طب وصحة

لم تعد لأسباب نفسية فقط.. البدانة لها أصول وراثية

[JUSTIFY]احتلت البدانة جانباً لا بأس به من اهتمامات علماء الطب، نظراً لكثرة عدد المصابين بها حول العالم، وارتباطها في الغالب بالعديد من الأمراض، منها السكري وضغط الدم وأمراض القلب والمفاصل وغيرها.

وحتى وقت قريب كانت أخطار البدانة تنحصر على المصابين بها فقط، لكن العلم الحديث أثبت أن هذا الداء لا تتوقف أخطاره على حامليه، بل تمتد إلى أشخاص آخرين ليس لهم علاقة بالسمنة من الأساس.

ولفك طلاسم هذه المعادلة الصعبة نسبياً، قدمت دراسة جديدة بعض الأنباء السارة عن الدهون.. ومستقبل الإنسان السمين، إضافة إلى عواقب الخيارات التي نتخذها.

وقد قام باحثون بتسجيل نتائج عشرات الدراسات التي تتحدث عن آثار النشاط البدني على ما يطلق عليه “جين السمنة” الذي يعتقد أنه يعمل على زيادة خطورة أن يكون حاملو هذا الجين مصابين بالسمنة أو البدانة بنسبة 12% أو أكثر.

وقد عرف العلماء هذا الجين، الذي يدعى الجين “المرتبط بالسمنة وتجمع الدهون”، أو “جين FTO”، لأول مرة قبل عدة سنوات وكان هذا الجين شائعا بدرجة محزنة. وحسب معظم التقديرات، فإن نحو 65% من النسل الأفريقي والأوروبي وربما 44% من النسل الآسيوي يحمل بعض نسخ هذا الجين.

وقد يبدو أن هذه النتائج تشير إلى أن معظمنا محكوم عليه أن يكون ذا ترهلات في منطقة البطن، وهي فكرة تسبب الشعور بالوهن، علاوة على أنها قد تكون ذاتية التحقق أيضاً.

وفي دراسة نشرت في شهر فبراير في مجلة “نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين”، قام المتطوعون الذين علموا أنهم يحملون “جين FTO” أو جينات مشابهة تحفز السمنة، بالإفراط في تناول المزيد من المأكولات الغنية بالدهون خلال التسعين يوماً التالية بصورة تفوق تلك المأكولات التي كانوا يتناولونها في الأشهر السابقة، وقد يكونون قد قاموا بهذا لأنهم يعتقدون أن مصيرهم مظلم، من ناحية الوزن على الأقل.

النشاط ضد الجين

وفي هذا الصدد، ظهر تقرير جديد، تم نشره هذا الشهر في مجلة “بلاس ميديسين” الطبية، أكد عكس هذا تماماً، حيث وجد أن النشاط البدني، حتى وإن كان بجرعات صغيرة، قد يؤدي إلى تدمير هذا المصير الجيني.

وقالت روث لوس، مديرة برنامج في معهد “ميتابوليك ساينس” بكمبردج، في إنجلترا والمؤلفة البارزة لهذه الدراسة: “فور اكتشاف (جين FTO) عام 2007، أوضحت دراسات أن النشاط البدني يخفف من تأثير الجين على اكتساب الجسم المزيد من الوزن. بيد أن الدراسات التي تبعتها لم تؤكد بشكل مقنع، وجود هذا التفاعل أو عدم وجود أي تفاعل على الإطلاق”.

لذا قامت لوس بتحديد الأشياء التي تجعل شخصاً ما يتمتع بنشاط بدني وعرفوه بأنه الشخص الذي يقوم بنشاط بدني يتراوح بين متوسط وعنيف لمدة ساعة على الأقل كل أسبوع، طبقاً لما ورد بجريدة أنباء الشرق الأوسط”.

لكن حتى من خلال هذا المعيار السخي، فإن 25 % فقط من الـ218000 شخص الذين يحملون “جين FTO” والذين أجريت الدراسات في التجارب المتنوعة عليهم حتى الآن يتسمون بالنشاط. غير أن هؤلاء الأشخاص، حسبما أظهرت البيانات التي تمت إعادة تحليلها مؤخراً، قاموا بتغيير تراثهم الجيني جزئيا.

وتقول الدكتورة روس إن “كون الشخص يتمتع بنشاط بدني، في التحليل الجديد، فإنه بذلك يقلل من تأثير “جين FTO” بنسبة تقارب 30%، وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك 70% من التأثير المشجع السمنة لتفاعل الجين، فإن نتائج النشاط البدني على عمل هذا الجين تؤكد إلى حد كبير، أن الشخص الذي كان المفترض أن يكون بدينا يتمتع بخصر طبيعي”.

