بحر إدريس أبو قردة: مهالك الإقصاء
معلوم تلك الجهود التي بُذلت من القوى الوطنية لجمع الصف الوطني لصون البلاد و منعها من الإنزلاق إلى الفوضى و الحرب، ولكن كانت العقبة دائماً “قحت المركزي” ، و هنا لست بحاجة إلى تذكيركم بمحطات و أدبيات قحت الكثيرة في هذا الجانب حتي الوصول إلى محطة(إما الإطاري أو الحرب) و تحالفها مع مليشيا الدعم السريع للقيام بانقلاب 15 أبريل، فهذا ليس غريباً على قحت و لا يدهش أحداً.
و لكن الذي يحزن المرء و يدهشه أن جزءاً من القوى الوطنية و قيادة الدولة بعد كل الذي حدث في هذا البلد يلجأ إلى ذات الأساليب في ممارسة العمل السياسي ( الإقصاء و التضليل و السعي للانفراد بالقوات المسلحة).
حيث قامت القوي التي حاولت تأسيس – أقول حاولت تأسيس لأنه حسب بيانها الختامي لم يتمكنوا من إجازة أوراق المؤتمر والهياكل وفق ما جاء في البيان – تنسيقية القوي الوطنية بالإقصاء المتعمد للقوي الوطنية التي تشاركها المرتكزات الأساسية وهي:
– الوقوف مع القوات المسلحة و المقاومة الشعبية المساندة لها للتصدي للتحدي الوجودي للدولة السودانية.
– جمع الصف الوطني دون إقصاء لأحد لبلورة رؤية وطنية شاملة عبر حوار سوداني – سوداني لحل مشاكل البلاد الحالية و المستقبلية.
– التصدي القوي للتدخلات الأجنبية السالبة التي تريد اختطاف البلاد و السيطرة على مقدراتها.
– إدانة الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب و جرائم الإبادة الجماعية و كل الجرائم الشنيعة غير المسبوقة التي ارتكبتها المليشيا و ضرورة محاسبتها مهما طال الزمن.
هذه المرتكزات و ما يجيء في سياقها متفق عليه من كل القوي الوطنية السياسية و المجتمعية و الأهلية و الدينية و الشبابية.
برغم من إتفاق كل القوي الوطنية علي هذه القضايا الجوهرية إلا أنها ينقصها الإتفاق عـلي آلية تنسيقية تمكنها من تنسيق جهودها لمخاطبة الداخل والخارج.
إذاً هذه التنسيقية كانت مهمتها الأساسية السعي لتحقيق هذه الآلية المفقودة بكل شفافية و وضوح تقديراً لظروف البلاد و استثماراً للأرضية المشتركة التي وُجدت من الإتفاق علي المرتكزات الاساسية.
إذاً ما الذي دعا تنسيقية القوي الوطنية للعمل في خفاء خلال الشهرين الماضيين حتي وصولها إلى مؤتمرها دون دعوة القوي الوطنية الأخرى للحوار و النقاش بشفافية حول التنسيقية؟
من الأشياء الغريبة التي لم نفهمها حتي الآن أن السيد الفريق مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة سبق أن وافق أن يكون رئيساً لجسم وطني يضم كآفة القوي الوطنية بصفته رئيساً للحركة الشعبية و نائباً لرئيس مجلس السيادة حتي يستطيع أن يخلق تواصلاً جيداً بين قيادة الدولة و قيادة الجيش و القوى الوطنية ذات الأرضية المشتركة معها، ولكنه أعتذر بعد الإجتماع الأول الذي انعقد في منزله.
و الشيء الأكثر غرابة بعد اعتذاره من رئاسة الجسم الذي يضم غالب القوى الوطنية وقبِل مباشرةً أن يكون رئيساً لتنسيقية القوي الوطنية (التي ضمت جزءاً قليلاً من تلك القوي).
بعد المؤتمر الذي لم يتمكن من إجازة أوراقه و اعتماد هياكله، شاهدنا انخراط التنسيقية في أجتماعات مكثفة قيادة الدولة طالبةً التوقيع مع القوات المسلحة و دعم من جهاز المخابرات العامة للعمل في الولايات و غيرها من الأعمال !!
هل قيادة الدولة و قيادة القوات المسلحة عندها خيار وفقوس بين القوى الوطنية ذات الأرضية المشتركة معها؟
هل قوي التنسيقية قررت ممارسة ممارسات قحت المركزي من الإقصاء بالأساليب الملتوية المعروفة ؟
يجب أن نذّكر السيد رئيس مجلس السيادة و القائد العام و السيد نائب رئيس مجلس السيادة بصرورة أن يكونا على مسافة واحدة بين القوى الوطنية و لا يسمحا أن تضللهما أي جهة. كما يجب أن نذكّر إخواننا في قوى التنسيقية أن إعادة إنتاج تجارب قحت لا يجدي نفعاً.
د. بحر إدريس أبو قردة
بورتسودان 15.3.2024