مؤكداً إنسانيته المطلقة ووفاءه الكبير: أبو عركي البخيت يرثي أصدقاءه الراحلين
مدخل مهم:
لقد أرهق هذا الرجل حروفي.. ففي كل مرة يجبرني للبحث عن لغة جديدة واستثنائية.. لغة مغايرة ومختلفة لا تشبه اللغة التي نكتب بها عادة.. ولعلي ذكرت من قبل وقلت إنني أجد فناناً يهتم باحترام نفسه وتجربته كالفنان العظيم أبو عركي البخيت.. فهو يجعلني أتأمله واستغرق في ذلك كثيراً وأدخل في كثير من التحليلات في حال تجربته الغنائية والتي هي فكرية في المقام الأول وإن كانت معطونة بالعاطفة الدافقة.. أبو عركي من الذين يخططون للأغنية واتجاهاتها العاطفية والفكرية وقضاياها.. ومن يتوقف في قائمة الأغنيات الطويلة يجد أنه أمام مشروع إنساني مُحتشد بكل تفاصيل الإنسان الأغبش البسيط.
طوق نجاة:
أصبح في الفترة الأخيرة عبارة عن طوق نجاة للكثيرين من أمثالي الباحثين عن لحظة هدوء تبعدنا عن مشاغل الحياة وهمومها .. وأبو عركي من أقدر الناس الذين يمكنهم مسح الأحزان التي بدأت تتراكم .. وحينما نسمع بأن سعر الدولار ارتفع .. يصبح صوت أبو عركي هو الملجأ والملاذ .. وهو الذي يستطيع أن يخفض من معدلات الأحزان .. وأبو عركي حينما يقول بصريح العبارة بأنه حزين لما يحدث في الوطن .. فهو لحظتها يعبر ويستلف لسان شعب كامل لا يستطيع أن يبوح أو يقول ما يريد.. وهكذا ظل على الدوام هو لسان حال المغلوبين والغُبُش.
عشق جارف:
لذلك سوف أظل أردد على الدوام حينما أعاين لهذا العشق الجارف لأبو عركي .. لا استغرب أو استعجب أو أندهش .. فالتفاسير واضحة كالشمس في رابعة النهار .. ولعل عركي قدم نموذجاً فنياً لكل الأجيال الجديدة أن تستلهم منه معنى البقاء والخلود في أذهان الناس .. ومن يراهن على الصدق والإنسان لن يخسر .. وأبو عركي كسب الرهان .. والحزن يتمدد على قارعة الطرق وفي عيون الناس .. وفي كل تفاصيل الحياة .. ذلك ما دعا أبو عركي للتعبير المباشر عن حزنه الكبير على حال الوطن وما وصل إليه من تردٍ في كافة المناحي.
حزن الدواخل:
كثر هم من رحلوا عنا في الأيام الفائتة .. ظل حزنهم مقيماً في الدواخل ويخالف كل القوانين .. حيث يكبر يومياً مع أن الحزن يبدأ كبيراً ثم يتلاشى.. ولكن الأستاذ الفنان الجميل أبو عركي البخيت يعيش حزناً ليس ككل الأحزان .. لأن من رحلوا كانوا جزءا من حياته وتركيبته الإبداعية والاجتماعية .. لذلك شرفنا أبو عركي في صفحة (بعض الرحيق) بهذا النص الشعري
يا موت .. مالك علي!!
كلمات: أبو عركي البخيت
مالك بقيت بتشيل مني العزاز
يا موت؟
مالك علي..
أرهقتني وعذبتني
هديت كياني من الألم
ومن الهموم ..
ما قادر أقوى على الوقوف
وأنت بتطوف في كل يوم ..
حايم تنقد فيهم
واحد تلو آخر..
يا حتوم ..
الأقوى منك هو الخيال ..
الأقوى منك فنهم بيخلدهم ..
ومهما تبعدهم السنين
حنين الذاكرة بجيبهم ..
أقعد معاهم أونسهم
ونقول كلامنا الما كمل..
وأسامرهم رغم الاسى
اللفح الوطن بفقدهم ..
والدنيا كيف من بعدهم ..
صبحت تعيد في مآسرهم ..
ودعانا ليهم من قلوب
هامت كتير بي حبهم ..
ربنا الهادي الكريم يتقبلهم
صحيفة الصيحة