منوعات
عبقرية المصاطب السودانية !!
**
استطاعت (المصاطب) وبحكمة يعلمها الله أن تحافظ على كينونتها من الاندثار، لم تغب عن مظهر المدن السودانية وظلت تلتصق بأسوار المنازل لتحميها من توحش الشارع، تمتد أمام الدكاكين، تعلو مرة عن سطح الأرض فيتوهطها الجالسون بالكثير من الراحة مدلدلين أقدامهم استجماما وتنخفض أخرى فلا تسمح لجالس غير وطئها للوصول إلى محطة أخرى غيرها. المصطبة- كما قال لنا المعلّم مرتضى علي صالح- مهمة جدا للبيوت فهي تمثل جدار صد لأسوار المنزل من المياه خاصة إذا كان الشارع منخفضا لكنه أيضا يؤكد أن هناك(فوضى مصاطب)شوّهت شوارعنا في الفترة الأخيرة، فهناك من يبنيها أعلى من جيرانه فيضرهم إذا جرت مياه الأمطار وآخرون يقصّرون بها طول الشارع الضيق أصلا الذي لا يبلغ خمسة عشر أو عشرين مترا؛ ويضيف أن البعض صار يتجه للاستفادة من علو المصطبة لتجميل ساحات المنزل و(الهولات) الواسعة بداخله.
**
للكثيرين رغبة شديدة في إنزال(المعنى العالي) للمصاطب إلى أسفل سافلين، أصبح الجلوس عليها في الأحياء مهنة من لا مهنة له وبات هؤلاء يقلقون مضاجع أصحاب الدكاكين وكبار السن، يشكو (محمد الحسن ــ صاحب دكان بأم درمان) من (شلة المصطبة) قائلا:
ــ يا خي ديل كرهونا البيع والشراء ومطفشين مني الزباين خاصة انو أكتر زبايني في النهاريات من النسوان..
بل إن فتيات في عمر الزهور مثل (أمل التي تدرس بجامعة السودان) ارتبطت في ذهنها(مصاطب الجامعة) بـ(الخلط والمشاغلات).. والأظرف (حاج الرشيد- أحد سكان حي العباسية) الذي لم يألُ جهدا في (تزييت)مصطبة منزله الطويلة بكميات وافرة من(الزفت المسال) لقطع العشم في أي (وحدة جاذبة) بين(مصطبته) وبين بناطلين (أولئك العطالى)كما يصفهم.
**
كلام المصاطب متهمٌ دائما بأنه مثيرٌ للحب والجدل والشغب و(الشعب)، وتشهد على ذلك الأزقة والجامعات واستادات الرياضة، ويجزم الصحفي الرياضي إبراهيم المنا أن كثيرين لا يدخلون (المصاطب الشعبية) طمعا في(رخصة تذكرة)أو(مشاهدة مباراة) ولكنهم يجلسون عليها طلبا للظرافة والقهقهة والتنفيس عن النفس بما يقال فيها..فضلا عن أن هذه المصاطب تمثل نبض التشجيع وعصبه الحي.
ربما لم نحتفِ رسميا- بالمصاطب ولم نسمع بـ(مصاطب رسمية) لكن يمكن أن (نقوّل) المتنبئ بيته: لكِ يا(مصاطب)في القلوب(مصاطب) أقفرتِ أنتِ وهنّ منكِ أواهلُ..!
ـــــــ
الخرطوم : حسام الدين صالح