رأي ومقالات

ناظر دار حمر وجوامع أهل السودان

نزجي التهنئة إلى ناظر عموم دار حمر ، الناظر عبد المنعم عبد القادر منصور، بمناسبة اعتلائه عرش النظارة التاريخية الجامعة بتاريخ 2 نوفمبر 2025م ، وهي دار تأسست على إرث الإسلام، وجميل خلق أهل السودان. وأميرها المُنصّب اليوم، هو سليل أسرة توارثت المكارم من طارف وتليد دهرها، أباً عن أب، وجداً عن جد.. ذرية بعضها من بعض:

من معشر سنّت لهم آباؤهم ..
ولكل قوم سُنّة وإمامها
لا يطبعون ولا يبور فعالهم
إذ لا يميل مع الهوى أحلامها..

فتاريخ القبيلة ومركزيتها الجامعة، وسيرة زعمائها وحكمتهم الشاهرة، وموقعها الواسط الجامع بين كافة قبائل وأهل السودان، جعل من دارهم معلما بارزا، وموئلا حاضنا، يبوء إليه الجميع ويأزر. فعاصمتهم “النهود” ظلت منذ أيام السلطنة الزرقاء في القرن السادس عشر، نقطة التآزر، وواسطة عقد التلاقي للسودان الديمغرافي، بين سنار، وتقَلي، ودارفور، وودّاي العباسية، وممالك غرب أفريقيا في بورنو وتكرور ودانفوديو، الذين ظلت قوافلهم تتقاطر منذ المئين من الدهور على طريق الحج، الذي يربط سواحل الأطلسي بالبحر الأحمر وموانئه في عيذاب وسواكن، ومنذ دخول الإسلام لتلك الديار. ثم تمر قوافلهم بسنار، موئل الشريعة، وحصن أمة الإسلام في أفريقيا، التي انتظمت دولتها بعد عقد واحد من الزمان، إثر سقوط دولة الخلافة في الأندلس عام 1492م. فاعتادت سنار على إرسال المحمل كل عام للبيت الحرام، استشعارا بوحدة الأمة، وعموم رسالة الإسلام. ثم تتوجه قوافل الحج من هناك إلى إمارة صالح شنقة، التي كانت قائمة في القلابات، وظلت على صلة بالخلافة في اسطنبول، ومع وكيلها الخديوي في مصر، ثم انضمت في عهد أميرها محمد ود الإرباب، الذي قاد الجيوش أيام المهدية، حتى استشهد في معاركها التي تطاولت مع أباطرة الحبشة.
فدار حَمَر هي دار السودان، ودار الخلق، والكرم، والشهامة، والعزة، والإسلام.

ولعل رمزية تنصيب الناظر عبد المنعم، والسرعة التي جرت بها إدارة الإستخلاف لوالده عبد القادر منعم منصور، تبين مدى التوافق بين أهل الحل والعقد في عرشهم، وتعكس خبرة أسرة النظارة التراكمية في ترتيب أمورهم، وإدارة شئون القبيلة، وهي إعلان عن الأهمية التي يولونها لراهن ومستقبل دارهم العامرة.
فمنطقة غرب كردفان عموما، ودار حمر خصوصا، قدمت للسودان على المستوى القطري الماركة التجارية المسجلة: ‘الضأن الحمري’ الذي يُعرف في السعودية وفي دول الخليج بــ”السواكني” وهو إنتاج متفرد يُعرّف به السودان في أسواق الماشية واللحوم الطبيعية، المتغذية بالمراعي المبرأة من التحورات الحيوية، والهندسة الوراثية التحورية من تلقاء تعظيم الأوزان بالفيتامينات، وذلك على مستوى العالم.

فضلا عن ذلك فإن دار حمر هي موطن حب البطيخ الأفضل عالميا، والفول السوداني، والصمغ العربي، وعامة أهلها من النوابغ في كل الصناعات والفنون. ومنهم بالولاء الرحمي والجوار الإقليمي، الفارس المغوار، إبراهيم وِدِّير، صاحب المدفع الشهير الذي يضمه المتحف المئوي للقوات المسلحة: “مدفع ودِّير”. وتسنى له ذلك الشرف الباذخ، بعد أن رأى فتك مدفع الدفتردار يفتك بجنوده، الذين كان يقاتل أغلبهم بالسيوف، على ظهور الصافنات الجياد، فقال لهم: “سأخلصكم منهم، فالمدفع إن سِلِمت غُنمي، وإن قُتلت وَسْمي..”. ثم شاء الله أن يكون وسمه في المدفع إلى اليوم شرفاً وعزاً له ولأهل السودان، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

والكلام يطول عن دار حمَر إذا ما ذكرت مجاهداتهم في معارك التحرير الوطني، منذ أيام شيكان، وهزيمة أهل السودان لأعتى جيش غزاهم وقاده الجنرال الإنجليزي هكس، الذي تبجح مهدداً أهل السودان:
“لو سقطت السماء أثبتناها بفوهات بنادقنا، ولو زُلزلت الأرض وطئناها بأقدام جنودنا” فانجلَتْ المعركة في أقل من ساعة، وقُطع رأسه، ودابر عسكره، ولم يرجع من جيشه الغازي ناعق ولا ناهق.

التعازي موصولة لأسرة الفقيد الشهيد، وإلى معالي وزير الخارجية، سليل تلك الدار، السفير محي الدين سالم، ولكل الأهل ووشيجة الرحم الواصلة بدار حمر، ولعموم أهل السودان، وسائر أهل الإسلام، في فقد الناظر الشهيد بإذن الله، عبد القادر. والله نسأل أن يجعل البركة في ذريته وعقبه. وأن يهدي النظارة الخالفة إلى حكم الحق وسبيل الرشاد.

دكتور حسن عيسى الطالب