بيانات ووثائق

نص خطاب رئيس الجمهورية أمام الدورة البرلمانية الثامنة للهيئة التشريعية


قدم المشير عمر البشير رئيس الجمهورية اليوم خطاباً مهماً وشاملاً للأمة السودانية تناول من خلاله العديد من القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية
وفيما يلى تورد (سونا) نص الخطاب :-
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله …
الأخ رئيس الهيئة التشريعية القومية …
الأخوة والأخوات أعضاء الهيئة…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخاطبكم اليوم في مفتتح الدورة البرلمانية الثامنة لهيئتكم الموقرة ، وهي الدورة التي تستقبل العام الأخير في الأمد الدستوري للمؤسسات الدستورية والتشريعية القائمة وهي بذلك تكتسب أهمية خاصة لكونها تستقبل عاماً جديداً يحتشد بعدد من القضايا والمهام الوطنية التي تتطلب إنجازاً وبذلا متصلاً لتحقيقها . ويقيني أن مسيرتنا التي حققنا فيها إنجازات كبرى وتجاوزنا بها تحديات عظمى ، لقادرة بإذن الله على بلوغ الغاية وإنفاذ المهام التي تستقبلها ، ذلك أنها مسيرة تستمد طاقة متجددة من عميق إيمانها بربها ، وتمام توكلها عليه ، وحسن ثقتها في الشعب السوداني الذي ناصرها والتزم جانبها ، وتجلى معدنه ناصعاً عند الشدائد والملمات. ويطيب لي أن أضع بين أيديكم جانبا من هذه القضايا والمهام ، مطمئناً إلى أنكم ستكونون خير عون لنا في معالجتها ، بما لديكم من حس وطني صادق ، ودراية سياسية عالية.
أولاً :ـ إستكمال السلام وإستدامته
تظل قناعتنا راسخة بأن السلام أصل الإستقرار ، ومفتاح البناء والتنمية ، في ظله تزدهر القيم ، ويسعد الأنسان ، وتتقدم الدول ، وتبنى الحضارات .ومن أجل أن يعم السلام السودان ، وتتوقف الحروب التي فرضت عليه ، استنزافاً لموارده ، وتمزيقاً لوحدته ، بذلنا جهوداً مضنية ، وقدمنا تضحيات جمة، أثمرت نتائج طيبة نسعى لإستكمالها وخير شاهد على ذلك إتفاقية سلام شرق السودان التي رسخت الأمن والإستقرار في الشرق وفتحت الطريق لتنفيذ مشروعات الخدمات والتنمية التي أنتجها مؤتمر المانحين بالكويت وشرع في تنفيذ معظمها، ووقعت عقود المتبقي منها ، فالتحية مستحقة لشركائنا من جبهة الشرق وللجارة إرتريا و لدولة الكويت الشقيقة. وفي دارفور تتسارع خطوات تطبيق إتفاقية سلام الدوحة حيث بدأ تنفيذ مصفوفة إستراتيجية تنمية دارفور وتقود السطة الإقليمية جهوداً مكثفة لعقد مؤتمرات السلم الإجتماعي ، مما يهيئ المناخ الملائم لتعزيز السلام والإستقرار .
ومن هنا نجدد الدعوة للحركات التي تحمل السلاح للإنضمام لمسيرة السلام وفق وثيقة سلام الدوحة ونعلن ترحيبنا ببيان مجلس السلم والأمن الأفريقي الداعي لذلك ونؤكد إستعداد الحكومة للعفو عن حاملي السلاح والتشاور معهم حول ترتيبات إنضمامهم للسلام ، وفي هذا السياق اُحيي شركاء السلام من الحركات التي وقعت إتفاقية الدوحة ونجدد الشكر والتقدير لدولة قطر أميراً وحكومةً وشعباً ولكل شركاء السلام والتنمية . وبشأن منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وبرغم الإستقرار الواسع الذي تشهده الولايتان ، ومايجري تنفيذه من مشروعات خدمية وتنموية كبرى ، إلا أن حرصنا على السلام الشامل يدفعنا لتجديد الدعوة لإستئناف الحوار مع من يحملون السلاح لإستكمال مطلوبات البرتكولات الخاصة بالمنطقتين مما يسهم في إفساح الفرصة لهم للمساهمة في الحوار الوطني الجامع حول البناء الدستوري للبلاد . إن إستدامة السلام ، يتطلب إرادة سياسية نافذة تحرسه ، وقوة أمنية رادعه تحميه ، مما يستوجب الحرص واليقظة والإعداد الجيد للقوات المسلحة وقوات الشرطة والأمن ويوجب علينا حسن الإستجابة لمتطلبات هذه القوات ، بما يرفع من كفاءتها ، وقدرة منسوبيها المادية والمعنوية ، للقيام بواجبها في حماية الوطن ، والذود عن حرمة أرضيه ، وسلامة مواطنيه في اروحهم وأعراضهم ، وممتلكاتهم. ولما كان السلام شأن يهم السودانيين جميعا ، فإننا نعلن عزمنا على تأسيس مجلس قومي للسلام يقوم على إبتدار سياسات ذات طابع قومي إزاء التحرك نحو السلام ، ومتابعة خطوات إستكماله وتنفيذ إلتزاماته ، وسنجري مشاورات سياسية واسعة في هذا الخصوص .
