منوعات

هشام الشواني: تحذير وتنبيه

١- لا توجد عبارة (تعبئة) في البيان الصادر من وزير الدفاع.
٢- يوجد نداء للمعاشيين المستهدفين ومن يستطيع حمل سلاح لتأمين بيته ونفسه ويشعر بأنه مستهدف بشكل شخصي. وكأنه إجراء بديل لترخيص حمل سلاح.
٣- توجد إشارة واضحة لكسر شوكة التمرد وسلوكه الإجرامي.
٤- توجد دعوة واضحة للتأني والصبر فحرب المدن تأخذ هذا الوقت.
إن بيان الوزير يمنح الجيش تواصلا فعالا وإيجابيا مع الشعب السوداني الذي يقف خلف الجيش، وتحذيرنا لأننا نعلم أن العملاء وأصحاب الغرض سيطلقون عبارة تعبئة شاملة على البيان، فهذا المصطلح لم يستخدمه الجيش في البيان، وله تعريف فني دقيق في أدبيات الحرب والعسكرية، وهؤلاء يهدفون عبر فرض العبارة على البيان لتعزيز أكاذيب الحرب الأهلية التي تخدم غرضهم.
لقد مضت أيام كثيرة منذ يوم ١٥ إبريل وبداية الحرب، وهي حقا أيام قاسية ولا تزال كذلك، مليئة بالقلق والخوف والترقب، حيث ينتظر السودانيون النصر، ويشغلون الوقت في توفير ضروريات الحياة في مدينة الخرطوم، أو التفكير القلق حول خيار البقاء أو السفر. وإلى أين؟ هناك خارج الخرطوم يتابع الناس بقلق أكبر أخبار البلد والجيش، وقبل ذلك هم قلقون على مصير الأهل والأحباب. والجميع يشعر بأن الحرب قد طالت والنصر قد تأخر.
ثمة ثلاث جوانب يجب توضيحها من أجل فائدة عملية:
١- مالذي يجب أن يفعله الفرد والأسرة والمجتمع؟
إن الظروف الحالية تمثل تهديد أمني حقيقي للمواطنين، التمرد لا يتورع عن أي جريمة، اللصوص و(النهابة) والعصابات وجدت بيئة ملائمة، بل وتعمل بتنسيق مع التمرد في بعض المواقع. يجب على المواطنين والأفراد التفكير بجدية في نوع الخيارات والتنبه للآتي:
أولا: لا يجب اتخاذ قرار بناء على الرعب والخوف.
ثانيا: لا يجب التفكير بعاطفية، بمعنى لا يجب اتخاذ قرار البقاء لمجرد عدم قبول مغادرة المنزل والحي. وكذلك لا يجب الإصرار على السفر بدوافع عاطفية أيضا.
ثالثا: التقييم الموضوعي للخيارات وفق الواقع من حولك، وذلك بين البقاء، أو مغادرة المنزل لحي داخل المدينة، أو مغادرة المدينة نحو مدينة أخرى خارج الخرطوم.
كذلك يجب على المجتمع أن يتحرك تحرك حاسم تجاه نفسه، فحماية الحي مسؤولية جماعية والاستعداد لحماية النفس والممتلكات كذلك، يتم كل ذلك بالتنسيق بين الجهود الجماعية من خلال المسجد وشباب الحي. وهذه الواجبات تقدر من موقف حي لآخر وفق المخاطر، فهناك أحياء تستمر الحياة فيها شبه طبيعية، هؤلاء يجب أن يتخذوا كل أسباب الاستعداد والحماية من وقت مبكر.
٢- مالذي يفعله الجيش ميدانيا؟
الإجابة بسيطة ولكنها دوما ما تحتاج لتأكيد، التمرد الآن تحول من قوات عسكرية تقاتل من أجل انقلاب أو سلطة أو أي غاية سياسية ليصبح مهدد أمني خطير، وكل من يلاحظ لحركة التمرد ينتبه بوضوح لتغيرات واضحة:
عدد قوة أقل، عدد عربات مقاتلة أقل، مظهر فوضوي غير عسكري وبزي غير منضبط، حركة زُمر جنود من أخويات وعلاقات دم بلا تراتبية عسكرية فيها. نحن إذن أمام مليشيا كاملة الأركن، مليشيا تقاتل من أجل النهب والتغنيم والتخريب وقضاء وقت في كل ما سبق، بدون تفكير حقيقي في الخطوة التالية.
