العدالة الانتقالية في تونس.. مسار معطّل بعد انقلاب قيس سعيد
دعا الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية، اليوم الاثنين، إلى ضرورة تفعيل توصيات “هيئة الحقيقة والكرامة” في تونس، وذلك بمناسبة الذكرى الثالثة لنشر التقرير الختامي للهيئة، مؤكداً أنه في إطار مبدأ استمرار الدولة “لا بد من استكمال المسار، وجبر الضرر للضحايا، والاعتذار لهم”.
وفي 24 يونيو/ حزيران 2020، صدر التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة التونسية، المنوط بها الإشراف على مسار العدالة الانتقالية بمختلف مراحلها، في الجريدة الرسمية (الرائد الرسمي).
وبيّن أعضاء الائتلاف، في ندوة اليوم، أن هذه التوصيات، في عدد من الإجراءات والإصلاحات التي نصّت عليها، من شأنها أن تؤسس لدولة المواطنة، واحترام الحقوق والحريات، وتضمن عدم الإفلات من العقاب في جرائم نهب المال العام، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما توفر الضمانات اللازمة لعدم الرجوع لدولة الاستبداد، مشيرين إلى أنه “على الرغم من أهمية التقرير الختامي من أجل إرساء دولة ديمقراطية عادلة، خالية من الفساد والتعذيب، فإن منظومة 25 يوليو 2021 حاولت قبره بشتى الطرق، فلم تجر الإشارة في دستور 2022 إلى استكمال مسار العدالة الانتقالية، في خرق جسيم لمبدأ تواصل الدولة، وضرورة الإيفاء بتعهداتها الدستورية والقانونية والأخلاقية”.
وأوضح أعضاء الائتلاف أنه “علاوة على إحداث مؤسسات بديلة، كمؤسسة “فداء”، ولجنة الصلح الجزائي، والتي لا تحترم الحدّ الأدنى من الشفافية والمهنية، فإنها بقيت إلى اليوم قلاعاً فارغة لم تقدم شيئاً للشعب التونسي”.
وقال منسق الائتلاف المدني للدفاع عن العدالة الانتقالية، حمزة بن نصر، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن “استمرارية الدولة تستوجب تنفيذ توصيات “هيئة الحقيقة والكرامة”، ووضع مخطط حكومي لبرنامج تجسيد هذه التوصيات، وإرساء نظام ديمقراطي في تونس يقوم على الفصل بين السلطات”، مشيراً إلى أن “مكافحة الإفلات من العقاب والفساد ليست مجرد شعارات، بل يجب تطبيق ذلك على أرض الواقع بدل الوعود”.
وبيّن أن “تنفيذ توصيات “هيئة الحقيقة والكرامة” سيقود إلى دولة ديمقراطية، وإلى مزيد من الحريات والحقوق، ويؤدي إلى تطبيق القانون على الجميع”، مضيفاً أنه “جرى للأسف التخلي عن حقوق الضحايا من قبل الدولة، وتجاهل جبر الضرر ومحاسبة الجلادين”.
“انقلاب على العدالة”
بدوره، قال الوزير السابق لحقوق الإنسان العياشي الهمامي، في تصريح لـ”العربي الجديد”: “إننا نتحدث عن العدالة الانتقالية في وقت انقلبت فيه الدولة على العدالة، بعد أن انقلبت على الدستور والسلطة، ولم يعد موضوع العدالة الانتقالية ضمن جدول أعمالها”، مؤكداً أن “القانون يُلزم السلطة والحكومة بالعمل بالتوصيات الصادرة، ووضع برنامج لذلك، خاصة أن التقرير شامل ويضم إصلاحات عدة، وتعزيز عمل الدوائر المختصة”.
