رأي ومقالات

الشواني: أفكار قاتلة


كثير من الأفكار البشرية المثالية التي تعد الناس بالنعيم؛ هي في بعض الأوقات أكثر الأفكار قابلية للذهاب بهم لشرور الجحيم. هذا درس من التاريخ؛ ورغم كل ما يمكن أن يقال حول هذه (المقولة) لمنع إساءة فهمها، دعمونا نتحدث عن جوهرها الصحيح.

الأفكار حين تغرد بعيدا عن (الواقع الحقيقي) تخلق حياتها المنفصلة عن الإنسان والمجتمع، وكل ما أبتعدت الفكرة عن الواقع صارت لها قابلية كبيرة لإعدام الواقع، لنفيه وإقصائه وقتله، وذلك في سبيل (التحليق المثالي) في عالمها المجرد.

الأديان لم تكن في حقيقتها بعيدة عن الواقع، بل هي حركة، عمل وعلم، ممارسة وإيمان، تجربة وحركة، حتى العبادات في معناها العميق هي حركة للنفس وترويض لها في سياق إختبارات الواقع. لكن بعض التجارب الدينية حين تنحرف؛ فإنها تخلق مجردات وتهويمات (تعدم) الواقع وتنفي الحياة الملموسة، فتكون النتيجة إما (عزلة) الناسك المنقطعة عن العمل، أو تكون (حركات حرفية) لا تسعى لفهم فاعلية الدين الخلاقة مع الواقع. الماركسية كذلك لم تكن في حقيقتها سوى محاولة لتفسير الواقع، ثم لخلق نظرية عمل من شروطه؛ لكنها في نسخ أخرى تحولت لأشعار وأغاني وسرديات للحنين. الليبرالية كذلك لم تبدأ كنسق كلي فلسفي مجرد لكنها ولدت مع تقدم تقسيم العمل وولادة الفردانية. ثم تحولت لآيدلوجيا التحرير والاستعمار، وهاهي تتحول لأسوأ نسخها على الإطلاق، النسخة الأكثر شرا وعنفا: الشعبوية الليبرالية.

الشعبوية التي نراها في الشارع هي شعبوية عنيفة، غير واعية، ليبرالية الأفق، عولمية الروح. ترفض كل شيء، تتنصل عن كل مسؤولية، تسحق العقل والتعقل لصالح الجنون والهياج، تضرب القيم والأخلاق وتحتفي بالسيولة واللامعيار. حالة (لا إنسانية) تخلق كائن جديد مثل (الزومبي) تماما. هذا الكائن الجديد قضيته ليست السياسة ولا الشهداء ولا الوطن ولا المدنية، لكنه يستخدم هذه المجردات ويدخلها في قالب نتيجته شر محض، كراهية محضة، حالة من اللابديل وداخلها يوجد إحباط وبؤس وهروب.

هذه الحالة هي حالة شريرة جدا، وقاتلة للسياسة، ومدمرة للشباب والمستقبل. لذلك فإن الشعبوية الليبرالية التي تدفقت بعد ديسمبر وتعود إلى مابعد الربيع العربي؛تحتاج للنقد، للتمحيص والمراجعة. وكشف جوانبها الشريرة والأكثر عنفا.

نؤكد ضرورة هذا النقد لأننا ببساطة مسؤولين عن وطننا ومستقبل شبابنا، ثم لأننا جزء من ديسمبر، ثم لأننا نمارس السياسة في الواقع ونواجه نتائجها ولسنا مثل محدودي الأفق، أصحاب الغبائن الشخصية، الجبناء، جيدو التغذية، ممن يكتبون من وراء الشاشات بأعلى درجات النرجسية وأعظم درجات الغباء.

هشام عثمان الشواني


‫2 تعليقات

  1. هذا النزق الليبرالي سببه الأساسي…..ما فعله مدعو الاسلام في الثلاثين عاما الماضية…الشباب لن يسمحوا مرة اخري أن تتحكم فيهم افكار وأوهام البعض….ولهذا اختارو الليبرالية لانها الوحيدة التي تسمح للكل أن يعبر عن نفسه….ولا حل سواها

  2. لماذا اما التطرف لاقصي اليمين او اقصي اليسار و الله اعطانا اعظم دين لماذا لا نعود للاسلام الحقيقي و ليس اسلام الكيزان الذين صاروا فتنة للشباب و كرهوهم في الدين و الدين منهم بريئ.الاسلام هو الحل و و الله لن يصلح حال اخر هذه الامةالا ما اصلح اولها .ان تكره الدين و تعادي كل ما هو اسلامي لمجرد الكيزان هذه اكبر فتنة في هذا البلد.