“دبلوماسية الحبوب” وإفريقيا.. هل تعيد روسيا هندسة العالم؟
وسط تحذير بريطاني ودولي، أكدت روسيا قدرتها على استبدال صادرات الحبوب الأوكرانية إلى إفريقيا، واستعدادها لتوريد حبوب بالمجان إلى 6 دول بالقارة في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر.
وتاريخيا استخدمت الدول مثل أميركا وبريطانيا وروسيا، الحبوب، كسلاح لاستقطاب دول أو ممارسة ضغوطا على أخرى، بهدف استقطاب موالين أو تركيع الخصوم، وفق خبراء تحدثوا لموقع “سكاي نيوز عربية”.
ووعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة “روسيا- إفريقيا” التي اختتمت أعمالها في سان بطرسبرغ، دول، بوركينا فاسو، وزيمبابوي، ومالي، والصومال، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وإريتريا، بالحصول على ما يتراوح بين 25 و50 ألف طن لكل منها بالمجان.
ومنذ عدة أيام، تعاني أسواق الغذاء العالمية من الضغوط بعد انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب، ثم إعلانها، يوم السبت، حظر تصدير الأرز مؤقتا، بعد يوم من إعلان الهند (أكبر دولة مصدر للأرز) حظر تصديره.
قلق دولي حيال الأمن الغذائي
وفي بيان قمة سان بطرسبرغ، أعربت روسيا والدول الإفريقية عن “قلقهم العميق” إزاء مشاكل الأمن الغذائي العالمي وارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة.
وجاء في الإعلان الروسي: “نعرب عن قلقنا العميق إزاء التحديات التي تواجه الأمن الغذائي العالمي، بما فيها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة، فضلا عن اضطراب سلاسل الإنتاج والتسويق الدولية، التي تؤثر على البلدان الأفريقية إلى حد بعيد”.
في المقابل، حذرت وزارة الدفاع البريطانية، من أن الدول الإفريقية ستواجه عواقب طويلة الأمد بعد إيقاف اتفاق الحبوب الأوكرانية.
وقالت، في بيان على “تويتر”، يوم الجمعة، إنه ” تأثير الحرب في أوكرانيا سيضاعف من انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا في غضون العامين المقبلين”.
اتفاق الحبوب ساعد في نقل نحو 30 مليون طن من الحبوب الأوكرانية إلى دول العالم
حصار روسيا للموانئ الأوكرانية عطّل تسليم الإمدادات الغذائية الأساسية إلى دول مثل إثيوبيا وكينيا والصومال والسودان، ما رفع أسعار الحبوب.
ومن جانبها قالت الولايات المتحدة إنها تعمل مع الاتحاد الأوروبي لتصدير الحبوب من أوكرانيا عن طريق البر.
وخلال تعليقه على خيارات نقل الحبوب الأوكرانية، عبر البر، قال متحدث مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي:
نعمل مع حلفائنا الأوروبيون وفي أوكرانيا وشركاء آخرين لمعرفة إن كانت هناك طرق لإيصال الحبوب إلى الأسواق عن طريق البر.
لن يكون هذا المقترح بنفس كفاءة تصدير الحبوب عن طريق البحر، وفق وكالة “تاس” الروسية.
وكان مفوض الزراعة في الاتحاد الأوروبي يانوش فويتشوفسكي، كشف، عن أن التكتل مستعد لتصدير جميع السلع الزراعية الأوكرانية عبر ممرات التضامن”، حسب رويترز.
وكانت أكبر الدول المتلقية للحبوب الأوكرانية، قبل إلغاء اتفاق الحبوب، هي الصين وإسبانيا وتركيا وإيطاليا، في حين ذهب 57 في المائة إلى 14 دولة تصنف حاليا بأنها الأكثر تهديدا بالمجاعة ومنها دول القرن الأفريقي وأفغانستان واليمن الذي مزقته الحروب.
وتاريخيا، وظّف الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، القمح في ثلاثينيات القرن الماضي، لإجبار المزارعين الأوكرانيين على العمل في المزارع الجماعية وصادر مخزون القمح، وتسبب ذلك في مقتل نحو 4،5 مليون شخص.
أميركا هددت باستخدامه ضد العرب الذي استخدام سلاح البترول خلال حرب 1973 خلال التضامن مع مصر ضد إسرائيل وحينها تحدثت واشنطن عن أن “كل قطرة بترول بحبة قمح”.
استخدمه ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني، في 1943، للسيطرة على ولاية البنغال الهندية التي قاومت الاحتلال، واستغل موجة الجفاف لإخضاع سكان الولاية مقابل السماح للأسطول التجاري البريطاني بتوصيل القمح والأرز.
حضر هذا السلاح خلال خطة إخضاع العراق قبيل احتلاله، تحت مسمى “النفط مقابل الغذاء”، الذي أودى بحياة أكثر من 1،5 مليون طفل عراقي.
“دبلوماسية الحبوب” تجاه إفريقيا
ويقول الخبير الاقتصادي الأوكراني أوليغ سوسكين، إن “الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في إفريقيا”.
وأضاف، لموقع “سكاي نيوز عربية” أن: “وقف تصدير حبوب أوكرانيا سيشل عمليات الزراعة بها التي تعتبر مصدر 45 في المائة من الناتج المحلي، وتلك كارثة عالمية بالتزامن مع تفاقم أزمات الغذاء وارتفاع أسعاره”.
“روسيا تستخدم الحبوب كسلاح وتمارس حاليا ما يسمى بـ “دبلوماسية الحبوب” تجاه إفريقيا للفكاك من العقوبات الغربية”.
“أمريكا أعادت هندسة العالم خلال القرن التاسع عشر باستخدام سلاح القمح.”
هل ينفذ بوتين وعوده؟
أما الخبير البريطاني، مايكل كلارك، فقال:” لمنع تفاقم أزمة غذاء عالمية يتعين السعي وبجدية لتجديد اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا”.
“انهيار الاتفاق سيؤدي لكارثة للملايين”.
“الاتفاق سمح بتصدير منتجات الغذاء الأوكرانية عبر البحر وبينها كان 80 في المائة من الحبوب لبرنامج الغذاء العالمي”.
“روسيا تتذرع بالعقوبات الغربية فأوقفت الصادرات الغذائية الأوكرانية رغم أن المنتجات الزراعية غير مدرجة بالعقوبات”.
وعن وعد بوتين للقادة الأفارقة بأن الحبوب الروسية ستكون بديلا عن الأوكرانية، يقول كلارك: “لن يحدث ذلك روسيا تمارس الخداع واستقطاب للدول الإفريقية، وخطة أوروبا لتصدير الحبوب عن طريق البر غير واقعية، وبولندا أوقفت مرور الحبوب الأوكرانية خوفا من تضرر أسواقها “.
“وعود بوتين ستظل كذلك بخانة عودا، وقصف روسيا لمخازن الحبوب في أوديسا الأوكرانية والانسحاب من اتفاقية الحبوب يؤكد استخدام موسكو للحبوب كسلاح”.
“جذب واستقطاب قادة القارة الإفريقية عبر “دبلوماسية الحبوب” يؤكد أن روسيا تريد فقط القفز على العقوبات”.
“يتعين أن يكون طعام الشعوب بعيدا عن الحروب، والدول التي تعاني من أزمة حبوب وارتفاع أسعار الغذاء هي ضحايا تصعيد الغرب الذي فرض أشد العقوبات التجارية على الاقتصاد الروسي، الكبير والمعقد والمتشابك مع أغلب دول العالم.”
سكاي نيوز