الأخبار

العدوان على جنين.. بين تصاعد قوة المقاومة وأزمات نتنياهو الداخلية

القدس المحتلة- سبّب التطور النوعي في أدوات المقاومة الفلسطينية في جنين خلال الفترة الماضية أرَقا لصنّاع القرار وقادة الأجهزة الأمنية في دولة الاحتلال، ولا سيما بعد تفجير ناقلة جند تابعة لجيش الاحتلال بعبوة ناسفة أدت إلى إصابة 8 جنود بجروح خلال اقتحام عسكري عنيف للمخيم في 19 يونيو/حزيران الماضي.

وقبل أسبوعين أيضا، كشفت إسرائيل عن سقوط صاروخ محلي الصنع في مناطق سيطرتها، وهو تطور قال الاحتلال إنه يشكل خطرا وينذر بتصاعد قوة المقاومة.

وفي ظل استمرار تحريض اليمين الإسرائيلي المتطرف على جنين ومخيمها ومقاومتها من جهة، وتصاعد حدة الاحتجاجات ضد سياسات حكومة بنيامين نتنياهو الداخلية، من جهة أخرى، بدأت إسرائيل فجر اليوم الاثنين عملية عسكرية واسعة النطاق على المدينة ومخيمها شاركت فيها وحدات النخبة إضافة إلى مروحيات عسكرية وطائرات مسيّرة.

وجاءت العملية العسكرية في جنين بعد أيام من هدوء حذر ساد الضفة الغربية عقب عملية إطلاق نار أدت إلى مقتل 4 إسرائيليين في مستوطنة “عيلي” بين رام الله ونابلس، وسط الضفة الغربية. وما تبعها من سلسلة اعتداءات وهجمات للمستوطنين على الفلسطينيين العزل.

كما جاءت في اليوم الذي دعت فيه المعارضة الإسرائيلية إلى الاحتشاد بقوة وإغلاق مطار بن غوريون احتجاجا على مضي نتنياهو وحكومته في مخطط “إضعاف القضاء”، وهو ما أثار جدلا واسعا وتساؤلات كثيرة حول توقيت العملية.
عوامل متشابكة
ويتفق محللون على أن الواقع المحيط بعملية جنين أكثر تعقيدا، ويعتقدون أن الأمر لا يتعلق فقط بنشاط الفصائل المسلحة ومحاربة المقاومة، بل بالكثير من القضايا المتشابكة، وأبرزها الملف السياسي والتعامل مع السلطة الفلسطينية على أنها جزء من الحل وليست “المشكلة” وفق حكومة نتنياهو.

ووفقا لتقديرات وإجماع المحللين، فإن هذه ليست عملية عسكرية ضد السلطة الفلسطينية، التي يتم الحفاظ على مصالحها إسرائيليا، رغم التصريحات التحريضية من قبل بعض الأطراف بحكومة نتنياهو.
ويقدّر رون بن يشاي المحلل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن إسرائيل تحضّرت لعملية عسكرية في جنين على مدار العام الأخير، وذلك بسبب تصاعد عمليات المقاومة التي انطلقت منها ومن مخيمها وتعزيز قدرات الفصائل هناك وتحديدا “كتيبة جنين” التابعة لـ”سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وهو النشاط والنفوذ الذي أربك إسرائيل.
وأشار بن يشاي إلى صعوبات تواجه الجيش الإسرائيلي في العملية التي ينفذها بمراكز وجود الفصائل المسلحة وقدرته على التنقل.

ووفق المحلل العسكري، يعتمد جيش الاحتلال في عمليته بجنين على الفعل ورد الفعل، وعلى إستراتيجية الدفع بالمسلحين الفلسطينيين للخروج من مقراتهم والاشتباك معهم، بدون أن تكون هناك أهداف محددة مسبقا.

ويعتقد أن ما دفع المستوى السياسي للمصادقة على العملية العسكرية، هو تفجير مركبة “النمر” المتطورة قبل أسبوعين في مخيم جنين واستخدام سلاح العبوات الناسفة والمتفجرة.

ويضيف إلى ذلك، محاولة مجموعة فلسطينية إطلاق قذيفة صاروخية من جنين باتجاه أهداف إسرائيلية، وتعاظم قدرات التنظيمات المسلحة هناك، وهو ما يعيد إلى الأذهان مشاهد من القتال في جنوب لبنان.

