رأي ومقالات

الطبقة الجديدة في الإنقاذ «1من2»..

[JUSTIFY]الملاحظة التي لا يخطئها أفراد الشعب السوداني هي أن الثلاثي الحاكم «البشير وعلي ونافع» هم أنقى حكام الإنقاذ، وأتقاهم، وأبرأهم عن تهمة التكسب من مناصبهم، حيث ما لاح على واحد منهم مظهر ثراء حرام. ولكن يطرأ سؤال ملح مهم هو: لماذا لم يصبح هذا الثلاثي قدوة للآخرين؟
والسؤال الأشد إلحاحًا منه هو: لم يسكت هؤلاء عن تلاميذهم الذين يسارعون في الفساد ويغتنون من مال الشعب؟ لقد انحدر معظم هؤلاء الآكلين من السحت من صفوف الجيل الثاني من رجالات الإنقاذ، وقليل منهم من صفوف الجيل الأول، وقد كادوا أن يكوِّنوا طبقة جديدة فريدة في الشعب لم تكتسب ثروتها من مصدر مشروع.
فالاغتراب والتجارة هما أهم أسباب الغنى في السودان، وهؤلاء ما كانوا مغتربين وما كانوا تجارًا، ووظائفهم من شأنها أن تحول بينهم وبين الصفق في الأسواق.
ولكن من الواضح أن استغلال هؤلاء لنفوذهم لنيل الامتازات والتسهيلات واختراق العطاءات هو الذي يجلب لهم أسباب الغنى. ولا يجادل في ذلك إلا مداهن واهن يدافع عن الفساد.
قانون تكوين الطبقة الجديدة
وتكوين مثل هذه الطبقة الجديدة الفاسدة المترفة في بنية نظام صالح أمر طبيعي وسنة من سنن تطور العمران وانهياره. وكان خليقًَا بالإمام ابن خلدون أن يلتفت إلى هذه العبرة المهمة من عبر التاريخ فيقول: «إن القبيل [أي القبيلة أو التنظيم] إذا غلبت بعصبيتها بعض الغلب، استولت على النعمة بمقداره، وشاركت أهل النعم والخصب في نعمتهم وخصبهم، وضربت معهم في ذلك بسهم وحصة، بمقدار غلبها واستظهار الدولة بها. فإن كانت الدولة من القوة بحيث لا يطمع أحد في انتزاع أمرها، ولا مشاركتها فيه، أذعن ذلك القبيل لولايتها، والقنوع بما يسوغون من نعمتها، ويشركون فيه من جبايتها. ولم تسمُ آمالهم إلى شيء من مَنازع الملك ولا أسبابه، إنما همتهم النعيم والكسب وخصب العيش، والسكون في ظل الدولة إلى الدعة والراحة، والأخذ بمذاهب الملك في المباني والملابس، والاستكثار من ذلك، والتأنق فيه بمقدار ما حصل من الرِّياش والترف، وما يدعو إليه من توابع ذلك. فتذهب خشونة البداوة، وتضعف العصبية والبسالة، ويتنعمون فيما أتاهم الله من البَسْطة.
وتنشأ بنوهم وأعقابهم في مثل ذلك، من الترفع عن خدمة أنفسهم، وولاية حاجاتهم. ويستنكفون عن سائر الأمور الضرورية في العصبية، حتى يصير ذلك خلقًا لهم وسجية، فتنقص عصبيتهم وبسالتهم في الأجيال بعدهم، يتعاقبها إلى أن تنقرض العصبية فيأذنون بالانقراض.
وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافهم على الفناء فضلاً عن الملك. فإن عوارض الترف والغرق في النعيم كاسر من سَوْرة العصبية التي بها التغلب. وإذا انقرضت العصبية قصر القبيل عن المدافعة والحماية فضلاً عن المطالبة.
والتهمتهم الأمم سواهم.
