بنظرة ثاقبة على أعماله الأخيرة: إلى تامر حسنى.. «معلش» حاول مرة أخرى!
منذ أيام قليلة، طرح الفنان «تامر حسنى» أغنيته الجديدة (معلش)، من ألبوم (هرمون السعادة)، ويبدو أن هناك منهجًا متبعًا على أن تصدر الأغانى بشكل منفرد على أن يتم تجميع كل إصدارات هذا العمل بعد ذلك فى ألبوم واحد.
«تامر حسنى» بدأ السنة بأغنية (موحشتكيش)، فى محاولة منه لتعويض خسائر العام الماضى وفشله فى الدخول لقائمة أكثر 50 أغنية استماعًا على مدار السنة بأشهر المنصات الغنائية، وهذا لا يتناسب قطعًا مع أحاديثه عن نفسه وعن شعبيته الكبيرة.
(موحشتكيش) من كلمات «أمير طعيمة»، وألحان وتوزيع «أحمد إبراهيم»، وقد نفذت موسيقيًا كـ«latin ballad»، وهى أغنية تحاول وصف شعور الحبيب لافتقاده إلى حبيبته، ولكن تنفيذ الفكرة كعادة «أمير طعيمة» فى الأغانى الأخيرة جاء تقليديًا معتادًا بقوافى مستهلكة، فمثلا فى النصف الأول من «سينيو» الأغنية سنجد الجمل ترتكز على كلمات تنتهى بنفس القافية «موحشتكيش، بعيش، مفارقتنيش»، وفى النصف الثانى «مات، سكات، ذكريات»، بشكل تقليدى للغاية ومعاد ومكرر فى عشرات، بل مئات الأغانى.
وهذه ليست أزمة الكاتب الكبير «أمير طعيمة» فقط، بل أزمة غالبية كتاب الأغانى فى هذه الفترة، الذين اعتادوا على إعادة تدوير نفس القوافى ونفس الأفكار فى الكثير من الأغنيات، صحيح أننا لن نخترع لغة جديدة، ولكن التعبير البلاغى بالكلمات وقدرة الصانع على جذب انتباه المستمع بمفردات لغوية غير معتادة هى التى تجعلنا نفرق بين الأغانى «المختلفة»، والأغانى «التقليدية»، وقطعا (موحشتكيش) تنتمى إلى فئة الأغانى التقليدية.
ولذلك لا نستعجب عندما نرى أن ترتيب الأغنية على أشهر المنصات الغنائية فى الأسبوع الثالث من بداية العام الجديد، فى المركز الثانى عشر، فى الوقت الذى يتصدر فيه «عمرو دياب» أغلب مراكز العشرة الأوائل بما فيها المركز الأول، أما المركز الثانى فـ«تامر عاشور» بأغنية (هيجيلى موجوع)، والثالث «رامى صبرى» وأغنية (بين الحيطان)، وفى التاسع «هيفاء وهبى» وأغنية (وصلتلها)، وباقى المراكز الأولى كلها من نصيب ألبوم (مكانك) لـ«عمرو دياب»، وكل هذه الأغنيات صدرت تقريبًا فى نفس التوقيت! وهذه دلالة أيضا لا يجوز التغافل عنها، حيث أصبحت أعمال «تامر حسنى» الجديدة تجد صعوبة بالغة فى التواجد على قمة قوائم الأكثر استماعًا، وأن المنحنى الجماهيرى لأعماله الغنائية يهبط إلى الأسفل بالتحديد من بعد آخر أغنية جماهيرية «حقيقية» له وهى (ناسينى ليه) الصادرة منذ 4 سنوات تقريبًا.
أما الأغنية الأحدث (معلش)، فهى من كلمات وألحان «تامر حسنى»، ومن حيث الموضوع فهى بنيت على فكرة الوقوف أمام المرآة.
استخدام المرآة فى الأغانى أيضا ليس بالشىء الجديد، لكنه أيضا ليس بالتقليدى المعتاد، فلدينا أغنيات تناولت الإطار العام للفكرة ولكن بأساليب مختلفة، فمثلا «عمرو دياب» فى أغنية (قدام مرايتها) كان يتغزل فى محبوبته، و«إليسا» فى أغنية (يا مرايتى) و«شيرين عبدالوهاب» فى (المرايا)، و«عبدالباسط حمودة» فى (أنا مش عارفنى)، كانوا يتحدثون عن مواجهة النفس أمام المرآة، وهذه نفس الفكرة التى بنيت عليها (معلش) لـ«تامر حسنى».
ولكن تظل أزمة «تنفيذ الأفكار» هى المسيطرة فى أعمال «تامر حسنى» الأخيرة، حيث تبدأ الأغنية بمخاطبة المرآة، ومن هنا تتضح أزمة التنفيذ، لأن المرآة جماد لا تنمو، لا تتحرك، لا تتكلم، ولكن مع كلمات الأغنية، يقوم «تامر حسنى» بمخاطبة «الجماد» ويقول له: «ويا جمالك وإنتى فى حالك ساكتة بتسمعى»، فما هو جمال المرآة «الجماد»؟!
أم يقصد «تامر حسنى» جماله الشخصى لأن المرآة مجرد انعكاس لصورته الحقيقية؟!
أم هو تعبير مجازى عن مدح التحدث مع «المجهول» حيث لا يوجد لوم أو نصائح، مجرد احتواء فقط؟! وما زاد هذه المشكلة هو الأداء الغنائى «العاطفى» لـ«تامر حسنى» فى هذا الجزء بالتحديد والذى لا يمكن أن يعطينا أى شعور آخر سوى «الغزل»، كأنه يتحدث إلى فتاة من لحم ودم، وليس مجرد مواجهة مع النفس، كما هو المقصود من الإطار العام للعمل.
