رأي ومقالات

أحمد عمرابي : السودان وخدعة «الفجر الجديد» !!

تأمل هذا السيناريو: تندلع مظاهرات مليونية عارمة (لكنها سلمية) في الخرطوم.. تتواصل المظاهرات على مدى أيام، وربما أسابيع عديدة مع تصاعد ضراوتها.. بعد أيام أو أسابيع من عمليات القمع الصارمة، تنهار معنويات القوات الأمنية فينضم بعض منها إلى فوران الشارع المتصاعد.. يهتز جهاز الحكم. على نحو فجائي تنطلق ثلاث ميليشيات مسلحة..

من دارفور ومنطقة جبل النوبة ومنطقة جنوب النيل الأزرق، صوب الخرطوم من أجل الإجهاز على “نظام الإنقاذ” الحاكم. وتتلاشى مظاهرات الشارع، لتفسح المجال لحرب دموية تشنها الميليشيات المسلحة.. تحيق بالقوات الأمنية هزيمة نهائية حاسمة.. يترنح النظام ثم يسقط..

وهنا تظهر الشخصيات القيادية لحركات دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، لتباشر سلسلة من الإعدامات في حق رجال النظام. هذا بعض من العناصر الرئيسية التي يوحي بها ما أطلق عليه “ميثاق الفجر الجديد”، الذي ابتدعته قيادات التمرد المسلح في الأقاليم الثلاثة المشار إليها. وهي منظمات أبرمت في ما بينها تحالفاً أطلقت عليه “الجبهة الثورية السودانية”. وبدورها استقطبت الجبهة الثلاثية شخصيات من فصائل معارضة أخرى، هي في حقيقة الأمر شخصيات ورقية.

وهكذا جاء الميثاق كوثيقة تطغى عليها أهداف الجبهة ورؤيتها وأجندتها، الأمر الذي يطرح سؤالاً أو أكثر. وفي مقدمة الأسئلة ما يلي: ما هي الرؤية الأساسية التي تجمع بين المنظمات الثلاث نحو السودان، فالأغلبية العظمى لبنود الوثيقة تنطلق من رؤى وأجندة الحركات المسلحة المتمردة؟!

في عدة بنود يتكرر اتهام للنظام الحاكم بممارسة الإبادة الجماعية في سياق الحرب الدائرة في المناطق الثلاث، رغم أنه اتهام غربي ينطلق من دوافع الكيد السياسي، من دول كالولايات المتحدة تدعم حركات التمرد.

وفي الحديث عن فترة انتقالية بعد إسقاط النظام الحاكم، تنص الوثيقة على إنشاء “حكومة وحدة وطنية”، تتكون عضويتها من “القوى السياسية” الموقعة على الوثيقة؛ أي الحركات المسلحة الثلاث، ومعها الشخصيات الشمالية الورقية المشاركة، لتشكل هذه الشخصيات واجهة مضللة لكيان حكم “وطني” زائف. ومن مهام الفترة الانتقالية، وفقاً للوثيقة، الوقف الفوري للحرب في المناطق الثلاث.

وهنا يطرح سؤالاً: هل تقوم قيادات التمرد المسلح في هذه الحالة بإلقاء السلاح؟ لإسقاط النظام تدعو الوثيقة إلى “الكفاح الثوري المسلح”.. علماً بأن “القوى السياسية” المشاركة في الوثيقة، ليست لديها ميليشيات مسلحة. ومعنى ذلك بطبيعة الحال، أنه عند سقوط النظام لن تكون هناك جهات للاستيلاء على السلطة سوى حركات التمرد المسلح.

هذا يعيدنا إلى التاريخ القريب: قصة جون قرنق و”الجيش الشعبي لتحرير السودان”، مع أحزاب المعارضة الشمالية: حزب الأمة، والحزب الاتحادي، والحزب وهويته. قبل انفصال جنوب السودان، كانت الهوية الحضارية السودانية منقسمة بين أغلبية عروبية إسلامية في الشمال، وأقلية غير عربية وغير إسلامية في الجنوب.

ومناطق دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، كانت ولا تزال جزءاً لا يتجزأ من الشمال، من حيث إن الأغلبية في تلك المناطق الثلاث مسلمون.. وهم أيضاً عرب، ليس بمعيار الانتماء العرقي، وإنما باعتبار اللسان. فاللغة العربية هي السائدة في تلك المناطق، وإن كانت هناك لهجات قبلية.

والسؤال التالي الذي ينبغي أن يطرح هو: لماذا تعادي حركات التمرد الثلاث الهوية العربية الإسلامية التي يتميز بها السودان؟ هذه المعاداة التي تجمع بين رؤى قياداتها! وهذا يقودنا إلى سؤال آخر: هل من وجهة نظر الحركات القتالية الثلاث، أنها تستهدف فقط النظام الحاكم الحالي أم أنها تستهدف في حقيقة الأمر الشمال السوداني العربي الإسلامي ككل؟

هذا هو السؤال المصيري الذي ينبغي أن يطرحه على نفسه كل سوداني ينتمي إلى الهوية العربية الإسلامية كثقافة حضارية، ويتوقف عنده ملياً. إن أول ما يستوقف أي شخص موضوعي عند قراءته لوثيقة ميثاق الفجر الجديد، هو أنها من تأليف وإخراج قيادات التمرد في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل.

