رأي ومقالات

الطيب مصطفى : من عجائب التعليم في السُّودان!!

[JUSTIFY]في السُّودان الذي لا تنقضي عجائبُه خرج علينا بعضُ العباقرة الذين خرَّب أمثالُهم بجلائطهم وقراراتهم العرجاء السياسة التعليمية في السُّودان التي كنا نباهي بها الأمم المتحضِّرة ونصارعها ونصرعها من خلال مبعوثينا في عقر دارها.. في سودان العجائب هذا خرج علينا قبل سنوات بعض العباقرة بقرار أن يحفظ التلاميذ في مرحلة الأساس القرآن الكريم عن طريق نقل السُّور القرآنيَّة من المصحف وبات مقرراً على التلاميذ أن ينكبُّوا كلَّ يوم تقريباً لساعات أو قل ساعة لا تقل في واجب منزلي ينقلون خلاله تلك السُّور بدلاً من أن يحفظوا في ذلك الوقت من خلال القراءة المباشرة من المصحف!!
بذلك القرار العجيب يُشوَّش على التلميذ وهو لا يزال يحبو في سن التعليم ويتعثَّر ويتنازَع بين أن يكتب كلمة (الكافرون) بالطريقة العاديَّة التي تصحبه طوال حياته وبين أن يكتبها بالحرف القرآني (الكفرون) وكذلك بين أن يكتب كلمة (عابدون) التي يُعاقب ويخطّأ إن كتب غيرها وبين كلمة (عبدون) بالخط القرآني وبين أن يكتب (أعطيناك) التي يقرأها في كل حياته وبين أن يكتبها (أعطينك) بالحرف القرآني وكذلك كلمة (الإنسان) التي يكتبها بالحرف القرآني (الإنسن) وهكذا دواليك!!

تحدثت إلي وزير تربية الخرطوم د. معتصم عبد الرحيم فأيَّدني تماماً سيَّما وأنَّ معلمي القرآن الكريم أكثر حرصاً على تطبيق هذه السياسة من حرص معلمي اللغة العربية الذين لا أراهم يطلبون من تلاميذهم نقل دروس اللغة العربيَّة بذات الكيفيَّة ثم تحدَّثت إلى مدير مرحلة الأساس في محلية الخرطوم بحري فأيدني كذلك لكن الرجلَين بل الوزير الذي بيده أن يقرِّر لم يفعل شيئاً بالرغم من مُضي عدة أشهر منذ أن اقتنع بوجهة نظري.

تحدثتُ إلى مدير مدرسة الطيِّب سعيد حيث يدرس أبنائي الثلاثة في مرحلة الأساس وهي بالمناسبة المدرسة التي تحتل المركز الأول والثاني على مستوى جميع المدارس الحكوميَّة بولاية الخرطوم والتي يُناهز عددها الألفي مدرسة ثم أمرتُ أولادي بأن يكفُّوا عن نقل المصحف لأن العبرة بالحفظ وهذا ما أهتمُّ به وذلك حتى لا يُشوِّش عليهم ذلك النقل وفي اليوم التالي جاءني ابني الذي يدرس في الصف الثالث شاكياً بأنه جُلد من قِبل الشيخ جلداً موجعاً!!
أعلم أنَّ من حق الشيخ أن يجلده لكني أعلم كذلك أنني أحرص على تعليم ابني بالطريقة الصحيحة من أي إنسان في هذه الدنيا!! قد يجادلني كثيرون ولكن!!

في إحدى المدارس الثانويَّة النموذجيَّة الحكوميَّة التي أثبت بها مبتدعها ومنشئها أبو القوانين التربوي المبدع الأستاذ محمد الشيخ مدني أن المدارس الحكوميَّة هي الأفضل.. ذهب أحد آباء التلاميذ النجباء إلى مدير المدرسة وطلب منه أن يستثني ابنه من (مواد الحشو) التي حشرها أحد العباقرة الذين أسهموا في تخريب التعليم في السُّودان وقال له إن ابنه لن يُمتحن في الشهادة السُّودانية في العلوم الزراعيَّة والعسكريَّة والأسريَّة والتجاريَّة وغيرها ويطلب أن يُستثنى من دراستها!!
هل يعلم القراء أنَّ أبناءنا وبناتنا يدرسون (18) مادة في المرحلة الثانوية وهل يعلمون أننا كنا ندرس نصف هذا العدد من المواد وأنَّ الوقت الضائع في مواد الحشو الفارغ كان يكرَّس في تدريس المواد العلميَّة الحقيقيَّة التي تصنع الأمم والحضارات!! هل تعلم وزارة التربية أنَّ كثيراً من المدارس الحكوميَّة (خرتت) يدها ورفضت تدريس مواد الحشو؟!
عباقرة فكروا وقدَّروا فقتلوا كيف قدَّروا حين خرجوا علينا بفكرة الخدمة الوطنيَّة لطلاب الشهادة الثانويَّة لأول مرة في التاريخ البشري بالرغم من أن هناك خدمة وطنيَّة عند انتهاء الدراسة الجامعيَّة أو عند دخول الحياة العمليَّة!!
لم يسأل أيٌّ من أصحاب القرار نفسه كم أهدرنا من مال منذ أن أحدثنا هذه البدعة التي انفعل بعضُهم حين طبَّقها بتجربة (الكديت) المطبَّقة خلال المرحلة الثانوية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي تعويضاً عن الخدمة الوطنيَّة التي لم تكن موجودة وقتها.. ماهو إسهام (عزة السُّودان) في تحرير أب كرشولا وهجليج؟! كم مشروع بنية تحتيَّة أو خدميَّة كان من الممكن إنجازه بأموال (عزة السُّودان) التي سيكون قرار إلغائها أول ما أفعل إن كان الأمر بيدي؟!

