حوارات ولقاءات
حوار مع رئيس حزب العدالة أمين بناني
“أمين بناني” إمام المسجد الذي خبر دروب السياسة وتحالفاتها أطلق خلال الفترة السابقة ميثاق التحالف الوطني الإسلامي كجسم معارض قال إنه سوف يمثل بديلاً جيداً للحكومة الإسلامية التي فشلت في تثبيت دعائم الإسلام في المجتمع السوداني، وللمعارضة التي يرى أنها متفرقة في الداخل، وقال إنه يعول عليها كثيراً في إحداث التغيير خلال الفترة المقبلة على التحالف الذي أكد أن عدداً كبيراً من القوى الإسلامية سوف تجد فيه ضالتها المنشودة.
(المجهر) جلست إلى “أمين بناني” وقلبت معه تفاصيل أحداث سابقة ما تزال مؤثرة بشدة عليه خصوصاً وعلى المشهد السياسي عموماً، ورد على كل الأسئلة بذات البسمة الواثقة والهدوء الذي بدا عليه:
} بعد مرور أكثر من عشرة سنوات من خروج “أمين بناني” من المؤتمر الوطني غاضباً أو مبعداً.. ماذا حقق خلال كل هذه الفترة..؟؟
كسبت مصداقية بابتعادي عن المؤتمر الوطني وعدم الرجوع إليه.. وكل يوم أتأكد من صحة قراري ومن بعد الخروج كان تشخيصي والإخوة الذين كانوا معي للأزمة السودانية صحيحاً… السودانيون فجروا عدداً من الثورات كانت كلها من أجل الحرية لكنها لم تحقق نجاحاً لأن الحرية بلا عدالة اجتماعية تصبح شعاراً براقاً، نحن رفعنا شعار العدالة وأسسنا به حزباً وقد تصبح العدالة قاعدة فكرية على مستوى الدولة والمجتمع، لكن للأسف اختطفت الفكرة فقاتل بها البعض والحكومة سارت مع أولئك، وأعتقد أنه مجرد تبنينا لفكرة العدالة وطرحها في الساحة كان واحداً من أهم الانجازات التي تحققت، لكن الأهم بالنسبة لي من كل ذلك أنني والآخرون أصبحنا نشكل رصيداً للإصلاح بابتعادنا عن الولوج فيما يسمى بالمشاركة في السلطة. رصيد للإسلاميين ورصيد للوطنيين وهذا ما مكننا من أن ننطلق إلى الأمام ويمكن أن نبشر بقوة عين بأن دعاة الإصلاح غير ملوثين بشيء.
} كنت برلمانياً معروف عنك تتبعك لقضايا الفساد ومن ثم انتقلت إلى العمل التنفيذي كوزير دولة بوزارة العدل ومضيت في ذات نهجك في تتبع قضايا الفساد ومن ثم أُبعدت.. هل تعتقد أنك خضت فيما لا يجب الخوض فيه..؟؟ وهل ندمت على ذلك؟ أو تتبعت أشخاصاً لم يكن لك أن تتبعهم..؟؟
– أنا لم أندم على شيء في مسيرتي البرلمانية ومسيرتي القصيرة في الجهاز التنفيذي، وإرادة الله وضعتني في موقعين وصلاحياتي بحكم موقعي كانت تحتم عليّ أن أتصدى للفساد.. وكنت مجرد شخص يمارس صلاحيات يمنحها له الدستور والقانون ولم أكن متجاوزاً في شيء.. ولجنة الحسبة الإدارية بالبرلمان كانت هي الجهة المختصة بمحاربة الفساد وممارسة البرلمان من خلالها لدوره الرقابي على السلطة التنفيذية والفساد بصورة غير مباشرة في الحياة العامة، وكذلك وزارة العدل كانت تختص بمحاربة الفساد في المال العام، لكن خلال السنوات الفائتة كانت تهمل هذا الدور تماماً وأنا قمت بممارسة هذا الدور وأراهم اليوم بعد عشرة سنوات من رحيلي يهتمون بهذا الجانب، ولكن لم يحققوا فيه فتحاً لأن الإرادة السياسية خلفهم مازالت ضعيفة، وأنا سعيد بدوري صحيح أنني فتحت ملفات البنوك والطرق وعلى رأسها طريق الإنقاذ الغربي وكنت فعلاً أسير في أزقة ضيقة ومسارات وعرة والناس كانوا يميلون إلى ستر عيوبهم، وأنا أقول إنهم أسرفوا في فقه السترة ووقعوا في رذيلة التستر.