أما ما ورد ذكره في ثنايا الوثيقة من عبارات منمقة، من حيث برامج الإصلاح الديمقراطي، والنهوض الاقتصادي الذي ينطبق على السودانيين كافة بما في ذلك أهل الشمال، فإنه جاء من أجل الشيوعي.

في إطار “التجمع الوطني الديمقراطي” التنظيم المظلي للمعارضة كان قرنق يستغل تحالفه مع الأحزاب الشمالية، ليضفي على حركته طابعاً قومياً، بينما كان القادة الشماليون يراهنون على “الجيش الشعبي” الجنوبي، كقوة ضاربة يمكن أن تسقط النظام بطريق القوة المسلحة.. ومن ثم يتقاسم قرنق السلطة المركزية مع قيادات الشمال. وكانت النتيجة أن الزعيم الجنوبي دخل في عملية تفاوضية مصيرية مع قيادة النظام الحاكم، صاعداً على أكتاف القادة الشماليين، وتركهم في العراء.

إن التاريخ الآن يعيد نفسه، بمعنى أن قيادات حركات التمرد الثلاث تتبنى أجندة قرنق وتنظيمه المسلح، من حيث فصم الهوية العربية الإسلامية للشعب السوداني. وهذا هدف يلقى دعماً استراتيجيا من الولايات المتحدة، فهي تمارس دور التمويل والتسليح لهذه الحركات. لكن على هذه القيادات أن تدرك أن محو هوية حضارية لشعب بأكمله، ضرب من المستحيل.

26121 81 أحمد عمرابي – صحيفة البيان

‫4 تعليقات

  1. رغم أنى من اشد كارهى نظام الأنقاذ لما احدثه بالوطن و الحال التى وصل اليها المواطن السودانى ، ولكن لو كان تم هذا السيناريو أجد نفسى أول من يطالب بأنفصال الأقليم الشرقى و خاصة ولأية البحر الأحمر و تأثيث دولة البجا و لدينا كل مقومات الدولة .. فلن نرضى الأنضواء تحت هذه العنصرية البغيضة

  2. [COLOR=undefined][SIZE=3][B]هذه الوثيقة انفاذ لمخطط يستهدف الهوية السودانية وانسان الشمال ، وللاسف بذلك تكون قدمت خدمة كبيرة للحكومة التى ستجد الدعم والموازة من كافة قطاعات الشعب السودانى وفوتت الفرصة على انطلاق الثورة الشعبية السلمية , [COLOR=#FF001F]وجبرتا الوثيقة ان نحمل السلاح الى جانب الانقاذ وهذا لم يكن يتوقع الا انها الهوية نكون او لا نكون[/COLOR][/B][/SIZE][/COLOR]

  3. بعيدا عن المزايده العروبه في السودان ثقافه وليست جتس أو قبيله بالرغم ان العرب العاربه جدهم سيدنا اسماعيل عليه السلام هم نتاج لزواج سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام وهو من بابل في العراق والسيده هاجر النوبيه اي ان جدة العرب نوبيه من وادى النيل ومع ذلك علي حسب المعايير والقاييس المعمول بهاالعرب المقيمين فيما يعرف بجزيرة العرب وارض الشام والعراف وشمال افريقيا لايعترفون بعروبة اهل السودان ويعتبرونهم جميعا عبيد من العرق الزنجي الافريقي والدليل المقوله المتعارف عليها ( ادرى أنك عبيد أهلك شن سموك) مما يؤكد بانهم لايعترفون بوجود اى علافه اوصلة دم تربطهم بالنوبه اى انسان وادى النيل وذلك بسبب مصاهرة عرب الجزيره العربيه بالفرس والآشوريين والكنعانيين والترك وحتي بالتتاروالمغول وخلافه من قبائل الآسيويه والاروبيه بناءا عليه هذا الامر يجب ان لايشكل مشكله لاهل السودان انسان وادي النيل صانع اعظم حضاره انسانيه فالعروبه هي ثفافه لعب الدين الاسلامي دور كبير في تأصيلها ونشر جذورها في وجدان الانسان السوداني لانها لسان حال القرآن والعلوم الدينيه ولغة العلوم الانسانيه.

  4. [B]انا اشك في ان تكون هذه هي الوثيقة ([B](وهنا تظهر الشخصيات القيادية لحركات دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، لتباشر سلسلة من الإعدامات في حق رجال النظام))[/B][/B]
    لماذا لا تعرضوا الوثيقة كما هي باللغة الانجليزية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