منوعات

قصة قصيرة .. مسحوق الزجاج

[JUSTIFY]دفع بها أرضاً، ثم خرج وأغلق الباب خلفه، وغادر.. غادر إلى حيث المجهول، توسلت إليه، رجته أن لايفعل، أقسمت عليه بذلك فلم يستجب لها.. تبعته.. تبعته حتى خارت قواها.. تعثرت بعباءتها فسقطت.. سقطت.. وكأنما السماء انتفضت لسقوطها.. والأرض مادت، أو كادت أن تميد بها.

حاولت الوقوف، فلم تستطع، ولم تجد شيئاً تتشبث به لتصلب جسداً أنهكته السنون.
عن بعد لمحته يعدو مترنحاً.. بعد لأي صلبت طولها، واصلت السير باتجاهه.. صوتت له.. رجته.. توسلت إليه أن يتوقف..
بعيون دامعة، وقلب وجل رجته أن لايفعل، توسلت إليه، فلم يرعو، لم يأبه بها، ولابتوسلاتها.
قدّ قلبه من حجر..

ورقّ قلبها له.. وانفطر..
شاب يقود سيارته بسرعة قاتلة.. اقترب منها.. حاول أن يتفاداها.. ولكن..
على السرير مسجاة.. وعيون ترقبها عن اليمين، وعن الشمال..
دفعت بكمام الأكسجين، أرادت القيام فشعرت بألم في ذراعها.. إبرة غرزت في وريدها اتصلت بكيس عبئ بسائل.. ثم غابت عن الوعي!
ظلت تهذي باسمه.. وتهذي.. وترجوه أن لا يفعل.
ثلاثة أيام أمضتها في المستشفى كانت كافية لاسترداد عافيتها، والتأكد من سلامتها، والاطمئنان إلى صحتها.. فأذن لها بالخروج.
-نحتاج إلى حضور زوجك ليوقع تصريح الخروج.
– إنه متوفي.

-رحمة الله عليه.. إذاً أحد أبنائك.
-أغلق الباب دوني وغادر (قالتها بعينين زائغتين).. ثم أردفت: توسلت إليه أقسمت عليه ـ تبعته.. تبعته.
وشردت بذهنها إلى ما قبل عام من الآن حينما دفعت باب غرفتها على صوت بكائه، ونشيجه، وتلويه كالملدوغ .. حاولت معرفة مابه فلم يجبها، رأته يتفصد عرقاً وينهش ذراعيه بأسنانه..
توجّهت نحو الهاتف لتطلب الإسعاف فدفعها بقوة.. وخرج يترنّح.. تبعته.. لحقت به فرأته يغادر غرفتها جهة الشارع وشيء بيده لم تتمكن من رؤيته ملياً..

بعد ساعة تقريباً عاد إليها بأحسن حال.
استمرت الأزمة تعاوده لشهور متقطعة دون أن تدرك علته، وأقسم عليها أن لا تجلب له طبيباً مهما تأزم وضعه وإلا سيهجرها للأبد، حتى أتى اليوم المشؤوم فاشتد عليه الأمر، وأخذ في تحطيم كل شيء أمامه وهو يبكي، ويصرخ، ويتلوى كالملدوغ ووالدته تحاول ضمه إلى صدرها، والتخفيف عنه، وترجوه أن تستدعي الإسعاف فيصر على الرفض، لتضعه أمام الأمر الواقع، وتطلب الإسعاف فلا قدرة لها على تحمل مأساته.. بعنف سحب سماعة الهاتف من يدها.. ثم دفع بها أرضاً.. وأغلق الباب خلفه وغادر.. غادر.. رجته أن لا يهجرها، وتبعته.. تبع..

-خالة… يا خالة
-هاااه… نعم..
-هل لديك مانعاً في أن أوقع عن ابنك تصريح خروجك؟
-شكراً على إنسانيتك يادكتور.
تغادر المستشفى قاصدة منزلها.. ويدخل ابنها من خلفها المستشفى ليودع في ثلاجة الموتى لإصابته بنزيف في الدماغ جراء استنشاقه مخدراً سحق بزجاج!

هدى المعجل
كاتبة سعودية
القصة من مجموعتها القصصية (بقعة حمراء)
[/JUSTIFY]

تعليق واحد