الأخبار

هل ينتهي عصر النقود قريبا؟


لا يزال البعض يُفضّلون استخدام النقود، ربما لأنهم يميلون أكثر نحو الطبيعة الملموسة للعملة المادية أو لأنها توفر السرية بالمعاملات. في المقابل، باتت المدفوعات الرقمية، التي تحدث عن طريق تمرير بطاقة أو بضع نقرات على الهاتف المحمول، أكثر شيوعا. في مقال له نشرته صحيفة “نيويورك تايمز قال إسوار براساد إنه للحفاظ على أهمية الأموال، تقوم العديد من البنوك المركزية بتجربة الإصدارات الرقمية من عملاتها الافتراضية مثل البتكوين. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العملات تتبع شركات خاصة، في حين أن الدولة ستتكفّل بإصدار هذا النوع من العملات مثل العملات التقليدية. وأكد الكاتب أن البنوك المركزية تخطط لإدخال هذه العملات الرقمية ضمن مبادلات محدودة لتكون موجودة جنبًا إلى جنب مع النقود كخيار نقدي آخر، ثم توسع تداولها مع مرور الوقت إلى أن تكتسب شعبية ويصبح عصر النقود من الماضي. من جانبها، بدأت الصين واليابان والسويد تجربة العملة الرقمية للبنك المركزي، في حين يستعد بنك إنجلترا والمركزي الأوروبي لخوض تجربتهما الخاصة. وبالفعل، طرحت جزر الباهاما أول عملة رقمية رسمية في العالم. وعلى النقيض، ظلّ النظام الاحتياطي الفدرالي الأميركي على الهامش إلى حد كبير، إذ من المحتمل أن يفوت اللحاق بهذا الركب. وينبغي على الولايات المتحدة تطوير دولار رقمي، ليس بسبب ما تفعله الدول الأخرى، ولكن لأن فوائد العملة الرقمية تفوق التكاليف بكثير. وأكدت الكاتب أن إحدى فوائد العملة الرقمية تتمثّل في الأمن، ذلك أن الأموال النقدية عرضة للخسارة والسرقة، وهي مشكلة يعاني منها كل من الأفراد والشركات، في حين أن العملات الرقمية تُعتبر آمنة نسبيًا. وتجدر الإشارة إلى العملات الرقمية يمكن أن تتعرض للقرصنة الإلكترونية. وفي الوقت الراهن، يمكن إدارتها باستخدام تقنيات جديدة. علاوة على ذلك، يمكن للعملات الرقمية أن تخدم مصالح الفقراء والذين لا يتعاملون مع البنوك. ويُعتبر من الصعب الحصول على بطاقة ائتمان إذا لم يكن لديك الكثير من المال. فضلا عن أن البنوك تفرض رسوما على الحسابات منخفضة الرصيد. في المقابل، سيمنح الدولار الرقمي الجميع، بمن فيهم الفقراء، إمكانية الوصول إلى نظام دفع رقمي وبوابة للخدمات المصرفية الأساسية. تطبيق الهاتف المحمول يمكن لكل فرد أو أسرة امتلاك حساب دون رسوم وفوائد مع الاحتياطي الفدرالي، مرتبط بتطبيق الهاتف المحمول لإجراء بعض المعاملات المالية. والجدير بالذكر أن حوالي 97% من البالغين الأميركيين لديهم هاتف محمول أو هاتف ذكي. ولمعرفة كيف يمكن أن يساعد ذلك، يوضع في الاعتبار المدفوعات التي قدمتها الحكومة الأميركية للأسر كجزء من الحزم التحفيزية التي قامت بضخها في ظلّ تفشي جائحة فيروس كورونا. وهناك تعقيدات، أو تأخيرات في الحصول على هذه المدفوعات، واجهت الملايين من الأسر ذات الدخل المنخفض ومن ليس لديهم حسابات بنكية أو معلومات الإيداع المباشر المسجلة لدى دائرة الإيرادات الداخلية. وقد حدث تأخير أو فقدان الشيكات وبطاقات