وبيّن الهمامي أن “ما يحصل هو تشويه للعدالة، من خلال ما سُمّي بالصلح الجزائي ومؤسسة “فداء” التي لم تحمل أي إضافة”، مشدداً: “نفخر بالتوقيع على تقرير العدالة، وصدوره ضمن الجريدة الرسمية، بحيث أصبح ملزماً للدولة التونسية”، مؤكداً أن “الرئيس قيس سعيّد استغلّ الأزمة التي عاشها المجتمع لاختطاف مؤسسات الدولة، ومنها العدالة الانتقالية”.
وشدد الوزير التونسي السابق على أنه “لا بد من تفعيل الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة، ومحاسبة الجلادين، ولكن طريق النضال يتطلب نفساً طويلاً”، مؤكداً أن “تطبيق التوصيات يعني إصلاحات في مجالات عدة، منها القضائية والاجتماعية، ولو حصل ذلك لكان وضع تونس أفضل وأكثر تقدماً”.
من جهتها، أكدت الرئيسة السابقة لـ”هيئة الحقيقة والكرامة” سهام بن سدرين، أن “التقرير الختامي للهيئة ضمّ جملة من الإصلاحات التي تبدو مقلقة للبعض، خاصة أنها كانت بعد عدة جلسات استماع للضحايا، أي بنحو 50 ألف جلسة استماع علنية وسرية”، مؤكدة في تصريح لها خلال الندوة، أنه “جرى توثيق انتهاكات قامت بها الدولة أو موظفو الدولة على امتداد سنوات، ولكن يظل أهم سبب لفشل الانتقال الديمقراطي في تونس هو التواطؤ والخوف من المنظومة السابقة، وهذا يشمل طبقة سياسية من اليمين واليسار، تولت المشاركة أو الصمت على التجاوزات خدمة لمصالحها”.
وأشارت بن سدرين إلى أن “البعض كان يحاول اتقاء شر هذه المنظومة أو التابعين لها، وهذا من أهم أسباب فشل المرحلة الانتقالية في تونس، والوصول إلى انقلاب 25 يوليو 2021”.
لا مصالحة دون محاسبة
أمّا عضو المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب أسامة بوعجيلة، فشدد على أنه “لا مصالحة دون محاسبة، ولا بد من القضاء على العدالة ذات الوجهين التي تُطبّق على البعض فقط، فلا إفلات من العقاب مهما مرت الأعوام”، مؤكداً، في كلمة له خلال الندوة، أنها “كلها مبادئ تنبني عليها العدالة الانتقالية، وتتعلق بها آمال الضحايا لإدانة مرتكبي الانتهاكات والفظائع التي عانت منها تونس طيلة عقود”، مبيناً أن “عدم حضور الجلادين في المحاكمات هو تكريس لعدالة ذات وجهين، وعدم تبليغ الاستدعاءات للمسؤولين السابقين في الدولة المتهمين في قضايا عدة، منها العنف البوليسي، غير مبرّر، ويفتح الباب لانتهاكات كبيرة”.
وبيّن بوعجيلة أنه “لا تراجع عن هذا المسار لأنه الضامن الأساسي لعدم التكرار والحقوق والحريات”.
وفي هذا السياق، أكد الكاتب العام لجمعية “الكرامة” للحقوق والحريات حسين بوشيبة، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “على الدولة تفعيل توصيات الهيئة، فحقوق الضحايا لا تسقط بالزمن”، مبيناً أن “مسار العدالة الانتقالية قُبر، والمشاريع البديلة كمؤسسة “فداء” والصلح الجزائي هي نقيض للعدالة وحق المجتمع في معرفة الحقيقة”.
وأضاف المتحدث أن “الصلح دون كشف ومساءلة المخالفين، يعني فسح المجال لتكرار الانتهاكات، وتشجيعاً على الإفلات من العقاب”، مشيراً في المقابل إلى أن “المساءلة تعني وضع قوانين للحدّ من التجاوزات والانتهاكات، أي تقليصاً لتلك التجاوزات والجرائم”.
سكاي نيوز
العربي الجديد