جنوبيين دَهْ ياهُو عاملين «مُفَاسَلَةْ» ؟!!

ومع ذلك فقد تعلم الجنوبيون منا الكثير بينما لم نتعلم منهم شيئاً.. تعلموا منا كيف يأكلون وكيف يشربون وكيف يلبسون.. ثم تعلموا كيف يقرأون ويكتبون فصاروا يعرفون الاستوزار والبوبار والسكن في بيت الإيجار.. وأخذوا منا فنون السياسة وحتى أخطاءها ومؤامراتها.. ولا بد أنهم برعوا في «مؤامراتها».. لأنهم أصلاً منذ أن «لزقهم» الاستعمار في الخمسينات ومنذ أن أقاموا مجزرة توريت التي قتلوا فيها كل الشماليين بدم بارد ظلوا ينقلون عنا ما نفعله «بالمسطرة».. ولعلهم لاحظوا أن أحزابنا تمارس السياسة بطريقة عشوائية.. ويمسك «بتلابيبها» زعماء أكل الدهر عليهم وشرب.. وأنها أحزاب لا تعتمد على مصالح الوطن ولكن على المصالح الشخصيَّة «لزعمائها» أولاً ولأركانها ثانياً ولا شأن لها بالديمقراطية .. وبالطبع نقل الجنوبيون كل هذه الصفات معهم إلى دولتهم الجديدة.. لاحظوا في حزب الأمة أن زعيمه يوم مع الحكومة ويوم مع المعارضة.. ويوم يريد إسقاط النظام ويوم يريد تثبيته.. وأحد أعضاء الحزب عضو بالجبهة الثورية التي تحمل السلاح وآخر وزير بالولاية، وأحد محسوبي الحزب متضامن مع الحركة الشعبية الجنوبية، وآخر من كبار رجالات الدولة، وآخر مؤسس لمجموعة كمبالا، وآخر لمجموعة جوبا، والحزب نفسه مقسم إلى عدة أحزاب فرعية.
ونقل الجنوبيون عن الحزب الاتحادي انقسامه على نفسه لعشرة أحزاب فرعية.. وزعيمه يوماً يقول سلم تسلم ويوماً يجالس القادة في القصر الجمهوري.. وأحد أعضاء الحزب مؤيد للحركة الشعبية وآخر مؤيد للجبهة الثورية وآخر مع تجمع جوبا وآخر وزير ولائي وآخر وزير اتحادي وآخر من كبار المستشارين وهلمّ جرا…
{ والجنوبيون شاهدوا أن المؤتمر الوطني أكبر الأحزاب نفسه انقسم إلى «شعبي» و«وطني» و«قصر» و«منشية».. و«صقور» و«حمائم» و«مجاهدين» و«سائحون» و«إصلاحيون» و«ممتنعون» ومن كل هذا الزخم.. تعلم منا الجنوبيون طريقتنا في الإدارة السياسية منذ عهد «شيخنا» الذي كان عضوًا في الجمعية التأسيسية.. ويبدو أنه نام ذات يوم من أيام شتاء عقد الستينيات أثناء الاجتماع و«ملص» مركوبه الذي تناقلته الأرجل تحت «الكنبات» ففقده.. وكان يجلس في المقعد المجاور له أحد الجنوبيين.. وعمنا الشيخ قال له «يا فلان أخوي مركوبي ما وقع في عينك».. والجنوبي رد عليه قائلاً «شوف كلام تاع مندكورو دي.. كيف مركوب كبير تاع إنت يقع في عين صغيّر تاع أنا»..
والجنوبيون لما ذهبوا بدولتهم الجديدة لم يقتنعوا بأنهم فعلاً قد انفصلوا بل ظلوا يعتقدون أنهم ما زالوا يمكنهم أن يستمروا متمردين علينا.. وأن يمارسوا ما نقلوه عن أحزابنا السياسيَّة.. جزء منهم تمرد في الغابة..
يطلق على نفسه اسم أنانيا واحد وأنانيا اثنين والحركة الشعبية.. وجزء منهم يعيش بيننا يأكل طعامنا ويستنزف مواردنا.. وجزء يتوغل داخل مؤسساتنا في الجيش والبوليس والخدمة المدنية وجزء يبقى كامناً يمثل الخلايا النائمة القابلة للانفجار..
