رأي ومقالات

الطيب مصطفى : الذَّهَبُ بَيْنَ البُشْرَيَات وَالمُحْبِطَات!!

[JUSTIFY]بقدر ما أثلج صدري ذلك التقرير المفرح والمبشِّر عن إسهام المنتجات التعدينية بنسبة «65%» من جملة الصادرات فقد فقع مرارتي وهرى كبدي وفراها فرياً!!
أهم ما يمنح التقرير مصداقيَّة أنَّه لم يصدر عن الوزارة المعنيَّة وأعني بها وزارة المعادن وإنما عن وكالة السُّودان للأنباء (سونا) ممَّا يمنحُه درجة عالية من القبول والتصديق.
إذن فإنَّ السُّودان يشهد ثورة تعدينيَّة بوّأت الذهب مكاناً علياً بين صادراته بعد أن كان نسياً منسيّاً وذلك مما يبشِّر بحقّ أنَّنا لو سرنا بهذه الوتيرة سنحقِّق إنجازاً ضخماً نُصلح به حالنا الاقتصادي (المائل) بعيداً عن سلعة البترول (السياسيَّة) التي باتت تهدِّد أمننا القومي جرّاء استخدامها للضغط علينا لتجرُّع الهزائم الأمنيَّة ناهيك عن كسْر إرادتنا السياسيَّة وقرارنا وكرامتنا بعد أن احتُلت أرضُنا وواجهنا من العدوان من دولة الجنوب الوليدة ما سطَّره التاريخ بأحرف من نار وما ألحق بنا كثيراً من الخزي والعار.

التقرير الذي أصدرته وزارة التجارة قال ــ ويا للعجب ــ إن نسبة الزيادة في الكميات المصدَّرة من الذهب بلغت (93%) في العام «2012» من (23.739) كيلو جرامًا في عام «2011» إلى (46.123) كيلوجرامًا عام «2012» ويا له من إنجاز مدهش!!
في نفس اليوم الذي قرأتُ فيه تقرير وزارة التجارة قرأتُ خبراً عن توقيع وزير المعادن كمال عبد اللطيف اتفاقية لتعدين الذهب بمربع «28» بنهر النيل مع إحدى الشركات الروسيَّة ولا يمر شهر أو أقل من ذلك أحياناً إلا ونسمع عن عقود تُبرم مع شركات عربيَّة وغربيَّة وصينيَّة بالرغم من مشكلات مناخ الاستثمار الذي لا ينتطح عنزان في أنَّه طارد أو على الأقل ليس ملائماً بسبب الظروف الاقتصاديَّة والسياسيَّة وأهم من ذلك الأمنيَّة وذلك ما يُحسب لوزارة المعادن التي تحقق المستحيل في ظروف غير مواتية ولعلَّ ذلك يقدِّم رسالة لكثير من المرافق والوزارات والمؤسسات الأخرى.

على أنَّ فقع المرارة يتأتَّى من خلو ساحة الصادر من قطاعات مهمة ظللنا نباهي بها الدنيا بل ظلَّ حضورها القوي فاعلاً في كل مؤتمرات الغذاء في العالم والتي رشحت السُّودان لدور فاعل في سد فجوة الغذاء العالميَّة.
أعلم والله أنَّ الوزير المتعافي يعلم الكثير عمَّا يعوق (الزراعة) أو قل بترول السودان الحقيقي عن لعب دور كبير في اقتصاد السُّودان وأعلم كذلك عن شكواه المُرَّة من عجز الدولة عن تقديم ما تحتاج إليه الزراعة في سبيل الخروج من كبوتها وهو محق في ذلك لكني رغم ذلك أشعر بأنَّ جهدًا أكبر ينبغي أن يُبذل خاصَّة في مجال الشراكات الإستراتيجيَّة مع دول كثيرة تحتاج إلى ما لا يتوافر لديها من ماء غدق يسع السُّودان في بحوره المتلاطمة وأرض بكر لو زرعت فيها مسماراً لقام كلاشنكوف كما يقولون!!
تحتاج وزارة الزراعة أخي المتعافي إلى مبادرات استثنائيَّة كتلك التي استطاع كمال عبد اللطيف أن يخترق بها الجدر الأسمنتيَّة التي كانت تحُول دون تحقيق إنجازاته الباهرة كما تحتاج إلى إبرام اتفاقيات مع جميع البنوك تحدِّد دور كل منها في الإسهام في النهضة الزراعيَّة.

كنز السُّودان الإستراتيجي هو الزراعة وأرى جهداً يُبذل من رجل يُجيد التفكير ويُحيط علمًا بالملفات التي يتولاها لكن السُّودان بلد يعاني من ظروف استثنائيَّة تحتاج إلى معالجات ومبادرات استثنائيَّة كتلك التي استطاع أسامة عبد الله أن يستقطب بها التمويل للنهضة التنمويَّة التي شهدتها البلاد في إقامة السدود ولعلَّ نجاح أسامة في إقناع صناديق التمويل العربية وغيرها يقف شاهداً على أهميَّة القدرات الشخصيَّة فإذا كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد دعا بأن يعز الله الإسلام بأحد العمرين وكانا وقتها غارقَين في مستنقع الجاهليَّة فلأنَّ فيهما من القدرات الشخصية ما يمكن توظيفُه لخدمة الدين الجديد فكان عمر فتحاً للإسلام أي فتح.
ويْحي على مشروع الجزيرة الذي كان كنزاً وأضحى في عهد الإنقاذ سبة.. ويْحي على مشروع الجزيرة الذي يحتاج إلى معالجات استثنائيَّة فوالله لو لم تفعل وزارة الزراعة في خمس سنوات غير أن تُنقذ مشروع الجزيرة لكان ذلك كافيًا لمنحها وسام المجد والسؤدد ولكن!!
أمَّا الصمغ العربي كرت السودان الرابح فالحديث عنه يطول وما أكثر كروت السودان الممزقة في أوحال العدم!![/JUSTIFY]

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة

تعليق واحد

  1. لقد جاءت الإنقاذ وقالت فيما قالت “نأكل مما نزرع” فكان تدمير مشروع الجزيرة رمزا لفشلها الذريع في حقل الزراعة وتولت هذا التدمير أيادي متعمدة لم يحقق مع هؤلاء أحد حتى الآن بعد أن شلعوا سكك حديده ومنشآته وشرعوا في محاولة طرد المزارعين لصالح الأجانب والأثرياء.