مصطفى الآغا

السندويتش الملغوم!


السندويتش الملغوم!
عمري شارف على الخمسين وأسوأ ما فيني هو طباعي الغذائية التي تستحق أن يُطلق عليها أي شيء سوى كلمة غذائية.
فمنذ صغري وأمي وإخواني يقولون عني “منقنق” بالأكل، أي أن طعامي يجب أن يكون خاصا ومختلفا، والخاص لا يعني بالتميز، بل العكس.. فمثلا أحب شوربة الدجاج أن تكون بمسحوق شوربة الدجاج، وليس بمرق الدجاج الحقيقي وإلا فلن آكلها.. والملوخية آكلها فقط أن مصنوعة بمسحوق الدجاج الصناعي (لن أقول اسمه حتى لا تعتبر دعاية) وحتى لو كان الملوخية على وجهها دجاج.
أما ما يشتهيه الآخرون من لسانات ومقادم وباشا وكوارع فأنا لا أدخل البيت التي هي موجودة فيه طبعا مع اعترافي أن أهلي جميعهم يعشقون هذه الأكلات.
وخلال سنوات عمري عشت على “النواشف” أي جبنة ولبنة ومرتديلا وزيتون وبيض وفلافل والفطائر بأنواعها والبيتزا وبعض اللحومات المشوية بشدة حتى تصبح وكأنها قادمة مباشرة من خط الاستواء، ولهذا اعتقدت أن معدتي تعودت على الأسوأ، خاصة وأنني قضيت سنوات طويلة في لندن بدون زوجة، وكل ما أعرفه من الطبخات ثلاث فقط.. ولكن اعتقادي كان خاطئا.
ففي يوم ثلاثاء مشوؤم قدم لي الزملاء صحنا فيه سندويشتين أعتقدتهما فلافل فإذا بهما دجاج، وبما أنني لا آكل الدجاج إلا بشروط لهذا نزعت اللحم وأكلت الخبزة فقط.. فقط يا جماعة الخير خبزة صغيرة فيها مايونيز وبندورة.
يوم الأربعاء ظهرا أحسست بمغص شديد غير عادي.. وكنت في طريق لجلب ابني من المدرسة.. لم أعرف لماذا أحسست أن هذا المغص ليس عاديا.. وبعد أقل من ساعة كنت أصرخ بشكل هيستيري (وصفته زوجتي أشبه بالعواء) ومن شدة الألم لم أتمكن حتى من الوقوف والوصول للسيارة للذهاب للمشفى.. فجاءني الأطباء للمنزل وتبين أنني مصاب بتسمم غذائي حاد لم أجرب وجعه من قبل.. في نفس اليوم تغيبت لأول مرة في حياتي عن الذهاب للعمل.. ولكن المصيبة لم تكن هنا فقط.. فقد سمعت أن كل طاقم “صدى الملاعب وثمانية آخرون من العربية والمكتبة قد تسمموا أيضا بنفس السندويش الملغوم أي المجموع 16 شخصا وشخصة (هناك زميلتان واحدة كانت إصابتها نصف ثقيلة والثانية ما زالت تعاني بعد مرور 7 أيام على الحادثة المشؤومة).
وللأمانة فقد سمعت قصصا بطولية للزملاء الذين أبقوا “صدى الملاعب” على الهواء رغم وقوع بعضهم أرضا من الألم، وهو ما وجد كل تقدير من الإدارة وشؤون الموظفين التي أرسلت لنا أجمل باقة ورد رأيتها في حياتي (واحتفظت بها لنفسي بعد أن عرضتها على البرنامج وشككت زوجتي في رواية حصولي عليها وإدعائي أنها من العمل).
الأكيد ما حدث معنا أمر عادي يمكن أن يحدث في أي مكان وأي زمان وأية دولة، ولكن الغير عادي أن 16 شخصا وشخصة تسمموا وتبهدلوا وتقيأؤا وأسهلوا وانمغصوا وكاد بعضهم أن يموت ومع هذا لم يشتك أي منهم على المطعم صاحب السندويشات الملغومة.
غريب كيف نستهين بحقوقنا، وكيف نتغاضى عن الأخطاء الجسيمة تحت عنوان “خطّية وحرام”؟/SIZE] [email]Agha2022@hotmail.com[/email]