مصطفى الآغا

هل ماتت العروبة؟


[JUSTIFY]
هل ماتت العروبة؟

أعرف أن كلمة “عروبة” باتت ممجوجة وعتيقة، وأن الكثيرين باتوا يستهجنونها في زمن التقوقع والخلافات والانقسامات، ولكني مازلت مصرا على أن ما يجمعنا كعرب أكبر بكثير مما يُفرقنا، وكلما شاهدت فيلما وثائقيا أو دراميا عن الحرب العالمية الأولى أو الثانية أجد أن ما حدث بين ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا وبين اليابان وأميركا كفيل بأن يجعلهم أعداء حتى تقوم الساعة، ولكن الأوروبيين الذين لا يجمعهم ألف جَدّ على جَدّ توحدوا في الاتحاد الأوروبي، وباتت لهم عملة واحدة وفيزا (شينجن) واحدة وبرلمان واحد، رغم أن ما بين الفرنسي والألماني مثلا ما صنع مئة حدّاد وليس حدّادا واحدا.
ورغم أنني لست شيبة ولا كبيراً في السن إلى ذلك الحد الذي يمكنني القول معه إنني من عصر الديناصورات، ولكني أتذكر كيف كان العرب كلمة واحدة عام 1973 خلال حرب أكتوبر، وكيف اجتمعوا خلف راية واحدة، وساهمت جيوشهم مجتمعة في صياغة أول انتصار عربي على إسرائيل (وبالتالي على أمها أميركا)، ولكننا الآن مختلفون ومنقسمون وتائهون لا نعرف أين نحن ولا من هو عدونا الحقيقي، ولا من هو صديقنا الحقيقي، علما بأن السياسة ليس فيها عدو دائم ولا صديق دائم، ولكن هل يمكن القول والافتراض إن إسرائيل “صديقة؟”، وهي التي لاتزال تحتل أراضينا وتشرد شعبنا؟
حتى إسرائيل وعداوتها لنا باتت لدى البعض أمرا قابلا للنقاش، بعدما كانت خطا أحمر، ومات مكتب مقاطعة إسرائيل، وللأسف صرنا عندما نتحدث عنها أمام الشباب والمراهقين ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و28 عاما يقولون لك مباشرة: أنت دقة قديمة وتعيش في زمن الشعارات، و”خللي السلاح صاحي”، و”أصبح عندي الآن بندقية” (لمن لا يعرف عما أتحدث فخللي السلاح صاحي أغنية للراحل عبدالحليم، كانت تبث فينا مشاعر لم نعد نشعر بها الآن، وأصبح عندي الآن بندقية أغنية لكوكب الشرق أم كلثوم تتحدث عن الوقوف مع فلسطين).
والأنكى أنك عندما تتحدث عن فلسطين يأتيك من يقول إذا كان الفلسطينيون أنفسهم منقسمين ومختلفين فهل تريدنا نحن -البعيدين عنهم- أن نحمل همّهم؟
ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وإنستغرام يجد أن تغريدة عن ناد رياضي أو خلاف بين مطربتين أو قصيدة غزل تأخذ آلاف الريتيوتات، بينما تغريدة عن فلسطين أو معاناة أهل غزة لا تصل لبعض عشرات، وهو مقياس ومؤشر على تراجع الفكر العروبي لصالح الإقليمية ودولتي أولا، وحتى نكون أكثر شفافية ووضوحا فحتى مجلس التعاون الخليجي الذي كان يُضرب فيه المثل بأن كل قراراته تصدر بالإجماع، ولم يحدث أن توقفت الاجتماعات في أحلك الظروف لا يعيش هذه الآونة أحلى أيامه.
ما أتحدث عنه أمر يجب علينا كإعلاميين وأصحاب فكر ألا نستهين به، وأن نبحث عما يجمعنا لا أن نركّز على ما يُفرّقنا، وأن نحاول بث روح الأمل والتفاؤل بأن العروبة في دمائنا، وأتذكر أن الكويت كانت إحدى حاضنات الفكر العروبي، وكانت مجلتها (العربي) مرجعا ومُلهما لنا، وكانت ولازالت سياستها ومثقفوها ومفكروها عروبيّو التوجه، ورئيس تحرير هذه المطبوعة تحديدا (الكويتية) الزميل ماضي الخميس هو مؤسس ملتقى الإعلام العربي، الذي تشرفت بالمشاركة فيه خلال سنواته الـ11، وأعتبر مقالتي هذه صرخة في وادي العروبة الذي بات سحيقا، ونداء للجميع كي نقف ونتكاتف ونعيد صياغة فكرنا العربي، لنواجه مصيرا أسود ينتظرنا إذا لم نتحد، ومن يتابع نشرة أخبار واحدة فسيعرف عن أي شيء أتحدث.

[/JUSTIFY]
[email]Agha2022@hotmail.com[/email]