مصطفى الآغا

نجم النجوم


نجم النجوم
مع نهاية كل عام تقوم المجلات الكبرى في العالم -وإن شاء الله مجلتنا من بينهم- بانتقاء إما شخصية العام أو حدث العام، ولو سمحت لي Haya MBC أن اختار نجم العام لقلت ودون تردد إنه نجم العام السابق نفسه وهو “الكف”، الذي نزل على وجه التونسي الراحل محمد البوعزيزي!

نعم، الكف هو نجم نجوم أحداثنا العربية خلال سنتين؛ لأنه ببساطة شديدة غير التاريخ العربي مرة وإلى الأبد.

ففي يوم الـ17 من ديسمبر/كانون الأول 2010 كان يوما عاديا مثل بقية الأيام التي تمر على الإنسان العربي “المسحوق والمقهور والمنتوف”.. لا شيء جديد، فالشرطة التونسية تهجم على الباعة المتجولين الذين لم يجدوا ما يفعلونه في الحياة لكسب عيشهم سوى هذه الوسيلة، على الرغم من أن أحدهم واسمه محمد البوعزيزي وعمره 26 سنة كان خريج جامعة.. تصوروا خريج جامعة ويبيع الخضار والفواكه “بكرامة وبعزة نفس حتى لا يمد يده للآخرين، وحتى لا يضطر للسرقة، وكي لا يخالف القانون”، ومع هذا لم يُعجب حكومة بلاده التي أرسلت الشرطة لتُصادر “العرباية” التي كان يبيع عليها.. غضب محمد من الظلم، ولكنه لم يخالف القانون، بل ذهب بكل أدب إلى مقر البلدية شاكيا، ولكن مَن قال إن الشكوى حق من حقوق المواطن العربي؟

هناك صفعته موظفة “حرمة” كفًّا على وجهه أمام بقية الرجال وطردته من البلدية..

الرجل لم يرد مخالفة القانون فلم يصفع التي صفعته الكف، ولم يرتبط بالعدو ضد النظام، ولم يشتم “سيادة الرئيس المفدى”، ولم يتطرّف دينيا، ولم يلتحق بالإرهابيين.

الرجل لم يستطع أن يُجاهر حتى بألمه أو بغضبه فأشعل النار في جسده ومات بعدها بيوم، ولكن النظام الذي يتدخل في كل شيء لم يعجبه حتى موت الرجل، فأجل إعلان الوفاة أسبوعين خوفا من تبعات هذا الإعلان وليس “زعلا” أو حزنا عليه، ولكن الكف الذي “صفعته موظفة البلدية” كان الكف الذي غيّر وإلى الأبد تاريخ تونس وتاريخ العرب، على الرغم من أننا نتلقى آلاف الصفعات والكفوف يوميا وبمليون شكل وطريقة، وليس بالضرورة أن يكون على “رقابنا”، حتى صار الخوف شريكنا الدائم، ولكن الخوف بدأ ينهزم أمام ما حدث في تونس ويحدث في مصر، وسيحدث في كل مكان يعتقد فيه الحاكم أن الشعب مجموعة من الخراف أو قطيع من البقر يقودهم كيفما يشاء وحيثما يشاء، ويجب أن يفكر أي شخص (يعتقد أنه مسؤول ولديه حصانة من الحساب أو العقاب) في أي بقعة على سطح الكرة الأرضية.. يجب أن يفكر مليون مرة قبل أن يضرب مواطنا بريئا، أو يفكر في تحقيره أو استغلاله، ويجب أن يعرف الحاكم أن من يحميه فعلا هم أبناء شعبه، وهم الذين يفتدونه بأرواحهم إن هو وضع مصلحتهم ومصلحة الوطن قبل أي اعتبار.

معادلة بسيطة لا تحتاج كي نطبقها أو نفهمها إلى أن نغوص في السياسة، التي لم ولن أحبها يوما؛ لأنهم ربطوا الحديث والخوض فيها بالخوف والممنوع والثبور وعواقب الأمور، فهم يتبجحون أنهم جاؤوا من الشعب ليخدموا الشعب، ولكنهم ما إن يستلموا المناصب حتى ينخلعوا وينفصلوا كليا عن هذا الشعب.. هذا الشعب الذي قال عنه التونسي أبو القاسم الشابي “إذا الشعب يوما أراد الحياة… فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر”.

نعم هناك قادة عرب نحبهم ونبكي على فراقهم حتى ولو حكموا سنوات طويلة؛ لأن هؤلاء القادة عاملونا كأننا من أبنائهم ولأنهم بنوا لنا المستقبل، ولأنهم اعتبروا بكل بساطة أن كرامتنا من كرامتهم.

ضربة جزاء شديدة اللهجة وجهها ويوجهها الشارع العربي لكل مَن يعتقد أن الكف على وجوهنا… أمر بديهي يجب ألا يُغضبنا.
[email]Agha2022@hotmail.com[/email]