أمام قوة مثل هذه حقيقة لا يملك الجيش إلا أن يتصرف معها وفق الخطة الجارية حاليا، إن عامل الزمن والثبات الانفعالي هو المهم، والجيش الآن بات ينتظر لحظات هجومهم من أجل ضربهم، وبغير ذلك فإن القنص والعمليات النوعية الليلية وبعض ضربات الطيران والاستنزاف هو المستمر، وكل ذلك سيدفع هذا المهدد الأمني للانحسار، وكلما زاد الانحسار سيتحرك المجتمع أكثر للتفاعل مع مرحلة الحسم.
التمرد لم يعد قوة ذات وزن سياسي عسكري ولو خرج قائدهم حميدتي ورغب في ضبط هؤلاء الجنود لن يستطيع، شواهد كثيرة وملاحظات عينية عن مجموعات من جنود التمرد تسأل المواطنين: هل يوجد ارتكاز دعم سريع قريب؟ فإن قالوا نعم، تتحرك المجموعة بما تحمل من غنائم عكس اتجاه الارتكاز!!
خلاصة السؤال الميداني: المهدد الأمني للتمرد يحتاج لوقت، ولا يوجد سيناريو آخر غير هذا السيناريو الذي يتقدم بوتيرة قد تبدو بطيئة للبعض لكنها فعالة وتبني نصر صحيح وبحذر بالغ من احتمالات الخسائر الكبيرة أو الحرب واسعة النطاق. وأهم عامل يجعل هذه الخطة صالحة هو: أنها تكبح جماح تدخلات خارجية خطيرة محتملة.
يجب إذن ربط موقف الفرد والمجتمع بالجيش، وكل خيار يجب أن نتحمل مسؤوليته، فنتحرك إيجابيا نحو ما نقرره بموضوعية، والتكاتف الجماعي هو الأهم والصبر على الخطة هو الأمر الحاسم.
٣- ماهو الموقف السياسي الذي يجب أن نعمل له، وما هو الموقف الذي يجب أن نحذر منه؟
الموقف السياسي الذي يجب العمل له هو المساندة التامة للجيش والوعي بمخاطر الحرب من ناحية سياسية، وذلك باليقظة تجاه كل المخططات المضادة والتي تحاول استغلال الظروف من أجل فرض رؤية على البلاد، رؤية تقوم على تدخل خارجي وتوسيع التفاوض لأجندة سياسية والتمهيد للبند السابع وحظر وعقوبات على السودان وتصوير الدولة كأنها دولة فاشلة تماما بلا حكومة.
جهات كثيرة تعمل على هذا السيناريو وتحاول استغلال ظرف الحرب الحالية لهذا الهدف. وخطورة هذا المخطط تتمثل في منح التمرد شرعية بعد كل ما فعله، وتؤجل حسم المعركة، بل وتدفع الجيش السوداني لأعلى حالات العزل والضغط بما يهدد وجوده، وتهدد مستقبل السودان ووحدته ككل، فالتمرد هو قمة مهددات الأمن القومي السوداني.
ورغم ذلك فظروف الولايات السودانية أفضل بكثير، ورغم كل المهددات والهجمات على بعض مدن دارفور لكنها صامدة، وخطر الانزلاق لحرب واسعة النطاق يؤول للصفر، ولقد أخطأ التمرد في صب كل قوته وجنوده وتسليحه بما في ذلك المدرعات داخل الخرطوم، فهذا ما نراه يوميا هنا وبإذن الله فإن محرقة هذه القوات أو هروبها بتحطيم بنيتها، سيكسر شوكة هذا التهديد الأمني على
السودان ككل.
من كل ما سبق فإن معركة الكرامة الوطنية وبكل ما تحمله من معاني ودلالات تحتاج لكثير من الاتزان والصبر والثبات، ومن يفكر بانزعاج في طول الأمد عليه أن يتذكر أين كان التمرد في أول أيام المعركة؟ وأين مضى مخططه نحو السلطة؟ وكيف تحول لمهدد أمني بحت؟ إن تحول التمرد لمليشيا لتهديد أمني بحت هو نتيجة لفشل مخططها الرئيس بالسيطرة وتفكيك الجيش وضرب الدولة، ولكن الجيش باق والدولة صامدة نحو مستقبل النماء والتطور والنهضة والوحدة القومية.

هشام الشواني