البدانة مرض معد

كشف باحثون بريطانيون أن البدانة ليست مجرد وباء ولكنها مرض معد أيضاً، موضحين أن العيش فى مجتمع يرتفع فيه عدد الأشخاص البدناء فإن الأشخاص الباقين يصبحون مثلهم.

ووجدت الدراسة التى اجريت على مايقارب من 30 ألف شخص من 29 دولة أوروبية على مدى خمس عقود من الزمان، أن البدانة تستطيع أن تنتشر فى المجتمع كالفيروس.

وعلق البروفيسور ديفيد بلانشفلاور والبروفيسور اندريو اوسوالد اللذان اجريا الدراسة، إلى أنه من السهل أن يصبح المرء سميناً فى مجتمع يعيش فيه بدناء، موضحين أن الظاهرة والتى اطلقوا عليها اسم “البدانة المقلدة” يمكنها أن تشرح سبب الارتفاع الكبير فى عدد الأشخاص البدناء.

وأكدت الدراسة أن عدد الأشخاص البدناء ارتفع بشكل كبير منذ الستينات وبلغ خلال الثمانينات ستة بالمئة من الرجال و8 بالمئة من النساء فى بريطانيا وبعد عشرين عاماً ارتفعت النسبة إلى 22 بالمئة من الرجال و23 بالمئة من النساء.

بدانة الأباء تؤثر على الأبناء

وقد كشفت نتائج دراسة جديدة أن وجود أب بدين في سن صغير نسبياً قد يزيد احتمال إصابة الابن بمشكلات خطيرة في الكبد.

ووجد الدكتور روهيت لومبا من المعاهد القومية للصحة في بيثيسدا بماريلاند وزملاؤه أن الأفراد الذين كان أباؤهم بدناء قبل بلوغهم سن 45 عاماً كانوا أكثر عرضة للإصابة بمعدلات مرتفعة من إنزيم الآنين أمينوترانسفيراز “ايه . ال . تي” الذي يشير إلى تعرض الكبد لأذى في دمائهم، مقارنة مع الذين لم يكن أباؤهم كذلك.

وأشار لومبا وفريقه إلى أن ارتفاع مستويات إنزيم “ايه . ال . تي” لدى عامة السكان قد يرتبط بمرض الكبد الدهني غير الكحولي وهي حالة متصلة بالبدانة، مضيفين أن أحد الأشكال الحادة والمتقدمة لمرض الكبد الدهني غير الكحولي هو التهاب الكبد التشحمي “الدهني”.

ولمعرفة ما إذا كان لبدانة الآباء ارتباط بارتفاع مستويات انزيم “ايه . ال . تي” بالإضافة إلى إنزيم آخر له علاقة بالحاق أضرار بالكبد هو إنزيم اسبارتيت أمينو ترانسفيريز “ايه . اس . تي”، بحث الدارسون قياسات نسبة الانزيمين لدى 1732 مريضاً من الرجال والنساء الذين شاركوا في دراسة فرامنجهام للقلب.

والجديد في البحث أن العلماء وجدوا أن كون والد المرء أصيب بالبدانة في سن صغيرة، رفع احتمالات إصابته بارتفاع معدلات انزيم “ايه . ال .تي” الذي يرفع أخطار أمراض الكبد، بغض النظر عن وزنه الشخصي، إلا إنه لم يتضح وجود صلة بين بدانة الأمهات وارتفاع مستويات انزيم “ايه . ال . تي”.

البدانة شئ وراثي

وحول علاقة الوراثة بالإصابة بالبدانة، توصلت دراسة علمية أجرتها جامعة كوليدج بلندن، أن المعاناة من السمنة يمكن أن تكون بسبب الجينات وليس بسبب أسلوب المعيشة، مؤكدين أن الجينات تتحكم في الفوارق بين كتلة الجسم ومحيط الخصر بنسبة 77 في المائة.

وأوضحت الدراسة أن الأطفال الذين يعانون من الوزن الزائد أو السمنة، سيعانون منهما عند البلوغ، مما سيرفع من مخاطر إصابتهم ببعض أنواع السرطان، والجلطات و السكري، لكن على الرغم من احتمال أن تكون السمنة والوزن الزائد نتيجة لبعض الجينات، فالجدل حول مدى صحة هذا الارتباط لا يزال محتدماً.

وترى الدراسة التي قام بها باحثون من خلية بحوث السرطان بمركز بحوث السلوك الصحي البريطاني، أن إخضاع توائم للتجربة أتاح فرصة مقارنة العوامل الوراثية بالعوامل “الثقافية” والسلوكية، وتبين لهؤلاء العلماء أن تأثير المحيط على وزن الجسم أضعف بكثير من تأثير الجينات.

