منوعات

ود الجيـران…قصة لحن (عاطفي) لم يكتمل

تظل بعض التفاصيل القديمة معلقة على جدار الذكرى تأبى ان تغيب مهما تكالبت عليها السنوات، وتحالفت عليها الايام، ويبقى (ود الجيران) احد هذه التفاصيل القديمة المستوطنة في عمق الذاكرة، بطفولته المتدفقة وشقاوته المتمردة التي تظهر عند رؤيته لـ(بت الجيران) ومحاولته لفت نظرها ولو بالاقدام على خطوة مجنونة.
وربما يتفق الكثيرون على ان مكانة تلك الشخصية ربما تراجعت بصورة ملحوظة في السنوات الاخيرة، ويقول الاستاذ (ميرغني كمال الدين) استاذ المرحلة الثانوية ان البعض لايزال يحتفظ بذكرى هوى قديم في داخله عبر تلك الشخصية، مع تأكيده ان ذلك الهوى لايتخطى (الحي) بأي حال من الاحوال، فهو البيئة المتاحة والممكنة في ذلك الوقت.
وهو نفس ما أكد عليه (الشيخ عمر) الموظف باحدى المؤسسات الحكومية وهو يسترجع ذكريات طفولته وصباه في الحي، وقلبه الذي تعلق باحدى فاتنات الحي، ويقول (الشيخ): ما زلت اذكر تلك الايام ، انتظاري لها تحت ظل شجرة (نيمة) وهي تعود من مدرستها، ولعب الكرة امام منزلها حرصا على مشاهدتها فور خروجها من البوابة لأي غرض، ولم انسها حتى بعد رحيلنا لحي آخر، فانا اعتبرها من ذكريات الصبا والطفولة التي لها صدى طيب في داخلي.
وبالرجوع لتلك الايام الجميلة والاستثنائية التي كان فيها (ود الجيران) نغمة متفردة ولحنا عاطفيا استثنائيا، نجد ان العادات والتقاليد الصارمة كانت هي اكثر مايؤرقه، حيث كان (ود الجيران) دوما في حالة من القلق والتوتر حال انكشاف سره الغرامي البض السنوات، وكان يستعيض عن لقاء محبوبته عبر الرسائل الخطية التي كانت هي وسيلة الاتصال المتاحة في ظل تلك الرقابة والتشدد المجتمعي، وحتى ايصال تلك الرسالة كان يحتاج لـ(قلب قوي)، حتى تصل سالمة الي مقصدها.
ولايزال (طارق احمد) رجل الاعمال الحرة يتذكر ذلك اليوم الذي انكشف فيه سر هواه العذري من (بت الجيران) بعد ان سقطت رسالته الغرامية في ايدي اشقائها، و(العلقة الساخنة) المزدوجة التي تلقاها منهم ومن والده الذي حبسه في المنزل لاكثر من اسبوعين بسبب تلك الخطوة الجريئة.
الحي او (الحلة) ايضا كانت اجواءها تختلف كليا عن اليوم، فلا المشاهد اصبحت هي المشاهد ولا الاماكن كذلك، وهو ماتطرق اليه الحاج (عبد الرؤوف اسماعيل) احد سكان مربع واحد القدامي ببري، حيث اكد على اندثار الحي القديم بكل عناصره، وخصوصا (ودالجيران) الشخصية التي غابت دونما وداع، ويضيف الحاج ان التطور السريع في العصر والضغط الحياتي المتواصل أسهم بشكل كبير في ذلك الغياب، وقال انه لايزال يفتقد ذلك الطعم القديم، برغم انه لم يغادر الحي الذي يقطن به منذ طفولته.
ومهما يكن من امر فان شخصية (ود الجيران) اليوم قد اصبحت جزءاً من الماضي والتاريخ المجتمعي السوداني، وفي المقابل نجد ان الاغنيات السودانية لم تنس ان توثق لتلك الريدة القديمة التي يحتضنها الحي، فخرجت اغنيات (جاري وانا جارو) و(ياجارة)، بينما مارست بنات الحي اسلوبا آخر في التعبير عن مشاعرهم تجاه (ودالجيران)، وهو ماافرز اشهر اغنية بنات في ذلك الوقت وهي (حمادة بابو جنب بابنا)، التي انتقلت بقدرة قادر من افواه البنات، لتصل الى المطربين الشباب، الذين اصبغوا عليها بعض الاضافات كانت كفيلة بان تصنف ضمن الاغنيات الهابطة، برغم انها كانت في يوم ما تعبيراً واحساساً قديماً، ولحناً عاطفياً ربما لم تسعفه الأيام ليكتمل.

الخرطوم: احمـد دندش
صحيفة الراي العام