منوعات

فريق «سكة سفر» يصل بالكوميديا السعودية إلى محطة التألق!

إذا كانت الكوميديا السعودية على «سكة سفر»، فيحق لنا أن نجزم أنها وصلت. وكما تقول أغاني مقدمة المسلسل الرمضاني، فإن المستقبل الذي يرتسم في القلوب، لا يمكن إلا أن يتحقق سوى «يد بيد». ونحن إزاء عمل جماعي، قاده المخرج أوس الشرقي، وتوهجت فيه مواهب شبان ثلاثة، هم سعد عبد العزيز وصالح أبو عمرة ومحمد الشهري، يدعمهم عدد كبير من الوجوه التي تظهر في كل حلقة، لا يمكننا أن نمنع أنفسنا من الغوص في كنباتنا في مواجهة التلفاز، لشدة الضحك، لا لثقل الإفطار (على الأرجح).

نحن بصدد إخوة ثلاثة، ورثوا عن والدهم محطة بترول وفندقاً صغيراً وبقالة في منطقة صحراوية نائية. آه، علينا ألا ننسى المرأة السمحة، غريبة الطباع، التي لا نعرف تماماً إن كانت مريضة فعلاً بألزهايمر أم أنها تتناسى، والتي «حصّلها» الإخوة ضمن «حصر الإرث». ثم تمضي الأحداث. كل الأحداث التي ترغب بها، أو لا ترغب: أشباح، عنف، رسائل مجتمعية لا تخلو من الجدية، تقدم في «عسل الكوميديا»، سخرية الإخوة من بعضهم البعض، وحنوهم على بعضهم البعض (كما يليق بثلاثة في صحراء)، واستعادة ساخرة لكم هائل من مشاهد السينما الهوليوودية، وإن بتوليفات (تويستات كما يقال)، سعودية خاصة جداً. واحد يخرج من حقيبة ملقاة على الأسفلت تماماً، كما في «فانتستيك بيتس»، وآخر يمر بين الشباب الراقص، تماماً كما في المشهد الافتتاحي من ميوزيكال «لا لا لاند»، وثالث يذكرنا بأجواء «سكريمز». هي مشاهد عابرة، تخبئ رسائل، مثل تحيات وتذكارات عابرة من فريق من الشباب السعودي الطامح إلى إرساء تجاربه بروح عصره وحسه، بعد سنوات طويلة من الانتظار: «نبي نغير، ونبني كل شي بهدوء.. نبي تتلون الدنيا بأغانينا»، تقول كلمات الأغنية الافتتاحية.

يأتي الشرقي من تجربة مديدة في إخراج الحس الكوميدي، كما في أجزاء «سيلفي» و«واي فاي» وغيرها، لكنه في تجربته الجديدة، التي شارك بتأليفها مع عبد الله الوليدي، أراد أن يخوض في قالب يعد من الأخطر في قماشة الدراما، وهو القصص المنفصلة ضمن قصة متصلة، ما يستدعي دوماً محاربة فخ الضجر، وشد الجمهور إلى حبكات متجددة كل يوم. لكن «الثلاثي السعودي المرح»، قد ساعده بشكل واضح بحبك تلك العقد، عبر حضور اتسم بطاقة دافقة للكوميديا العفوية النابعة عن موهبة صقلها نص ذكي، وأداء مزج ما بين «كرتونية» الشخصيات الهزلية، مع عمق ثقافة ممثل واضحة.

يكفي أن يتشنج عزيز خوفاً أو اندهاشاً، فيفرك ناصية لثته، وتتسع حدقتا عينيه حتى نقهقه، ثم يسلبنا الشهري بهدوء أدائه وبراءة ملامحه، ارتياحنا، قبل أن يفاجئنا بأنه «راعي مشاكل»، وإنما حذر حد الجبن، وما بينهما يمضي أبو عمرة، مثل «أخ الوسط»، الذي يظن الجميع أنه تائه، لكنه يمتلك كل الخيوط.

ثمة كوميديا خفيفة وذات ثقل في آن، فالمتأمل في نص كل حلقة وحبكتها، سيفهم أشياء كثيرة جداً، من تلك التي نسعى دوماً أن ندسها في حقائب سفرنا ونرتحل بها ومعها إلى كل مكان في.. «سكة سفر!»

البيان