ولهذا فهم الآن لما وجدوا أننا قد أعلنا عدم نقل البترول إلا بعد الترتيبات الأمنية فقد رأوا أن ينقسموا بنفس طريقة أحزابنا.. فقام سلفا كير بالإعلان عن تكوين حكومة جديدة لا نعرف وزراءها.. ثم جاء بوزير كان وزيراً في بلادنا في التسعينيات حتى نعتقد أن «الحمائم» هم الذين يحكمون وأنهم «ناسنا» والقسم الآخر هم «الصقور» والذين حاول سلفا كير أن يوهمنا بأنه قد أبعدهم مثل باقان وتعبان ومشار … فنقوم من جانبنا بالاعتقاد بأن حكومة الجنوب تتلمس طريقها نحو الإصلاح و«استعدال» العلاقات مع السودان وأنها لن تدعم المتمردين ولن تهجم على حدودنا.. ومقابل ذلك نقوم بفتح المعابر ونقل الطعام ونقل البترول ومنح الحريات «الأربعين».. ولا نستبقي شيئاً.. وبالطبع تستمر «الصقور» في دعم التمرد وتسليحه وعندما نسألهم يقولون لنا إن من فعل ذلك هم المطرودين من حكومة الجنوب.. ونظل ندور في الحلقة المفرغة ونقع في شباك الدسائس والمؤامرات التي يحيكها ضدنا مستشارو حكومة الجنوب ومن بينهم توني بلير وسوزان رايس وكونداليسا رايس وآخرون.
يا جماعة هؤلاء الجنوبيون.. نقلوا عنا كل أفعالهم وممارساتهم واخذوا منا أسوأ ما عندنا والتغيير الوزاري الذي حدث ما هو إلاّ مفاصلة مؤقتة مبرمجة لإقناعنا.. وهي عبارة عن «مفاصلة مضروبة» لخداعنا .. طبعاً يسمونها بعربي جوبا «مفاسلة» ونحن نسميها بالعربي الفصيح «مفاصلة» والفرق ما بين مفاسلة ومفاصلة فرق مقدار وليس فرق نوع… ولهذا وجب الاحتراس من الوقوع تحت وهم أن الجنوبيين قد «استعدلوا».
صحيفة الإنتباهة
د. عبد الماجد عبد القادر
لا أدري كيف تتعامل الحكومة السودانية بكل ثقة مع هؤلاء الناس الذين هم في الحقيقة يشبهون البني آدم في الخلقة ولكنهم ليسوا كذلك – فكما هو معلوم أن البني آدم كتلة من الأحاسيس وكذلك المواقف والتعاملات التي تؤكد على آدميته وإنسانيته .
هؤلاء ليس لديهم أحاسيس ولا مشاعر ولا تعاملات ولا عهود ولا مواثيق ونحن نعلم ذلك من التعاملات التي كانت معهم طيلة السنين التي كانوا معنا يأكلون ويشربون ثم يتبلون على نفس الصحن الذي أكلوا فيه.
ماذا تنتظرون من أناس : يتزوج الإبن أمه بعد موت أبيه .
هذه الخصلة السيئة النتنة لا تتوفر حتى في الحيوانات .
نرجو من حكومتنا الرشيدة أن تأخذ مصفوفاتها واتفاقياتها وتتجه صوب الغابة لتعقد هذه الصفقات مع (الغوريلا) لأنها في هذه الحالة ستكون أوثق وأمتن في العهود والمواثيق من هؤلاء .
نحن نخدع أنفسنا عندما نتعامل مع هذه المخلوقات الغريبة بإعتبار أنهم بني آدم .
الذي تتغافل الحكومة عنه هو أن استهدافهم للسودان مسألة استراتيجية وليست مجرد تكتيك عابر ووتتقدم سلم الأولويات قبل التنمية ورتحقيق الرفاه للإنسان. الاتفاقيات والسلام مع الشمال عندهم هو التكتيك العابر الذي يلجأ إلأيه إلى حين، فهلا استفقنا؟؟