عندما استحدث محمد الشيخ مدني تجربة المدارس النموذجية التي أعاد بها السيادة والريادة للتعليم الثانوي الحكومي عارضه كثيرون.. الآن معظم من أدخل أولاده المدارس الخاصَّة في مرحلة الأساس تجنُّباً لمشكلات التعليم الحكومي يلهثون من أجل إدخال أبنائهم في المدارس الحكوميَّة النموذجيَّة.. لماذا يا تُرى لا نستحدث من الأساليب ما يُعيد لتعليم الأساس الحكومي السيادة والريادة؟!
صرعة اللغات الأجنبية وبصفة خاصة الإنجليزية هي التي تجعل المدارس الخاصة تتبارى في تقديمها كطبق شهي لا يتوافر في مائدة المدارس الحكومية.. لا أدعو إلى تعليم الإنجليزية في مرحلة الأساس فهذا لا يفعله إلا المنهزمون المحتقرون للغة آبائهم وأمهاتهم فقد أبى الاستعمار الإنجليزي أن يفعل هذا الفعل المنكر. ولم تكن الإنجليزية أيام الإنجليز في السُّودان تدرس إلا في المرحلة المتوسطة!!
مشكلة وزارة التربية تكمن في عجزها عن مواكبة العمليَّة التعليميَّة وانفاذ سياساتها بالرغم من أنَّ مهمَّة الوزارات الاتحاديَّة تتمثل في وضع المناهج والتخطيط والتنظيم والسياسات والضوابط لكن من يعجز عن إنفاذ سياساته على المدارس الحكوميَّة على مستوى القطر أعجز عن إنفاذها على التعليم الخاص ولذلك لا عجب في ما نقرأه من أخبار حول التنصير والتهويد ونشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم!![/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة

‫5 تعليقات

  1. دوامة من الفشل الزريع في كل شيئ حتي في تعليم النشأ فشل في فشل حكومة أدمنت الفشل وأصبح أبنائنا ضحية السياسات الفاشلة في كل شيئ فما العمل

  2. ورينا شطارتك في مدرسة البنات النموذجية التي تحمل اسم السرة تيمنا بوالدتكم الموقرةبالحارة العاشرة وما كان في داعي للدعاية الرخيصةمدرسة الطيِّب سعيد حيث يدرس أبنائي الثلاثة في مرحلة الأساس وهي بالمناسبة المدرسة التي تحتل المركز الأول والثاني على مستوى جميع المدارس الحكوميَّة بولاية الخرطوم

  3. الاستاذ مصطفى الطيب تناولت موضوعا حيويا ومفصليا في حياة المجتمع بشكل عام لكن للأسف قد بلغ السيل الذبى, تدهور التعليم بجميع مراحله في ربع القرن الماضي ويعود السبب الى التدهور العام في الحياة المدنية ويرجع تدهور الحياة المدنية الى خلع ركائزها ودعائمها الاساسية باقتلاع الخبرات لاختلاف الرأي …فماذا يرجو الناس من أناس غير مؤهلين لتولي الامور ..كانت سمعة التعليم في السوداني نباهي بها الأمم لأن المدارس كان على راسها المستعمر (الخواجة) والصحة وكافة شؤون الحياة ….هي معادلة يا مستر الطيب كلما بعدت الشقة بيننا وبين فترة حكم المستعمر (البغيض) كلما اقتربت المسافة بيننا وبين الفشل ..حتى اصبحنا في ذيل الجامعات الافريقية …ان لم نكن أمينين في رسالة الوطن لا يرفع لنا شأن …الشعب السودان اليوم غير موجود على خارطة الامم لم نبرز في شئ حتى المانة والصدق الزمان انعدم فينا كما انعدمت القدوة الحسنة….
    الاديب مصطفي لطفي المنفلوطي يقول:إن الامم في سيرها لا تنظر الى ساقط في الطريق…..سقطنا ..سقطنا …سقطناز
    وأهلنا يقولون: مرمي الله ما بترفع…عندما ارتفعت الاصوات منادية قالوا انتم معارضون ..هذا هو مصير التمكييييييين

  4. اعتقد أن مثل هذه المقالات من شانها إصحاح النظم التعليمية القائمة التي يشكوا منها الكثيرون كل بطريقته ..وكان الاجدر من الاخوة المعلقين إلتزام الجدية والموضوعية لمناقشة هذا الموضوع وإثرائه بدلا عن تفريغه من مضامينها الحية جدا جدا