رأي ومقالات

لواء ركن (م) طارق ميرغني يكتب: الجاهل عدو نفسه


قال اللهﷻ : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) سورة الجاثية 23 ، أفرأيت يا محمد من إتخذ معبوده هواه فيعبد ما هوي من شيء دون الإله الحقّ ، فهو يأتمر بهواه فما هواه سلكه سواء كان يرضي اللهﷻ أو يسخطه ، وأضله اللهﷻ بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه ، والثاني يستلزم الأول ولا ينعكس ، فلا يسمع ما ينفعه ولا يعي شيئاً يهتدي به ولا يرى حجة يستضيء بها ، لا أحد يهديه وقد سد اللهﷻ عليه أبواب الهداية وفتح له أبواب الغواية ، وما ظلمه اللهﷻ ولكن هو الذي ظلم نفسه وتسبب لمنع رحمة اللهﷻ عليه .
وحتى لا ينطبق المثل القائل التسويه بأيدك يغلب أجاويدك في التعامل مع الآلة العسكرية حيث لكل فعل رد فعل ، فإن على المسلم أن يكون في أفعاله على هدى وبصيرة حتى لا يفقد أهم أعضاءه الحسية والفكرية النابضة بالحيوية ، إن فقدان العناية الإلهية يعني فقدان السيطرة على أجهزة التحكم الداخلية ليكون التخبط وفقدان البوصلة والتوجه السليم ، فالأفعال الخارجية لها تأثير مباشر على الأجهزة الداخلية حيث العقل المدبر ، وبذلك فإن العلاقات الداخلية والخارجية مرتبطة ببعض سلباً وإيجاباً مما يتطلب الوعي واليقظة التامة لأن زمن الغفلة قد مضي والراهن السياسي لا يرحم الغافلين ، إن الجاهل سيكون صيداً سهلاً في زمن غياب أخلاق المروءة والرجولة حيث التفاخر بالضحك على العقول والخدع والتضليل ، ماذا نريد من آلة عسكرية أن تفعل في مشكة سياسية لا ناقة لها فيها ولا جمل ، لماذا نعاين في الفيل ونطعن في ظله ، إن الآلة العسكرية صممت وبرمجت وفق قوانين ولوائح تنظم عملها في الظروف المختلفة برضى وموافقة الرعيل الأول الذين أسسوها لتكون شامخة لا تلين لها عزيمة ولا تنكسر لها شكيمة ، فإذا إحتاجت هذه البرمجة الراسخة إلى تعديل فلن يكون ذلك إلا في ظل حكومة مدنية منتخبة في بيئة مستقرة ونفوس هادئة ، فالمطلوب الآن هو إنتخاب حكومة مدنية تستلم أمانتها من الآلة العسكرية وفق القوانين واللوائح المنظمة ، لتتفرغ الآلة العسكرية لعملها بعيداً عن السياسة ، وحينئذ يمكن للساسة أن يعالجوا مشاكلهم السياسية مع حكومتهم المدنية المنتخبة لأن العسكر لا علاقة لهم بها ، إن اليأس والقنوط من الساسة لا يعني التنفس في الآلة العسكرية وبث سموم السخط فيها ، إذا كان هنالك إنقلاباً ضد حكومة مدنية منتخبة كما حدث في تركيا كان الكلام مقبولاً ولكن لأنه في غير مكانه صار مخبولاً ، إن سقوط حكومات سابقة تم بمجهود أقل بكثير مما يدور الآن نسبة لوجود حكومة لكن الآن لا توجد حكومة حتى يتم إسقاطها ، ومن يرى أن المجلس العسكري حكومة عليه أن يراجع حواسه النابضة وبرمجته الداخلية ، بعد إستلام الجيش للسلطة يتم تعيين مجلس عسكري لتسيير مهام الفترة الإنتقالية لحين قيام الإنتخابات بمعاونة مجلس وزراء من الساسة لأنه ليس إنقلاب يأتي جاهزاً بحزبه وحكومته ، وبالتالي فإن مشكلة المجلس العسكري الآن تكمن في الساسة الذين يعينونه لإكمال مهمته ، وما يثار في الشارع لا علاقة للمجلس العسكري به لأنه يدل على فشل سياسي ذريع يدفع ثمنه العسكر في كل مرة ، وإذا كان الساسة يجهلون مهام العسكر في هذه الفترة فتلك مصيبة وإذا كانوا يتعمدون الجهل فالمصيبة أكبر ، إلى متى يظل الساسة في بلدي يقصرون في القيام بواجباتهم ولا يتخلون عن مصالحهم الضيقة التي تقيدهم وتحبط المواطن من أفعالهم ، إنني أعلن عن وفاة الساسة في بلادي إلى مزبلة التأريخ ، إن فشل الساسة هو الذي تسبب في الإنقلابات العسكرية السابقة وهو ما أضر بالإنحياز العسكري الحالي وتداعيات ذلك مستقبلاً في إنحياز الجيش إذا دعت الضرورة الأمنية تدخله لأنه تعرض للوي ذراعه التي مداها للمساعدة وأرادوا قطعها ، إن غياب الساسة عن القيام بدورهم يتطلب آليات جديدة لإحتواء ومنع الأزمات السياسية مستقبلاً التي كان الجيش يتدخل لإحتوائها لأن الإحباط الذي تعرض له الآن ستكون له تحفظاته في المستقبل ، إذا كان الشعب قوياً فإن آلته العسكرية ستكون أقوى لأنها من رحمه تعاني معاناته وتتألم بألمه ، لكن من رحم من أتي هؤلاء الساسة ، حسبنا الله ونعم الوكيل .
إن من يريد التطوير للأفضل يبدأ بإصلاح الأضعف ثم الذي يليه لكن أن يتم الإصلاح بالأقوى ممثلاً في الجيش فهو أمر لا يستقيم عقلاً يفصح عن حقد دفين ، وأن يتم ذلك بناءً على تصديق إشاعات تؤخذ كحقائق فهو أمر غير مقبول ، إن رجال الجيش يعملون بحرارة قلب مستمدة من شعبهم الأبي لا ينهزمون في أحلك الظروف خنادقهم مقابرهم عشت بينهم زمناً طويلاً وآخر أيامي بينهم سأل بعضهم عن الذهاب للقتال في اليمن هل حلال أم حرام رغم العائد الضخم الذي يجدونه في الذهاب لليمن ، هل أمثال هؤلاء يريقون دماً بريئاً ، الآلة العسكرية صممت لحفظ الوطن والمواطن فكيف وهي تؤدي واجبها يصفها البعض بأفعال معادية بسبب تصديقه للإشاعات ، كما أنه لا بد من التمييز بين سلمية المظاهرات وعدم سلميتها وأن الواجب يختلف في كل حالة ورغم ذلك نشاهد في آلتنا العسكرية تضحية مبالغ فيها في الصبر على عدم السلمية مقارنة بالدول الأخرى بما فيها الدول العظمى إنه السودان أمي وأبي .
إن صعوبة كشف مرتكب جريمة القتل في المظاهرات هو الذي أدى لسقوط ثلاثة حكومات من قبل لأن الماسونية تصطاد في الماء العكر ، وطالما أن المظاهرات صارت مهدد لأمن الوطن والمواطن فلماذا الإصرار عليها والدين يحث على تغليب المصالح على المفاسد ، لقد إمتلأت المساجد بطالبي العون والمساعدة للعلاج والطعام والسترة من البرد بسبب الغلاء ما ذنبهم ، لقد صارت مفاسد المظاهرات عديدة ، تهديد للأمن الوطني ، مخالفة للدين في خروجها عن السلمية ، خروج على الحكام دون توفر الشروط ، تغليب للمفاسد على المصالح ، إهدار لطاقات الدولة البشرية والمادية ، قال اللهﷻ : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ۝ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) سورة البقرة 11و12 ، لقد وضح أن هنالك تدهور مريع في السلوك يحتاج للتقويم في مناهج التربية والتعليم ، ووضحت الحوجة الملحة لساسة وطنيين يشبهون سلوك شعبهم وقيمه ، ووضح أن الماسونية تخدع البعض للوصول لأهدافها فهي تدعي موافقتها على قيادة الدولة فيما يجري وفي نفس الوقت تدعم الأطفال فيما يجري في الشوارع وتتاجر بدمائهم علماً بأن قيادة الدولة إذا قامت بذلك سلطت عليها قانون حقوق الأطفال ، إنه إزدواجية المعايير واللعب على العقول في زمن غابت فيه المثل والأخلاق ، لذلك كن يقظاً حتى لا تكن عدواً لنفسك .

