مصطفى الآغا

رؤوس وفؤوس


[JUSTIFY]
رؤوس وفؤوس

لست من مُحبي العنف وليس عندي جذور أو أصول أو حتى نوبات عُنْفية باستثناء الصراخ بصوت عالٍ، وهو أكثر حالاتي التي يمكن وصفها بالعنيفة، وغالبا ما أهدأ بعد هنيهات من ثورة غضبي.
ولست أيضا من محبي أفلام الرعب، ولا أحب حتى متابعة إعلاناتها، وأستغرب كيف يستمتع البعض برؤية الدماء والبطون المبقورة وأكلة لحوم البشر، وإن كنت أعترف أن الإنسان كائن غريب وصفه الله تعالى بقوله «وكان الإنسان أكثر شيء جدلا».
ولهذا كله تراني أبتعد عن صور ومقاطع وأخبار العنف الذي ملأ عالمنا العربي، ولكن البعض- سامحهم الله- يدحشون لك المقاطع دحشا في أنفك، فإما يرسلونها واتس آب أو إيميل، أو بكل بساطة يضعونها في موبايلاتهم ويبدؤون بعرضها على الرايح والجاي دون تحذير من قسوة المشاهد، ودون استئذان، من سيتعرض لموقف قد لا يحب ولا يرغب ولا يود مشاهدته.
وسبق ورأيت مرة بالغلط كيف قطع الزرقاوي رأس الأميركي نيكولاس بيرغ، ومازالت هذه الصورة تطاردني بشكل كوابيس يومية منذ سنوات.
ولا أعرف كيف يسمح القائمون على وسائل التواصل الاجتماعي بعرض مثل هذه المقاطع المؤذية للمشاعر الإنسانية، وخاصة لأهل من تم فصل رؤوسهم عن أجسادهم، وقد يكون
من بينهم الكثير من المظلومين، وأنا حتما لا أتحدث عن «القصاص» الذي ورد في شرع الله، بل أتحدث عن الاستمتاع والابتسامات التي تصاحب قطع رؤوس البشر وكأنها تسلية.
وأخيراً انتشرت قصة الأسترالي خالد شروف اللبناني الأصل، الذي يعيش في أستراليا منذ 31 سنة، وهو ينشر عبر حسابه في تويتر صورة لابنه الذي لم يتجاوز سبع سنوات وهو يحمل رأسا بشرية من شعر صاحبها، من دون أي اعتبار للطفولة وبراءتها، ومن دون أي اعتبار للإنسانية وحتى للإسلام، الذي أعتقد أنه براء من هؤلاء الذين يحاولون تصويرنا على أننا برابرة متعطشون للدم.
فالصورة صدمت أستراليا والعالم، وليست الأولى ولن تكون الأخيرة للأسف، إذ أصبحت الرؤوس المقطوعة وصور الذبح هي الأكثر رواجا في سوريا والعراق عبر نشاط «داعش» الأكثر من ملحوظ عبر تويتر وغيره من وسائل التواصل، ومع هذا هناك انتقائية غريبة في إدانة مثل هذه التصرفات الهمجية ما بين منطقة جغرافية وأخرى.
وبعيدا عن السؤال الأكبر وهو من أين أتت داعش؟ ومن أين أتى تمويلها وتسليحها وسياراتها وأسلحتها «قبل أن تستولي على مخازن الجيش العراقي»؟ يبقى السؤال الأهم وهو كيف ولماذا تجد داعش من ينضم إليها «ليس من أجل المال فقط»، بل عن سابق تصور وتصميم وقناعة؟
هذه القناعة هي التي بدأت تخيف المجتمعات العربية والغربية، فالأمر لا يتوقف على مئة أو مئتين ولا ألف أو ألفين بل على آلاف مؤلفة من المتعطشين لقطع الرؤوس وتكفير وتخوين كل من لا يتفق مع رؤيتهم وفكرهم وحتى طريقتهم، فهل نعي للحظة أننا كلنا بشكل أو بآخر معرضون لأن نكون الهدف المقبل لهم؟
مجرد سؤال أنا متأكد أنه سيضيع وسط بحر من الدماء العربية..

[/JUSTIFY]
[email]Agha2022@hotmail.com[/email]