الخصم المرسلة بالبريد للعديد منهم، ووجد المحتالون طرقا لاختراق هذه المدفوعات. وكان من الممكن أن تقلل حسابات البنوك المركزية من الاحتيال، وتجعل إدارة مدفوعات التحفيز أسهل وأسرع وأكثر أمانا. ويمكن أن تكون العملة الرقمية للبنك المركزي أداة سياسية مفيدة. وعادة، إذا أراد الاحتياطي الفدرالي تحفيز الاستهلاك والاستثمار، فيمكنه خفض أسعار الفائدة وإتاحة الائتمان الرخيص. وفي حال كان الاقتصاد يعاني من الفوضى وخفض الاحتياطي الفدرالي بالفعل سعر الفائدة قصير الأجل، تعدّ الخيارات المتاحة أمامه محدودة. ومع ذلك، إذا حدث استبدال النقد بالدولار الرقمي، فقد يفرض الاحتياطي الفدرالي سعر فائدة سلبيًا عن طريق تقليص الأرصدة الإلكترونية تدريجيًا في حسابات العملات الرقمية، مما يوجد حافزًا للمستهلكين للإنفاق وللشركات للاستثمار. وسيضع الدولار الرقمي حدّا للأنشطة غير القانونية التي تعتمد على المعاملات النقدية المشبوهة مثل تجارة المخدرات وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، مما قد يمكّن من إخراج الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة من الظل لتصبح ضمن الاقتصاد الرسمي، مما يفضي إلى زيادة الإيرادات الضريبية. مخاطر من المؤكد أن هناك مخاطر محتملة على العملات الرقمية للبنك المركزي. مثلا، قد يشكل الدولار الرقمي خطرا على النظام المصرفي. لكن، ماذا لو نقلت الأسر أموالها من الحسابات المصرفية العادية إلى حسابات المركزي، معتبرة إياها أكثر أمانًا دون أن تدفع أيّة فائدة؟ في هذه الحالة، قد يجد المركزي نفسه في وضع غير مرغوب فيه حيث يضطر إلى تخصيص الائتمانات، وتحديد القطاعات والشركات التي تستحق القروض. لكن يمكن إدارة مثل هذه المخاطر. ويمكن للبنوك التجارية التدقيق في حسابات العملاء من العملة الرقمية لتبقي على حسابات العملة الرقمية للمركزي، إلى جانب حسابات الودائع ذات الفائدة. وقد لا تساعد حسابات العملة الرقمية البنوك بشكل مباشر على جني الأرباح، لكن من شأنها أن تستقطب العملاء الذين يمكنهم بعد ذلك التمتع بالمنتجات والمدخرات أو القروض. وللمساعدة في حماية البنوك التجارية، يمكن أيضًا وضع قيود على مقدار الأموال المودعة في حسابات المركزي، مثلما فعلت جزر البهاما. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تصميم عملة رقمية للمركزي لاستخدامها عبر منصات الدفع المختلفة، مما يعزز المنافسة بالقطاع الخاص، ويشجع الابتكارات التي تجعل المدفوعات الإلكترونية أرخص وأسرع وأكثر أمانا. ويعد فقدان الخصوصية، الذي ينطوي عليه استخدام العملات الرقمية، مصدر قلق آخر للمركزي. فحتى مع وجود تدابير حماية لضمان السرية، لن يتخلى أي بنك مركزي عن القدرة على التدقيق وتتبع المعاملات. ويمكن للدولار الرقمي أن يهدد ما تبقى من إخفاء الهوية والخصوصية بالمعاملات التجارية. إن نهاية النقد تلوح في الأفق، وستكون لها آثار بعيدة المدى على الاقتصاد والتمويل والمجتمع بشكل عام. ويجب قبول ظهور الدولار الرقمي، مع الإعداد المناسب والمناقشة المفتوحة.

الخرطوم ( كوش نيوز)