فقد تبين أن الترف من عوائق الملك والله يؤتي ملكه من يشاء».
طبقتان متمايزتان
وتطبيق ذلك على واقع الإنقاذ يقول إن دولتها وعناصرها انقسمت إلى طبقتين متمايزتين، أو إنها قد نشأت فيها طبقة جديدة مترفة، فوق الطبقة القديمة المجاهدة، التي ما تزال تشكو المسغبة. إن هذه الطبقة القديمة المجاهدة لا تزال على حال عصبيتها وسَوْرتها. والعصبية في مصطلح الإمام ابن خلدون تعني الولاء والإخلاص للمبدأ والجماعة.
وأما الطبقة الجديدة فقد انكفأت على نفسها وطرقها الترف وأحدث خللاً بليغًا في بنيتها فتصدعت وآذنت بالانحلال. فما عادت لها عصبية قوية ولا ولاء مخلص للمبادئ ولا للجماعة. ثم نشأ من أصلاب أفراد هذه الطبقة قوم مثلهم نُشِّئوا على الترف ولين العيش وغضارته فانفصلوا عن مطالب النضال والتضحية. وهذه الطبقة الانتهازية الجديدة لا تؤتمن على شيء ومنها تنبثق المكائد والمناكد. وهي طبقة خائنة تبيع كل شيء بما في ذلك المبادئ والوطن نفسه لأول شارٍ وبأي ثمن. ومنها يطرق الخلل الدولة فتنهار.
وأول آثارها وأسوئها يتمثل في تثبيط الروح العامة وتهبيطها، لاسيما أرواح أنصار الدولة الذائدين عنها، فيقولون لماذا نبذل أرواحنا في حماية دولة أول من يفيد منها، وأكثر من يفيد منها، هم الفاسدون الخائبون؟!
فقه التمكين
لقد ذكر المنظِّر الماركسي ميلوفان د الذي نستعرض كتابه «الطبقة الجديدة» في هذا البيان أن اليوغسلاف تصرفوا من وحي ما سماه الإسلاميون الإنقاذيون السودانيون بعد أربعة عقود من حديثه عن التجربة اليوغسلافية بفقه التمكين.
وقال إن شعور الرفاق السيادية المتمكنة المهيمنة للشعب بمطلق، اعتقادًا منهم أنهم الوحيدون الذين لهم الحق في التعبير عن الشعب، وخاصة طبقته البروليتارية العاملة المناضلة، والاستفادة من منافع الدولة التي أقاموها من أجل العمال والفلاحين الكادحين. وكانت نتيجة ذلك السقوط المريع للشيوعيين كما تنبأ دجيلاس في كتاب آخر له هو كتاب «ما بعد الطبقة الجديدة». فهل لدى أحد منظرينا الإسلاميين الإنقاذيين السودانيين بعض من شجاعة هذا المفكر الشيوعي السابق وجديته ليكتب لنا سفرًا يكشف عن أسرار تكون الطبقة الجديدة من الإنقاذيين الحاكمين؟! وذلك استباقًا للأحداث، وتداركاً للنوازل، وحتى لا يكتب دجيلاس السوداني الإنقاذي كتابًا آخر بعنوان «ما بعد الطبقة الإنقاذية الجديدة»! وما زلنا نحسن الظن ونرجو ألا يكون في خاطر قادة الإنقاذ أن الحفاظ على الطبقة الجديدة الفاسدة من مصلحة النظام. بحسبان أن المنتفعين من النظام هم من سيدافعون عنه. فهذا يصح في المبتدأ ولا يصح في الخبر.
فحين تحس الطبقة الجديدة بعدم جدوى الدفاع عن النظام، سرعان ما تتخلى عنه، وتتركه ليسقط. وتقيم حلفًا جديدًا مع النظام الجديد، الذي قد يكون في حاجة إلى ما بيدها من بقايا الثروة والخبرة والعصبية.

د. محمد وقيع الله- صحيفة الإنتباهة[/JUSTIFY]

تعليق واحد