} من هم هؤلاء الناس..؟؟
الناس في الحكومة قبل وبعد المفاصلة، والرغبة في المواجهة مع الفساد والشفافية كانت ضعيفة والقدرة على تصحيح الأخطاء كانت أيضاً ضعيفة، ولذلك تحولت الأخطاء إلى خطايا من بعد، والبلد الآن غرقت في لجة من الفساد والآن يتحدث عن نفسه.
} هل تعتقد أن مؤشرات الفساد السياسي والاقتصادي خلال الفترة التي كنت فيها تنفيذياً تراجعت الآن أم زادت..؟
الفساد استشرى وأصبح كالسرطان ينتشر في جسم الدولة، والآن لا يستطيع النظام الحالي أن يحاربه لأنه فساد في كثير من أجهزة الدولة وفي وسطها وقاعها حتى على مستوى المحليات واللجان، ولا شك أن هذا النظام آيل للسقوط بسبب الفساد ولعنته، وأنا أعتقد أن جهود الإصلاح التي تعبر عنها الحكومة من وقت لآخر تستطيع أن تنجيها من سقوط محتوم بسبب اهمالها في محاربة الفساد.
} كم تقدر الآن نسبة الفساد..؟؟
أنا ما عندي القدرة على القياس العلمي بالنسبة للفساد، ولكن الفساد يتبدى في كل منحى من مناحي الحياة والذي يأكل المال العام.. فقط لو أخذنا ميزانية الدولة وتقارير المراجع العام التي يطرحها أمام البرلمان وهذا دون الرجوع لأي تقارير الفساد في الولايات تستطيع أن ترى حجم الهدر في المال العام مع أن الفساد في داخل الميزانية لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من الفساد في مشاريع التنمية وطريقة توظيف القروض الأجنبية وفي تجنيب المال العام والرغبة الشديدة للبعض أن يجمع مالاً.
} هل تعتقد أن هم المسؤولين الآن هو جمع المال فقط..؟؟
نعم هم كثير من المسؤولين أن يدخل إلى الحكم لتكوين النفس ولبناء الذات ليس روحياً ولا فكرياً، ولكن أن يجمع مالاً وهذه رغبة جامحة ولا تمثل حتى عيب.
} هل تعتقد أن السلطة أفسدت الحركة الإسلامية..؟؟
طبعاً العلاقة متبادلة وأعتقد أن كثيراً من الإسلاميين أفسدتهم السلطة وقد قال الرسول “صلى الله عليه وسلم” (لا أخشى عليكم الفقر ولكن الدنيا أن تقبل عليكم وتنافسوها فتهلككم كما أهلكت الذين من قبلكم) وهذه سنة ماضية ومضت على الإسلاميين في السودان، ولكن الحركة الإسلامية تنطوي على فساد كبير يتمثل في ضعفها الروحي وضعفها الفكري وأنها دفعت بأشخاص غير مؤهلين لتولي الوظيفة وفشلت في مراقبتهم وهم في مواقعهم حين استقووا بالسلطة عليها ومن بعد طاشت الحركة الإسلامية وتاهت وأُبعدت تماماً عن الساحة تحت مظلة المؤتمر الوطني.
} هل من الممكن أن نقرأ في ذات سياق حديثك ابعاد عدد من المفكرين عن مواقع القرار أمثال “الأفندي” و”حسن مكي” و”الطيب عبد القادر” وغيرهم.. وقبلهم أنت و”مكي بلايل” وآخرون؟
الحركة الإسلامية أبعدت العناصر التي تهتم بالتعاليم وتحركت بالعناصر التي تهتم بالتعليمات وهم أصحاب الفكر والبصيرة ومنذ وقت مبكر عندما جاءت الدولة كانت معظم الكوادر الذين دخلوا كان ولاؤهم للتنظيم أكبر من ولائهم للفكرة ثم حصلت سياسة الاستيعاب العام للناس وكانت سياسة غير مدروسة… من المهم أن تشرك الآخرين معك في الحكم.. ولكن يجب أن تشركهم بعناية ومسؤولية.. وبالتالي العناصر التي ذكرتها أُهملت وهي في نهاية المطاف زهدت واستبعدت ولم يقاوموا وكان عليهم أن يقاوموا، أنا ظللت أقاوم داخل التنظيم لسنوات طويلة وظللت أقاوم الانحرافات من داخل أجهزة الدولة ومن المواقع التي توليتها، وعندما أُبعدت عن تلك المواقع واستقلت من المؤتمر الوطني ومن الممكن أن أكون قد أُقلت، لكنني ظللت أصر على وجودي في الساحة من خلال واجهات متعددة أأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.