«تامر حسنى» – «الكاتب» – استغل الجزء الأول من الأغنية لينتقد بعض الأمور التى نتعامل معها كـ«مسلمات» متعارف عليها «شعبيًا» مثل الصديق وقت الضيق، وأن الحبيب لا يغيب، ثم يتحول إلى تقديم بعض النصائح إلى مستمعيه ويحذرهم من خطورة استكمال العلاقات مع من خذلوهم، وعلى أن يكونوا حريصين فى اختيار الأشخاص الذين سيتشاركون معهم الأسرار، هذا من حيث الإطار العام للفكرة، ولكن للأسف التنفيذ الساذج أفقد «الفكرة» معناها.
فمثلا عندما تم التشبيه فى الأغنية بين «الغنم»، و«البشر»، والتأكيد على أن هناك بشرًا لا يؤتمنون ولا يقدرون الأوجاع وكتمان الأسرار، فكانت كلمات الأغنية تقول: «الغدر مجاش غير من اللى بحكيلهم أوجاعى.. فكرونى بالغنم! أكمل ولا مفيش داعى»، كان من الممكن أن ينتهى المقطع هنا، ونترك الخيال للمستمعين فى استكمال المعنى المقصود، ولكن للغرابة، وبدون أى فواصل نجد «تامر حسنى» يستمر فى الغناء ليقول: «يعيش عمره خايف من الديابة.. وفى النهاية يأكله الراعى»، إذن أنت ككاتب أكملت التشبيه، فلماذا تسأل المستمعين: «أكمل ولا مفيش داعى»؟! فهذا السؤال ليس له محل فى هذا المقطع من الأغنية.
ثم نأتى إلى مقطع الـ«راب»، لـ«زاب ثروت»، الذى يكمل على نفس المنوال ويقوم هو الآخر باستكمال ما بدأه «تامر حسنى» ويقدم هو الآخر النصائح للمستمعين بطريقة «ساذجة» مثل: «صاحبك بجد مايسيبكش وقت الجد»، وهو نفس المعنى الذى قاله «تامر» فى بداية الأغنية، فما الفائدة من تكراره بدون إضافة؟!
ثم مرة أخرى التشبيه بين الحياة البشرية وبين غابة الحيوانات ليقول «زاب»: «العيار اللى ميقتلش يقويك ده إحنا فى وسط غابة»، وهو نفس التشبيه الذى قاله «تامر» أيضا وتحدثنا عنه فى السطور السابقة، ولكن الأزمة هنا عند «زاب» أكبر من أزمة «تامر»، حيث إنه عندما أنهى الجملة بـ«غابة»، وكان لا بد من جملة أخرى يختم بها هذا المقطع، فـ«عطل» ولم يجد تشبيهات مناسبة، ربما لضعف قاموسه «اللغوى»، فقال «يمكن عشان غلابة»، والمدهش أن «تامر حسنى» فى الأغنية أكد على كلامه بـ«آه»!
ومن هنا يأتى السؤال: ما علاقة المستوى المالى أو الاجتماعى بالغدر؟ هل الأغنياء لا يغدرون ببعضهم البعض؟ وأن «الغلابة» كما يقول «تامر» و«زاب»، هم فقط المعرضون للغدر والجرح؟!
ما هذه السذاجة؟!
ثم إن أزمة «زاب» هى نفس أزمة «تامر» فى تنفيذ الأفكار، حيث بدأ المقطع الأول له فى الأغنية وهو يخاطب «المذكر» العاقل، وكأنه يقصد أن يواجه نفسه، لأنه يقف أمام المرآة، وبغض النظر عن نهاية هذا المقطع بالتشبيه الطبقى العجيب «علشان غلابة»، نجد فى المقطع الثانى تحول غير مفهوم، ليستكمل «زاب» الغناء، ولكن هذه المرة يخاطب «المؤنث» غير العاقل «المرآة»، ويختتم الجمل بكلمات تنتهى بقوافى أعيد استخدامها فى مئات الأغانى مثل «تسمعنى، يساعنى، باعنى»!
وكأن «زاب» لا يستمع إلى أغانى الموجة الجديدة من الـ«راب»، وتشبيهات مغنى «التراب» الذين تخطوه فى الشعبية والجماهيرية والنجاح بسبب محاولاتهم المستمرة فى تجديد الكلمات والمفردات، والغناء عن النفس بشكل ذاتى «صريح» دون توجيهات نصائح للآخرين، بل إن أغلبهم يتحدثون عن مشاكلهم ونقاط ضعفهم بغناء «بشرى» غير «ملائكى» أمام العامة، بدون خجل أو مواربة، وهذا هو السبب الجوهرى فى زيادة شعبيتهم، بالإضافة قطعًا إلى تطورهم الموسيقى!
فى النهاية، هذا المقال إن دل على شىء، فهو يؤكد على أزمة أغانى «تامر حسنى» فى السنين الأخيرة، فهو للأسف الشديد أصبح يسير بقوة الدفع وبقوة شعبيته الجماهيرية التى صنعت فى فترة البدايات، بسبب جرأته وتجريبه وخروجه عن المألوف، حتى وصل إلى النضج والكمال الفنى فى ألبومه (عيش بشوقك)، ولكن من بعد هذا الألبوم بالتحديد، أصبحت أسهمه تهبط إلى الأسفل، وهو الوحيد الذى يلام على هذا الهبوط بسبب اختياراته.
روز اليوسف