السودان .. “الوطني” ضد البورسترويكا
منذ ذلك الوقت توالت المذكرات عاصفة حتى آخر مذكرة في سبتمبر الماضي التي تقدم بها ما عرف بمجموعة الإصلاحيين داخل الحزب الحاكم بقيادة مستشار البشير الدكتور غازي صلاح الدين العتباني وهو كذلك رئيس الهيئة البرلمانية لنواب المؤتمر الوطني في البرلمان قبل عزله مؤخراً، لكن المذكرة الإصلاحية وُوجهت بغضب كبير وإجراءات قاسية من قبل الحزب الحاكم انتهت بتجميد عضوية الموقعين عليها وتوصية لمجلس شورى الحزب بفصل ثلاثة من القيادات من بينها العتباني.. الحاجة إلى (البورسترويكا) داخل الحزب قناعة متجذرة في أوساط عضوية الحزب، لكن العتباني وجماعته كانوا الأكثر جرأة.. والعتباني سياسي محنك يؤمن بمبدأ المبادرة ويرى أن المبادرة بـ”وضع الأجندة”، هي فن السياسة الذي يجعل المرء متحكماً في الأحداث وليس محكوماً بها.. موجة الغضب وسط قيادات الحزب الحاكم تجنبت الخوض في الأفكار التي حوتها المذكرة وركزت الهجوم على الجوانب الإجرائية التي صاحبت تقديم المذكرة، مثل توقيت المذكرة الذي تزامن مع الاحتجاجات الشعبية الأخيرة على الزيادات التي صاحبت رفع الدعم عن المحروقات، والإشارة كذلك إلى أن الموقعين تجاوزوا “المؤسسية” وقدموا مذكرة موجهة مباشرة إلى الرئيس البشير متعمدين تسريبها إلى الإعلام.
لقد دعت المذكرة إلى إجراء مراجعات داخلية في الحزب ونقد للذات، بما يقويه ويؤهله لقيادة البلاد، وإلى ما سمي بـ”مصالحة كبرى” البلاد في حاجة ماسة لها. وتضيف المذكرة، أن البلاد في مفترق تاريخي، وأن المؤتمر الوطني هو الحزب صاحب المسؤولية الأكبر تجاه البلد والمواطنين، باعتباره الممسك بمقاليد السلطة، وأفعاله وقراراته تؤثر مباشرة في أحوال البلاد والعباد. ويرد الإصلاحيون على الانتقاد الموجه لهم بشأن توقيت المذكرة واتهامهم بالانتهازية بقولهم: (إن الأحداث التي جرت في البلاد أخيراً وتداعياتها داخل الحزب وخارجه، قدمت سانحة نادرة للإصلاح، والمراجعات النقدية).. ووصف العتباني ما قدم بالرسالة المفتوحة إلى الرئيس وليست مذكرة باعتبار أن أي مواطن من حقه أن يوجه رسالة مفتوحة للرئيس.. ويحاول الإصلاحيون أن يفصلوا بين الرئيس البشير وبين القيادات الأخرى في الحزب باعتبار أن المشكلة فيهم وليست في الرئيس.. ويرى العتباني أن (المشكلة ليست في الرئيس ونواياه الصائبة، ولكن في بعض من يجرون حسابات خاصة دون نظر إلى مصلحة عامة ودون اكتراث لنصوص القانون. فنصوص القانون عندهم هي إما قابلة للتغيير وإما قابلة للتأويل، وبذلك يفقد القانون أهم خصيصتين له وهما الحياد والثبات).
ومع ذلك يبدو أن العتباني من مؤيدي تنحي الرئيس البشير وسبق أن قال في مقال منشور إن البشير (جاد في إبداء زهده في الترشح للرئاسة القادمة). ويرى العتباني أن قراره تأسس على تقديرات صحيحة. وقال في ذلك المقال: (إن البشير بخبرته قد أدرك استحالة أن يأتي زعيم – أي زعيم – بجديد في الحكم بعد أن قضى فيه خمسة وعشرين عاماً).. مضيفاً: (قوانين الطبيعة والفيزياء والكيمياء وحدها تمنع ذلك، ولعل الرئيس رأى أجيالاً ناهضة تموج موج البحر تطلعاً لحظّها في القيادة وتجريب رؤاها المجُدّدة).. بل كان العتباني أكثر وضوحاً في رؤيته عندما قال: (وربما حدَّق الرئيس في الأفق ونظر في أقاصيص الزمان فأدرك أن التاريخ سيكون أرأف به في أحكامه لو أنه أحسن توقيت تنازله، وربما نظر الرئيس إلى أحكام التاريخ على حكام آخرين لم يعوا دروس الوقت فاستبرأ من أن يستنَّ بسنتهم).
إن ملخص (بروسترويكا) العتباني ومجموعته أن الإصلاح المرتجى لا بد أن يحقق بضعة أهداف ضرورية، من بينها إجماعية القرار الرئاسي المستند إلى إرادة وطنية عامة، وإعادة بناء أدبيات العمل العام وأخلاقياته، وتهيئة مناخ التنافس العادل، وإعادة بناء صيغ الحكم بتحريرها من الانحيازات والعصبيات.. لعل حزب المؤتمر الوطني يحتاج لتعامل إيجابي مع عاصفة (البروسترويكا)، يضمن الأخذ بكل ما هو موضوعي ومنطقي وتجنيب الحزب خطر انقسام أو مفاصلة أخرى.
بوابة الشروق
ياسر محجوب الحسين
لا بروسترويكا ولا جلاسنوست ولا شفافية ولا عتمة نافع
فهل يمكن أن نقول لا خير فيهم فهم لم يسمعوها ؟
لقد بحت الأصوات وبلغ الغضب الحناجر ونخشى أن يتفجر ذلك الغضب بركانا لايبقي ولا يذر