من ناحية أخرى، يقول بن يشاي إن الجيش الإسرائيلي فقد عنصر المفاجئة بهذه العملية العسكرية التي تم الحديث عنها كثيرا في وسائل الإعلام، الأمر الذي من شأنه أن يعقد الأمور لدرجة أن يتحول الهجوم على جنين إلى مواجهة في الضفة عامة، وهو الأمر الذي لا تريده إسرائيل.
العملية المؤجلة
الطرح ذاته، تبناه الإعلامي الإسرائيلي يوآف شطيرن المتخصص بالشؤون العربية والفلسطينية، والذي يعتقد أن تنامي قدرات المقاومة والفصائل المسلحة في جنين دفع نتنياهو إلى شن العملية العسكرية بعد أن كانت مؤجلة أو يتم التلويح بها كورقة ضغط وتهديد للتنظيمات الفلسطينية.

وعدا عن الأهداف الإسرائيلية المعلنة من العدوان على جنين؛ بتدمير مختبرات تصنيع الأسلحة وتصفية عناصر المقاومة، فإن توقيت العملية -كما يقول شطيرن للجزيرة نت- له دوافع وأسباب سياسية داخلية وعلى رأسها الأزمات التي تواجهها حكومة نتنياهو في ظل تصاعد الاحتجاجات ضد خطة إضعاف القضاء.

ولفت إلى أن هذه العملية العسكرية تحمل رسائل داخلية أيضا من أجل تحصين حكومة نتنياهو وإرضاء الشركاء في الائتلاف الحكومي الذين طالبوا منذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة بشن عملية عسكرية بالضفة. وبالمقابل تحمل رسائل للفلسطينيين وتحديدا التنظيمات المسلحة، بأن إسرائيل هي صاحبة السيادة بالضفة.
استعادة الردع ليست هدفا
وقال رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) اللواء تامير هايمن، إن الحديث الذي يدور عن عملية “السور الواقي 2” يهدف إلى “استعادة الردع.. كون الردع لا يمكن تحديه وقياسه”.

ويعتقد هايمن الذي يشغل منصب مدير “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، أن “الأهداف الصحيحة من وراء العملية في جنين هي إنهاك العدو، وإلحاق الضرر بمختبرات تصنيع المتفجرات والأسلحة، والمساس بالمسلحين”.
ووفق هايمن “نتحدث عن عملية تكتيكية، بيد أنه بدون بنية تحتية إستراتيجية لمشروع سياسي شامل، لن يتغير الواقع بمرور الوقت”.

وأشار إلى أن العملية العسكرية في جنين يمكن أن تسهم في إحباط الهجمات والقضاء على المسلحين الفلسطينيين وتمكين واقع عملي أفضل، “لكن الحل السياسي وحده هو الذي يضمن الاستقرار على المدى البعيد”.

ولفت إلى أنه سيتعين على إسرائيل أن تقرر “متى تكون استنفدت الخطوة الحالية من العملية والتي لا يمكن تحديد وقتها”، خاصة أن المواجهة مع المسلحين الفلسطينيين في الميدان “ستكبد الجانبين خسائر فادحة بالأرواح، في حين تتجنب إسرائيل الوقوع في مستنقع جنين”.
جبهات أخرى
وفيما يتعلق بمسألة ما إذا كانت هذه العلمية ستقتصر على منطقة جنين أم تتسع إلى مناطق وجبهات أخرى، قدّر هايمن، في حديثه للجزيرة نت، أن ذلك سيكون “منوطا بعدد الضحايا في الجانب الفلسطيني”؛ فعدد كبير جدا من الضحايا، كما يقول، يمكن أن يشعل النار في ساحات وجبهات أخرى أيضا.

وكما في تجارب الماضي، يقول هايمن “يجب أن تأخذ إسرائيل في الاعتبار إطلاق الصواريخ من غزة أو لبنان، وذلك رغم أن التقديرات تشير إلى أن حماس ليست معنية بمواجهة عسكرية مع إسرائيل وكذلك الجهاد الإسلامي أيضا، “لكن هذا مرهون بتراكم الألم والخسائر في الجانب الفلسطيني”.

ويقول هايمن، إن السؤال هو ما هدف إسرائيل السياسي؟ هل الأفضل تهيئة الظروف لعودة قوات الأمن الفلسطينية إلى شمال الضفة الغربية أو إبعاد السلطة الفلسطينية وتحمل المسؤولية عنها وإعادة السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الأرض؟
ووفق هايمن، إذا ظل هذا الأمر غامضا وغير مقرر، فإن هذه العملية ستؤدي إلى “تحسن أمني على المستوى التكتيكي، ولكن ليس من المؤكد أنها ستستمر لفترة طويلة”.

سكاي نيوز
الجزيرة