} هل تمت إقالتك أم استقلت من المؤتمر الوطني..؟
يمكن أن تقول حدثت لي مضايقات كثيرة من داخل الحزب وصبرت، وعندما أحسست أن فرص الإصلاح في داخل الحزب الحاكم منعدمة أو غير مجدية قررت الاستقالة… يعني تمت إقالتي من الجهاز التنفيذي بقرارهم، وأنا استقلت من الحزب بقراري.
} يعني زعلت عشان أبعدوك من وظيفتك؟؟
لا أبداً أنا غضبت لشيء واحد هو أنني انتقدت الحزب وأنا وزير بدلاً من أن أحاسب في داخل الحزب أو أن يدور الحوار حول أفكاري في إصلاح الحزب هم حاولوا أن يعاقبوني بالإبعاد عن الوظيفة وهذا خطأ، ولكنني ظللت بعدها عاماً كاملاً بداخل المؤتمر الوطني أحاول في جهود الإصلاح، وفشلنا أنا و”مكي بلايل” والآخرون أن نواصل جهودنا في الإصلاح من داخل السلطة.
} كونت بعد ذلك حزب (العدالة) مع “مكي بلايل” و”د. لام أكول”.. ومن ثم انشققت عنهم وكونت حزب (العدالة القومي).. لماذا هذا التنقل..؟
كانت ترتيباتنا في حزب (العدالة) لقد اكتملت ولم نختلف حول الفكرة لأنها نجحت لاحقاً، ولكن كانت هناك خلافات إجرائية، المناخ حولنا لم يكن مواتياً ولكن الأخ “مكي” كان ناجحاً حتى وفاته وأنا ما زلت أواصل نشاطي الحمد لله، و”د. لام أكول” دفعت به الأقدار في اتجاهات عديدة وكان ناجحاً في كل المواقع التي تولاها في السودان الموحد، واعتقد أن له مستقبلاً باهراً في الجنوب.
} هل خُذلت في الحركة الإسلامية..؟
الحركة الإسلامية لا شك واحدة من أنجح الحركات الإسلامية سياسياً وحركة تقلبت في الحياة السياسية مع تقلباتها وتطورت معها في كل مراحلها، وأصبحت حركة مجتمع بحق وأنا تربيت فيها واكتسبت منها الكثير وقدمت لي الكثير، ولكن أنا شخصياً منذ وقت مبكر أحس بعيوبها وعبرت عن رأيي هذا وسبب لي كثيراً من المشاكل قبل وصولنا للسلطة، وعندما وصلنا إلى السلطة اكتشفت أن عيوب الإسلاميين أكثر مما كنا نتصورها، واكتشفت أيضاً أن الخير في الشعب السوداني أكثر مما كنا نتصوره، وأعتقد أن هذا الشعب السوداني بوعيه وجهاده وتدينه تفوق على الحركة الإسلامية وهي تحكم وقدم لها الكثير، ومازال دين السودانيين وتدينهم أحسن بكثير من تدين القطاع الغالب من الحركة الإسلامية، والحق أيضاً أصبت بخيبة أمل في حركة الإسلام التي انتميت لها وأنا صغير لأنها فشلت في أن تقدم التجربة الإسلامية حتى في حدها الأدنى، وفشلت في أن تعبر عن قيم الإسلام في الحرية والعدالة والطهارة وبناء المجتمع وتماسكه وتفككه، في عهدها ما كان يمكن أن يتم إذا حافظت على القيم الاجتماعية للإسلام.
حوار – محمد إبراهيم الحاج : صحيفة المجهر السياسي