هل سيحاصر الجوع 18 مليون سوداني؟
رسمت تقارير صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي، الأسبوع الماضي، مستقبلاً قاتماً في السودان، البلد الذي اعتبر يوماً من الأيام “سلة غذاء العالم”.
التقارير توقعت أن يعاني 18 مليون من الجوع من جملة 40 مليون سوداني، أي أن قرابة 50 في المئة من المواطنين مهددون بالجوع. كما أثارت تساؤلات عدة. واستنكر كثرٌ حدوث مجاعة في البلاد، خصوصاً أن السودان يتمتع بـ 180 مليون فدان زراعي، مع وجود عدد من الأنهار والمياه الجوفية والأمطار الموسمية.
التقارير الأممية أرجعت هذه التوقعات إلى الظروف الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد، خصوصاً أن السودان يعاني ركوداً سياسياً بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول)، والانقلابات المتكررة.
فجوة غذائية
وعن أسباب الفجوة الغذائية، قال المحلل الاقتصادي وليد النور إن “واحدة من أسبابها اعتماد السودان على الزراعة المطرية التقليدية. وتحول المزارعين أنفسهم من زراعة المحاصيل الغذائية مثل الذرة، إلى المحاصيل النقدية مثل الفول السوداني والسمسم وهي من الإشكالات التي واجهت المواطنين في نقص الغذاء”.
وعن اعتماد السودانيين على القمح، أضاف أن “تقارير الأمم المتحدة تؤكد أن هناك فجوة في الغذاء، ومن أسبابها تحوّل النمط الغذائي من أكل الذرة إلى القمح، وعدم قدرة الحكومة على شراء القمح المحلي، والشكاوى من المزارعين بعدم توفير التمويل اللازم، ما يدخل البلد في مجاعة مع ارتفاع كلفة القمح المستورد وصعود أسعار الوقود للمشاريع الزراعية”.
أسباب أخرى
وعزا المحلل الاقتصادي محمد الناير التوقعات بحدوث أزمة جوع في البلاد إلى أسباب أخرى، قائلاً إن “التقارير التي تصدر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) والتي تفيد بأن 18 مليون سوداني يحاصرهم الجوع هي تقارير ربما لا تكون دقيقة بالشكل الكامل. صحيح أن السودان يعاني تعقيدات اقتصادية كثيرة، وهناك تعقيدات عالمية متمثلة في أزمة فيروس كورونا، وبعدها الحرب الروسية في أوكرانيا، التي ألقت بظلالها على كل دول العالم، تحديداً على السودان، باعتبار أنه يعتمد على الدولتين المتحاربتين بنسبة 45 في المئة من استيراد احتياج البلاد من القمح”.
وعن إنتاج القمح في السودان وعلاقته بالأزمة، أشار الناير إلى أن “السودان ينتج نحو 600 إلى 700 ألف طن من القمح. ويستهلك نحو مليونين ونصف المليون طن من القمح في العام. وكان يسدّ الفجوة باستيراد القمح من الخارج، ليس كلها من روسيا وأوكرانيا، ولكن النصيب الأكبر كان منهما. ويستورد أيضاً خلاف القمح زيوت عباد الشمس”.
في سياق متصل، اعتبر الناير أن “السودان لن يجوع بمفهوم الجوع، ولكن قد يعاني المواطن بسبب سياسات صندوق النقد الدولي، التي طُبّقت بصورة بها نوع من القسوة على المواطن، والتي ستجعله غير قادر على شراء الغذاء. فالقضية لن تكون قضية فجوة غذائية ونقص في الغذاء، ولكنها قضية أن المواطن سيكون غير قادر على شراء الغذاء، بخاصة أن نحو 60 إلى 80 في المئة من الشعب السوداني تحت خط الفقر”.
أما في ما يتعلق بتأثير الحرب الروسية في أوكرانيا، فقال الناير “نصحنا الدولة منذ اندلاع الحرب بتكوين فريق لإدارة الأزمة، وهذا الفريق يُعنى بتسهيل إجراءات تأمين الغذاء، خصوصاً أن موسم القمح تم حصاده قبل فترة قليلة. وكان من المفترض أن تشتري الدولة من المزارعين الجوال زنة 100 كيلوغرام بسعر 40 ألف جنيه، ما يعادل 80 دولاراً. كان يمكن معالجة الأزمة، خصوصاً أن المخزون الاستراتيجي للدولة كان سيكفي لأربعة أشهر من القمح وبعملة محلية لا تحتاج إلى نقد أجنبي للاستيراد من الخارج، بخاصة في ظل تعقيدات سلاسل الإمداد من روسيا وأوكرانيا”.
أما عن أسباب الفجوة، فأضاف الناير أنها “يمكن أن تحدث في البلاد، وسببها أن المواطن السوداني غير قادر على شراء الغذاء وهذه قضية تتعلق بروشتة صندوق النقد الدولي المتمثلة في رفع الأسعار وتحرير أسعار السلع والوقود والدواء والخبز والكهرباء. كل هذه السلع زادت أسعارها بصورة غير مسبوقة، وآخرها الدولار الجمركي الذي قفز بصورة غير مسبوقة في تاريخ السودان. كل هذه الأمور صعبت المهمة وأثرت في ارتفاع كُلف الإنتاجين الزراعي والصناعي. وهذه أزمة حقيقية، خصوصاً أن السودان يتمتع بمنتجات عضوية مرغوبة في كل الأسواق العالمية، لكن صعود كُلف الإنتاج سيهزم الميزة التنافسية، ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج بصورة كبيرة”.
ويرى الناير أن “الأمر يتطلب غرفة عمليات وفريق عمل يدير الأزمة ويؤمّن للبلاد احتياطات مقدرة، خصوصاً أن الأزمة الروسية – الأوكرانية غير معلوم متى ستنتهي”.
خطط بديلة
يعاني المزارعون السودانيون من تعقيدات جعلتهم يتركون الزراعة ويبحثون عن مصدر دخل آخر، الأمر الذي أدى إلى تدهور القطاع. وفي هذا السياق، قال الخبير الزراعي أمجد سالم إن “التدهور في قطاع الزراعة، الذي شهدته البلاد في الفترة الأخيرة لم يحدث بين يوم وليلة، فهو عبارة عن عملية تراكمية بدأت منذ أكثر من 30 عاماً. وتأثر القطاع بالحصار الأميركي على السودان وغيرها من المشكلات المتعلقة بصعوبة حصول المزارع على مواد الزراعة والضرائب الباهظة، التي فرضتها الحكومة على المزارعين، ما أجبر عدداً كبيراً منهم على ترك الزراعة والزحف نحو المدن”.
وأضاف أن “هذا القطاع يحتاج إلى جهود مكثفة. ويجب أن تخفض الحكومة من الضرائب، بل وتقدم للمزارعين حاجاتهم حتى يعودوا إلى الزراعة”.
إندبندنت عربية