راعي الغنم الذي دوخ فرنسا 13 سنة
راعي غنم وحطاب، لم يدرس التاريخ والسياسة.. عاش بسيطا، لكن ظلم فرنسا وخيانة البعض قلبا مصيره، فصار أسطورة، لأنه أعلن حربا عجزت فرنسا بقوتها عن إخمادها، فطاردته 13 سنة، هي عمر ثورته المتفردة… قد تقرأ عن أبطال خياليين، مثل إيفان هو وروبين هود، لكن القلعي دحض خيال الأدباء، لأنه كان يجمع شجاعة كل الأبطال.
ولد الشهيد بوزيان سحنون ولد الحبيب، عام 1838م، وسمي بالقلعي نسبة إلى مسقط رأسه القلعة، الواقعة بغليزان حاليا. بدأ حياته العملية برعي الغنم ثم صار حطابا يقطع الحطب لبيعه بعد ذلك في السوق.
كان بوزيان القلعي يعيش ككل الجزائريين، تحت وطأة مستعمر جردهم من كل شيء، من وطنهم، من حريتهم، من خيرات أرضهم.
وهكذا، كانت الحياة تمضي على قدر الطعام والشراب فقط، حيث ضيق الاحتلال الفرنسي على الأهالي معيشتهم، لينشغل الناس بلقمة العيش، وينصرفوا عن مقاومته.. فقد كان يعتقد أن الجائع لن يتمرد أبدا.
وفي يوم من الأيام المتعاقبة المتشابهة، طرق القائد العربي المكلف بشؤون المحليين أو الإنديجان لدى الإدارة الفرنسية، بابه المتواضع، وراح يطالبه بأسلوب فج بدفع الضرائب، التي عليه، وهذا أمام أسرته، فغلى الدم في عروقه، فأسقطه أرضا، ولم يشف غليله من خيانة هذا الحركي، فجرده من كل ثيابه وأهانه عاريا أمام سكان القلعة.
بعد ما حدث، أعلن التمرد على فرنسا واختار جبال بني شقران مقرا لثورته الفردية، لكن سرعان ما التحق به الكثير من الشباب، بمعية جيلالي الشقراني، المدعو جيلالي القاطع. وشرع الثوار في شن هجومات على مزارع وضيعات المعمرين والباشاغات، التي سلبوها غصبا من الجزائريين، في إطار قانون سنه الفرنسيون سنة 1863.
في 13 أوت 1873، في مدينة أورليان سابقا، الشلف حاليا، قام بوزيان باعتراض طريق ثري المدينة، المدعو الحاج محمد بن عبد الله، وسلبه كل ما يملك.
تعاطف سكان الغرب الجزائري مع هذه الثورة، التي صارت تجلب أعدادا جديدة من الثوار.. هذا النجاح، دفع بالحاكم العام للإدارة الاستعمارية إلى كتابة تقرير، في 30 ديسمبر 1874، إلى وزير حربه لتبليغه بخطورة ثورة بوزيان القلعي، وتأثيرها على وعي المواطنين.
لم تكن ثورة القلعي قطع طرق أو إجراما، بل حركة ثورية عفوية، كانت سببا مباشرا في ظهور بعض الثورات، مثل ثورة فليتة في 1864.
بعد أن دوخ فرنسا 13 سنة، جندت له هذه الأخيرة أرمادا من الجنود للقبض عليه، لكن الخيانة كانت وراء القبض عليه حيّا، بعد أن كانت الشرارة التي أشعلت نار ثورته. وقد سقط في يد المستعمر على يد الخائنين الحاج بن يوسف وابنه عمّار، بتاريخ 16 أكتوبر 1875، وهما حركيان ينحدران من دوّار أولاد يحيى البنيان الذي يبعد 45 كلم عن مدينة معسكر. وقد كافأتهما فرنسا بالميدالية الشّرفية الفضّية.
بتاريخ 13 أكتوبر 1877، بدأت محاكمة بوزيان رفقة سي قدّور بن حميدة واثنين آخرين، وفي ماي 1976، حكم عليهم بالإعدام. ونفذ الحكم في صباح 26 جويلية من نفس السنة، في الحديقة العمومية لمدينة المحمدية ولاية معسكر.
لم تكتف فرنسا بإعدامه، بل فصلت رأسه عن جسده الطاهر، وأُرسلت جمجمته لتُعرض في متحف الإنسان بِفرنسا، وحفظت هناك إلى غاية 3 جويلية 2020، عندما استرجعت السلطات الجزائرية رفاته التي تم دفنها في عيد استقلال الجزائر في مقبرة العالية.
بعد وفاته، صار بوزيان أسطورة، وتناقل السكان قصته عبر أغان شعبية، لا تزال الألسنة تغنيها، من أشهرها:
“بوزيان القلعي وي كي ضرني قلبي، خلى فراش مفرش خلى بيض منقي، خلى طعام مسقي، لعبو بيه الكورة، ولاحوه في المطمورة، بوزيان القلعي يا بوزيان القلعي راح ما يولي خلى طعام مسقي ولحيتو الحمرة مرمدة بالرملة”.
خلد المخرج الجزائري، بلقاسم حجاج، قصته في فيلم وثائقي، سنة 1983، بعنوان بوزيان القلعي، وتقمص شخصيته سيراط بومدين، وقد حاز جائزة فينيزيا جينتي موسترا في البندقية إيطاليا، سنة 1984.
الشروق الجزائرية