ومن جانبه، أوضح البروفيسور جين واردل التي رأست فريق البحث أنه من الخطأ إلقاء اللوم على الآباء فيما يخص زيادة وزن أبنائهم، إذا يبدو أن للمسألة خلفيات وراثية، لكن هذا لا يعني أن السمنة حتمية، بل يعني أن بعض الأشخاص لهم استعداد لأن يزيد وزنهم.

البدانة تقلل فرص الإنجاب

أما عن بعض الأخطار المتعلقة بالسمنة، توصل فريق من الباحثين الاسكتلنديين إلي دليل علمي يؤكد علاقة زيادة الوزن بتأخر الإخصاب، مؤكدين أن ارتفاع قيم معامل الكتلة للجسم، ارتبط بتراجع حجم السائل المنوي عند الرجال وزيادة إنتاج الجسم لحيوانات منوية غير طبيعية، تعاني من خلل ما.

وأشار الدكتور أغياث الشايب المختص من جامعة أبردين الاسكتلندية، إلى أنه يوجد فروق واضحة في نتائج تركيز الحيوانات المنوية بين المجموعات المشاركة، كما اتضح أن نتائج التحليل عند الرجال في المجموعة الثانية، والذين تمتعوا بأوزان مثالية، أظهرت أن حجم السائل المنوي كان لديهم أكبر، مقارنة مع المشاركين الآخرين.

وأوضحت الدراسة أنه قد يتوجب على الرجال البدناء الذين يرغبون بإنجاب الأطفال، خفض أوزانهم قبيل السعي إلى ذلك بهدف زيادة فرص حدوث الحمل عند الزوجات، ليحققوا بذلك حلمهم في أن يصبحوا آباء.

وخلصت الدراسة إلى أن خطر البدانة لا يقتصر فقط علي الأوعية الدموية للقلب، ولكن الضرر يصيب أيضاً الأوعية الدموية للعضو الذكري، ويتسبب بضعف الانتصاب والخلل في نشاط القناة البولية.

وفي نفس الصدد، كان هناك الاعتقاد السائد بين الأطباء أن البدانة سبب أساسي في عدم قدرة الزوجين علي حدوث الإخصاب وتأخر الحمل‏,‏ إلا أن هذا الاعتقاد كان ينقصه الإثبات‏,‏ وتقدم الدراسة الجديدة أول دليل علمي يؤكد تأثير البدانة علي نوعية البويضات‏.

وأشارت الدكتورة كادينس مينج أستاذ الصحة الانجابية بمركز أبحاث جامعة أديليد، إلى أنها توصلت من خلال تجاربها إلي طريقة لمقاومة التأثيرات السلبية للبدانة علي البويضات وتمكينها من الاستمرار في النمو وتكوين أجنة صحيحة‏,‏ حيث أكدت نتائج أبحاثهاعلي الفئران أن الإكثار من تناول الوجبات المشبعة بالدهن يدمر البويضات المخزنة في مبيض الأنثي ويجعلها عند إخصابها غير قادرة علي تحمل التطور والنمو الطبيعي إلي أجنة أصحاء‏.

واكتشفت مينج أنه يوجد بروتين في الخلايا المحيطة بالبويضات يسمي‏‏ “بيروكسي سوم بروليفيريتور المحفز بمستقبل جاما‏”‏ يقوم بدعم وتغذية البويضات‏,‏ وأنه يلعب دوراً رئيسياً في العقم بسبب نوعية الغذاء‏، كما أنها‏ وجدت أن سلوك هذا البروتين هو الذي يحدد طريقة استجابة البويضات للدهون‏، ولذلك يساعد التحكم فيه والسيطرة عليه في مقاومة العقم الناتج عن زيادة محتوي الغذاء من الدهن‏.‏

وأوضح الباحثون أن هذه الدراسة تعد بداية حقيقية للفهم العلمي الذي يؤدي فيما بعد لحل علمي لمشكلة ضعف التبويض لدي البدينات‏,‏ كما إنها يمكن أن تسمح للمرأة بتعظيم احتمالات حدوث الإخصاب والحمل الصحي‏.‏

أما عن علاقة السمنة في الجماع، يؤكد الدكتور محمد أحمد عيسى أستاذ الغدد الصماء والسكر والسمنة بكلية طب القصر العيني جامعة القاهرة، أن السمنة لا تؤثر على الجماع إلا في بعض الحالات التي تكون فيها السمنة مصاحبة لتأثيرات على هرمون الذكورة ، وفي هذه الحالة يمكن أن تؤثر على الجماع ولكنها في حالات خاصة جداً.[/JUSTIFY]

محيط