من السودان إلى مالي.. كيف تنشر روسيا بيادقها في أفريقيا؟
قالت صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية إن شركة الأمن الخاصة الروسية فاغنر التي يديرها مقرّب من الرئيس فلاديمير بوتين، باتت أداة التأثير الأساسية لموسكو في القارة السمراء على خلفية التوترات والتنافس بين روسيا والغرب. وذكرت الصحيفة وفق الجزيرة نت -في تحقيق مطول أعده 6 من مراسليها عبر العالم- أن موسكو استطاعت من خلال أنشطة هذه المجموعة الأمنية وتوقيع اتفاقيات دفاعية، أن تجد لها موطئ قدم في العديد من الدول الأفريقية مثل مالي وليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى وموزمبيق، وهو تقدم استمر على مدى 5 سنوات بصورة غير منتظمة ومتعارضة وخادعة أحيانا. لكن هذا التضارب الناشئ عن النشر “الحقيقي أو المفترض” لمرتزقة فاغنر -بحسب الصحيفة- لا يثير في الحقيقة استياء موسكو، بل تستثمره دعائيا لعكس قوة نفوذها في أفريقيا، وتتكفل الآلة الدعائية التي يسيطر عليها يفغيني بريغوجين -رجل الأعمال المقرب من بوتين والمعروف أنه مؤسس فاغنر- بخلق أو تضخيم الشائعات حول وجود المليشيات الروسية في القارة. وهو الأمر الذي يثبته بشكل جيد انقلاب بوركينا فاسو الأخير في 24 ينايرالجاري، حيث إنه بالرغم من عدم ثبوت تورط الكرملين فيما جرى حتى هذه اللحظة، فإن بريغوجين أشاد على الفور بالانقلاب معتبرا أنه وقع في “حقبة جديدة من إنهاء الاستعمار”، بينما عرض ألكسندر إيفانوف -وهو أحد المقربين منه- ما وصفها بخدمات “المدربين الروس” للجيش البوركينابي الذي قاد الانقلاب. وتؤكد لوموند أنه بعد 30 عاما من فك الارتباط مع أفريقيا في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي، بدأت منذ عام 2017 “الملحمة الكبرى” لعودة روسيا إلى القارة السمراء من السودان، حين قرر الدكتاتور عمر البشير -الذي استُهدف بمذكرتي توقيف لارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية من المحكمة الجنائية الدولية في 2010، وحكم بلا منازع بلدا على حافة الهاوية منبوذا من المجتمع الدولي- أن يحول اهتمامه صوب موسكو. واتخذ هذا التعاون في البداية صبغة أمنية من خلال تسليم أسلحة وتدريب القوات السودانية، لكنه سرعان ما ترافق مع امتيازات للتنقيب عن الذهب منحتها الخرطوم لشركة “إم إينفست” (M Invest)، وهي شركة مرتبطة ببريغوجين قائد مرتزقة فاغنر، وتعتمد على فرع محلي لها في السودان يدعى “مروي غولد” (Meroe Gold). كما تم توظيف رئيس الدولة عمر البشير شخصيا -بحسب الصحيفة- لخدمة سياسة موسكو في الشرق الأوسط، حيث أصبح هذا الأخير -بعد أن أدان ممارسات نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي نجا من الكارثة بفضل تدخل القوات الجوية الروسية عام 2015- أول زعيم عربي يقوم بزيارة رسمية لدمشق في ديسمبر 2018. وقد سهّل هذا الإرساء لدعائم مرتزقة فاغنر في السودان -بحسب لوموند- الامتداد الروسي وفق منطق الاستمرارية الجغرافية نحو جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة ودول أفريقية أخرى، حيث دشنت موسكو فعليا دخولها لهذه الجمهورية من الخرطوم على متن طائرة نقل عسكرية من طراز “إليوشن 76” في 26 يناير 2018. وكان على متن هذه الطائرة التي حطت على مدرج مطار بانغي واستقبلها عدد محدود من العملاء الروس لم يكترث لهم أحد حينئذ، أسلحة خفيفة موجهة لكتيبتين في جيش أفريقيا الوسطى، كما حط أيضا مدربون روس لأغراض التدريب غير بعيد عن العاصمة بانغي في قصر بيرينغو، القصر المهجور لإمبراطور أفريقيا الوسطى الراحل بوكاسا الأول.
الخرطوم كوش نيوز