عندما يتنمر المواطن على الشرطة.. (انتو كنتو وين) ؟
# قال لي: خمسةُ اعوام من عمر اللا هيبة.. اضاعت على البلد الكثير من المكاسب المتراكمة، وعامُ واحدٌ من عمر الحرب المفاجئة.. اكدت للعالم اجمع منطقية ما قالته اغنية عابرة وهايفة عن (الخبرة ليها اثر)..
حشد العدو كل ما استطاع حشده لاشعال هذه الحرب التي ليست هي حرب الدعم السريع، بل حرب الامارات والنيجر وافريقيا الوسطى وتشاد واثيوبيا واعتى مخابرات العالم، لم يترك مجهزها ومشونها شيئا للصدفة وجهز حتى وجبة المقاتلين، فلم يتركوا لنا غير الصدمة والمباغتة والمفاجأة، ولكن ما بقي فينا هو ذلك (العضم القوي) الذي لا يمكن ان ينكسر ابدا.. صحيح ان قيادة الجيش انكفأت على ما تملك من قوة، وجانبها التقدير الصحيح للموقف في كثير من الامور، الا انها لم تغلق باب المبادرات وتركت الامر مفتوحا لمن حدثتهم انفسهم بالجهاد في سبيل الوطن والدين، مع ان القرار الاصوب كان هو ان يتم دمج القوات النظامية كلها تحت إمرة القائد العام والقوات المسلحة واستدعاء الخدمة الوطنية.. وهنا يبرز السؤال المحير.. اين ذهبت الخدمة الوطنية التي دفعت فيها البلد دم قلبها واول دفعاتها منذ العام 97 (عزة السودان) لم يتجاوز عمر مجنديها ال46 عاما بعد.. ومن هم دونهم في العشرينات.. الخدمة الوطنية رصيد عالي المقام حتى في السِفر العملياتي وكانت لهم صولات وجولات وبطولات نادرة يعرفها ابطال واسود القوات المسلحة والقادة الميامين.
# ما قلته عن الخدمة الوطنية نسحبه مباشرة الى قوات الشرطة السودانية التي كانت لايام طويلة من انطلاق الحرب (تُطبّق اليدين) امام دُورها ومقارها وكأنها تشاهد فيلما من افلام الاكشن، كانت متحركات التمرد تجوب شوارع العرضة والاربعين والزعيم في ام درمان، على سبيل المثال، وتمر من امام محلية ام درمان وقسم الاوسط والمحكمة والكومندانية عند مدخل كوبري شمبات، بينما تسري الشائعات بان قادة الخيانة والارتزاق قد بعثوا بخطاب الى مدير الشرطة سعادتو (عنان حامد) يحمل تحذيرا شديد اللهجة بان تظل الشرطة في موقفها هذا بعيدة، مع ان التتار قد دخلوا دورها وسرقوا اسلحتها ومرغوا سمعتها في التراب، والشرطة في حقيقة الامر امر اقوى من ذلك، تشهد لها مسارح العمليات كلها في شرق الاستوائية وبانتيو وملكال وغرب النوير ودارفور بذكريات فصيل قوات (دعم السلام) وفصيل (ابو طيرة البفك الحيرة).
# الان الحرب في نهاياتها وما ينتظر الشرطة كثير، واول ما نريد ان نخبر به المواطن السوداني الذي يتنمر على الشرطة، مثلما تنمر احد السودانيين على شرطي المرور في احدي المحطات (انتو جريتو مالكم وقت القصدير كان مالي البلد).. و(انتو كنتو وين).. ونحن نجيبك يا سيدي بان هذه القوة الوطنية العريقة قد تم تحييدها تماما اثناء القتال، لم تُرفع لها راية الا من خلال (تصرفات) خاصة من بعض الضباط والافراد الذين دخلوا الى المعركة بارادة ذاتية، ولاحقا كان هناك الاحتياطي المركزي الذي اصبح هدفا لقوات التتار فدافع عن مقره الرئيس في الدخينات حتى ساعة الانسحاب لاسباب لا نريد ذكرها حاليا.
# هانحن نقول لمن يفترون القول على الشرطة التي لم تسلم من التجريف مثلها وكل مؤسسات البلد الرصينة، انه لا استغناء عن الشرطة في اي مرحلة من مراحل الحياة.. لان الشرطة من قلب هذا الحراك الانساني الذي يرعى اخلاقنا ويصونها.. يعرف أداء الواجب ويسعى للإنجاز لكي يبقى مجتمعنا مصانا ومحافظا ومحترما.. جاء من عمق بيوتنا الى مراكز التدريب والتأهيل لتعاد صياغته بين صفا وانتباه وكتفا سلاح.. متحمسا بين استرح ولا تسترح.. والمبدأ عندنا وعنده ان عرق الميدان يُحقن دماء المعركة ويوفر النفس العزيزة.. جاء الشرطي من عصير التدريب وملح التجربة.. يعتصره الجوع والفاقة ويقوده الاباء والشمم كما قلت ذلك وكتبته في أكثر من مناسبة عن ذلك البوليس المعدم الفقير الذي يلتقط مئات الجنيهات والدولارات من درج المركبة التي فارق صاحبها الحياة في حادث، ولا يتذكر حاجته وفاقته فيضع تلك الاموال امانات في دفتر العهدة وقد اعياه حسابها.. يذهب لفض المظاهرات وهو يعلم ان راتبه الشحيح لا يكفي لسد رمق او اقالة عثرة ولكنه غير آبه حتى ان ضج الهتاف: “يا بوليس ماهيتك كم.. رطل السكر بقى بي كم” أو “كنداكة جات بوليس جرا”.. هو لا يأبه لذلك لأنه ابن هذا المجتمع ويعلم أكثر من غيره بأنه في خدمة الشعب.
# اعود واقول ان مرحلة ما بعد الحرب ايها السادة، تحتاج لشرطة قوية وقيادة فتية.. قيادة غير (عنانية) يا سعادتو خالد حسان.. تعرف مطلوبات المرحلة.. لابد من اعادة النظر في العلاقة ما بين المجتمع والشرطة وتغيير الصورة الذهنية النمطية التي تجعل الكيان الواحد في حرب مفتوحة وكأنها حربٌ بين الحق والباطل.
ايمن كبوش