصر من المياه مبكرا في ثلاثة أشهر ثم تأتي المياه بعد ذلك كما تأتي، لكن الآن سوف تأتي الحصة على مدار العام على معدل التصريف اليومي والشهري من جسم سد النهضة، لكن في النهاية ستصل الحصة إلى مصر، وهذا الأمر يعني أن المدى مازال طويلا لكي تستطيع إثيوبيا ضرر مصر والسودان مائيا، أما المخاوف السودانية فتدخل في الإطار الفني ومدى صلاحية السد للتخزين من عدمه، لأن انهياره سوف يغرق السودان وليس مصر.
وبيًن الخبير المصري، أن الحديث عن العطش الفوري والجفاف وغيرها غير وارد في تلك الفترة نظرا لأن سقوط الأمطار على إثيوبيا يتم وفق دورة عشرينية، سبع سنوات فيضان عالي ومثلها متوسط والسبع الأخيرة شحيح أو جفاف، وأصعب السنوات على مصر هى الشحيحة، لكن لا أحد يعلم متى تأتي تلك السنوات الشحيحة، فقد شهد العام الماضي أمطارا كثيفة وتم الملء الأول بدون تأثير على مصر، ويجوز أن يستمر أو لا يستمر هذا العام بنفس الدرجة، وهذا هو تخوف مصر في الأصل.
التصريحات الإثيوبية
أما الرئيس الأسبق لقطاع الموارد المائية بوزارة الري المصرية الدكتور عبد الفتاح مطاوع فيقول: “عندما وقعت مصر والسودان على اتفاق المبادئ مع إثيوبيا لم يكن لديهما أي مشكلة في أن تقوم إثيوبيا بتوليد الكهرباء بشرط أن يكون هناك إطار قانوني ملزم بعمليات الملء والتشغيل والإدارة، وبدأت أديس أبابا في تنفيذ الشق الأول من الاتفاق وهو البناء وتنكرت لباقي البنود”.
وأضاف لـ”سبوتنيك”: “المشكلة الحالية الآن تكمن في تصريحات المسؤولين الإثيوبيين بأنهم ماضون في عملية الملء الثاني لسد النهضة في الصيف القادم سواء كان هناك اتفاق مع القاهرة والخرطوم أو لم يكن، وبالتالي هو يسقط من الاتفاق الموقع في 2015 الجزء الذي يعلم جيدا أنه سوف يضر بمصالح مصر والسودان، وما حدث العام الماضي في الملء الأول لا يمكن مقارنته بما هو قادم، حيث كان هناك فيضان وكميات كبيرة من المياه، ولم تكن هناك مشكلة خطيرة ومع ذلك تعرضت السودان لمخاطر في عملية توليد الكهرباء في سد الروصيرص، وتعرضت محطات مياه الشرب في الخرطوم لمشاكل نتيجة القرار الأحادي بعملية الملء الأول”.
وتابع الخبير المصري: “عملية الملء الثاني للسد تحتاج إلى 13 ونصف مليار متر مكعب من المياه، فإذا ما تمت تلك الخطوة دون إخطار السودان الذي يقوم بتشغيل سدوده والتي هى بالقطع بعد سد النهضة، وهو يتعامل في التشغيل عن طريق البيانات اليومية التي تأتي من أعالي النيل الأزرق، فإذا ما انفردت إثيوبيا بالملء الثاني دون تنسيق مع السودان وإخطارها بالبيانات اليومية بعملية ملء سد النهضة ومعرفة نهاية فترة الملء حتى يستطيع السودان أخذ احتياطاته، ما لم يحدث هذا فستكون هناك مشكلة كبيرة وتعد إعلان حالة حرب على السودان”.
بيان إثيوبي
وقال نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، إن إثيوبيا ملتزمة باستكمال المفاوضات حول سد النهضة في إطار الاتحاد الأفريقي، لكنها لا تقبل حرمانها من حقوقها المشروعة.
نقلت وكالة الأنباء الإثيوبية “إينا” عن ميكونين، اليوم الأربعاء، قوله إنه لا يمكن لإثيوبيا أن تدخل في اتفاق من شأنه أن يحرمها من حقوقها المشروعة الحالية والمستقبلية في استخدام نهر النيل.
وذكرت الوكالة أن هذه النقاط أُكد عليها خلال اجتماع وزراء الخارجية والمياه لدول إثيوبيا ومصر والسودان الذي عقد في الكونغو، هذا الأسبوع، لاستئناف المفاوضات الثلاثية حول سد النهضة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي.
ووفقا لبيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية، أشار ديميك خلال الاجتماع، إلى فرصة التعاون التي أوجدها سد النهضة وشدد على الحاجة إلى نقل تقدم المفاوضات إلى نهايتها.
الخارجية المصرية
في المقابل، أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن بلاده بصدد اتخاذ خطوات جديدة بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وقال الوزير، في تصريحات خاصة أدلى بها لصحيفة “الشروق” المصرية على هامش زيارته القصيرة إلى العاصمة السودانية الخرطوم، مساء أمس الثلاثاء، إن مصر بالتنسيق مع السودان بصدد اتخاذ خطوات منسقة ومكثفة لتوضيح الموقف والتعنت الإثيوبي خلال مفاوضات سد النهضة وإطلاع الشركاء الدوليين والمنظمات الدولية على هذا التطور الخطير وآثره على السلم والأمن بمنطقة القرن الأفريقي وأيضا على المستوى الدولي.
وأضاف الوزير المصري “من ضمن الخيارات المتاحة هو التحرك إلى مجلس الأمن الدولي”.
وتابع: “عقب تعثر جلسة المفاوضات الأخيرة نتطلع في البداية إلى تفاعل رئاسة الاتحاد الأفريقي وما قد يتخذه من إجراءات لعقد مكتب الاتحاد على مستوى الرؤساء للإحاطة بآخر التطورات وخطورتها”.
وأعلن أمس الثلاثاء فشل جولة جديدة من المفاوضات بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، وقالت وزارة الخارجية المصرية إن غياب الإرادة السياسية لدى إثيوبيا للتفاوض بحسن نية، وسعيها للماطلة والتسويف هو سبب عدم التوصل إلى اتفاق في المفاوضات الأخيرة في الكونغو.
وفي السياق ذاته، أعلن السودان انتهاء مباحثات حول سد النهضة، في العاصمة الكنغولية كينشاسا، دون إحراز أي تقدم بسبب “التعنت الإثيوبي”، مشيرا إلى بحث الخيارات الممكنة لحماية أمنه.
وبدأت إثيوبيا بناء سد النهضة عام 2011 من دون اتفاق مسبق مع مصر والسودان، وفيما تقول إثيوبيا إن هدفها من بناء السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية.
ويخشى السودان من تأثير السد على انتظام تدفق المياه إلى أراضيه، بما يؤثر على السدود السودانية وقدرتها على توليد الكهرباء، بينما تخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.
العربية نت