لواء ركن (م) : طارق ميرغني الفكي

عاش السودان حراً أبياً
26يناير2022م


‫3 تعليقات

  1. جزاك الله خيراً .. كلام رجل عقلاني وفاهم ومسئول وما قلت إلا الحقيقة
    ونحن بعد الذي شاهدناه من المدنيين في هذه الفترة الإنتقامية.. نقول أن الجيش هو صامام الأمان وهو المؤسسة الوحيدة التي تتصف بالحكمة والمسئوليه وإذا قارنا بينها وبين هؤلاء المدنيين الفوضويين الكذبة عديمي الأخلاق فنقول أن الجيش متقدم عليهم بسنة ضوئية

    إقتباس:
    “إن رجال الجيش يعملون بحرارة قلب مستمدة من شعبهم الأبي لا ينهزمون في أحلك الظروف خنادقهم مقابرهم عشت بينهم زمناً طويلاً وآخر أيامي بينهم سأل بعضهم عن الذهاب للقتال في اليمن هل حلال أم حرام رغم العائد الضخم الذي يجدونه في الذهاب لليمن ، هل أمثال هؤلاء يريقون دماً بريئاً “،
    كلا لا يمكن لهؤلاء أن يفعلوا ذلك .. ونحن نعرف أن معظمهم على خلق ودين.

  2. وضح .. أفصح .. أبن ..!!

    ولكن على أي حال ..
    إنقلاب البرهان في الفترة الإنتقالية دي هو خير مثال لمقولة (الجاهل عدو نفسه)

  3. سلمن وسلم عقلك وندعو الشعب لايقاف التظاهر لان دعوتنا الاحزاب لن تستجيب لها حفظا النفس وصونا لحقوق الاخرين في السير والتنقل بحرية والعمل باي مكان وليت الشعب يهمم صوب مصالحه كي تنقاد له الاحزاب