ثانياً :ـ في شأن الحوار حول الدستور
تدفعنا في هذا الشأن أمور عدة :
1/ واجب ديني يأمرنا بوحدة الصف وجمع الكلمة ولم الشمل خاصة حول أمهات القضايا التي تشكل الرؤية الجامعة للأمة.
2/ قناعة سياسية راسخة بأن إعمال الشورى وإلتزام الديمقراطية وتطبيقها يستلزمان القبول بمبدأ التداول السلمي للسلطة وتوسيع دائرة المشاركة حين تولي السلطة إزاء القضايا الكبرى للتوافق حولها ، تأمينا للمسرح السياسي وإستقراره حتى لايضطرب أو ينقلب .
3/ إن التحديات الخارجية وأبرزها التربص المعلن تجاه بلادنا الساعي لتفكيكها وإضعاف إرادتها وإستلاب قدراتها ، توجب مواجهتها بإرادة موحدة وصف متراص، تجمعه رؤية شاملة ومبادئ هادية وقواسم مشتركة ، ولما كانت هذه الرؤية الشاملة والمبادئ الهادية ، والقواسم المشتركة ، تتمثل في جملة القضايا والموضوعات التي إصطلح على تسميتها (وثيقة الدستور) فإننا قد أطلقنا مبادرة وطنية ، لجميع الأحزاب السياسية وأتبعناها بحوار سياسي جاءت نتائجه إيجابية تشجع في المضي قدماً لإستكماله عبر منبر قومي يحدد موضوعات وآليات إعتمادها إنتهاء بإستفتاء شعبي جامع وسيوفر ذلك المنبر مجالاً واسعاً للآراء والمساهمات الفكرية للجميع بما فيهم من يحملون السلاح متى استجابوا لنداء السلام والحوار بديلاً للقتل والدمار والغاية من ذلك كله التوافق على ميثاق إجتماعي سياسي جامع يعزز الإستقرار والسلام وتنتقل به البلاد إلي آفاق جديدة من النهضة والتقدم .
ثالثا :ـ الإستحقاق الإنتخابي القادم
إلتزاماً منا بالمشروعية الدستورية التي أفضت بنا إلى مقام الأمانة وإدارة شأن البلاد عقب الإنتخابات الماضية 2010 والتي جرت بموجب أحكام الدستور الحالي لعام 2005 ، فإننا نعلن عن قيام الإنتخابات القادمة في مطلع 2015 ومن هنا أدعو مخلصا كل القوى السياسية للإعداد الجيد والمبكر لتلك الإنتخابات التي سنعمل على أن تجري بالنزاهة والشفافية المطلوبة وتوفير الأجواء المواتية لطرح الأفكار . ولاشك عندي أن كل تقدم يحرز في قضايا السلام ، والدستور سيكون له الأثر البالغ على المناخ الذي ستجري فيه الإنتخابات خاصة من حيث التوافق على نظمها ولوائحها وكيفية إدارتها . وستشهد الأيام القادمة بداية الحوار حول التعديلات التي إقترحتها المفوضية القومية للإنتخابات تجويدا للتجربة وتطويراً لها . كما أدعو بصفة خاصة ، مراكز الدراسات السياسية ، والمهتمين ، بأن يسهموا بأرائهم ومقترحاتهم في هذا الشأن الوطني .
رابعاً :ـ في الإصلاح والتغيير
ترمز الإنتخابات إما للتغيير والتجديد أو للتأكيد والتأييد للسياسات والتوجهات والأشخاص ، ولما كان عامنا المقبل 2014 ، ذا خصوصية بهذا الفهم ، فإنني أود أن نشترك معا في تعميق وترسيخ مفهوم الإصلاح والتغيير ، لنقرر ما ينبغي تأكيده وتأييده ، ومايلزم تغييره وتجديده ، ومعلوم أن لكل مجتمع فكره وقيمه التي تحكم سلوكه وتصوغ أهدافه وغاياته ، وتحرك بواعثه ودوافعه للحركة والفعل . ونحن مجتمع يؤمن بالله ، ويهتدي بشرعه ، ويلتزم بالقيم التي جاءت بها الرسالات من نزوع إلى الحق ، وإستشراف للعدل ، وتطلع للحرية ، وحرص على الكرامة الإنسانية ، وتمسك بالجماعية والمشاركة ، ويتخذ من الأدوات والوسائل ما يجعل هذه القيم واقعاً حياً يعيشه ، ولما كان الإصلاح حركة يومية دائبة نحو بلوغ الغايات تصحح و تراجع ، ولاتجمد عند نقطة ، أو موقف بعينه ، فإننا مدعوون لتنزيل هذا المفهوم المتحرك للإصلاح على منظومة السياسات والمؤسسات والأشخاص والقيادات . في مجال السياسات ، علينا أن نتفحص جملة السياسات التي تتخذها الدولة والمجتمع ، لتجديد الحياة وتطويرها نحو الأرقى والأفضل وأن يكون نظرنا موضوعياً وناقداً ومستبصرا يهتدي بقيمه ولاينقطع عن عصره وتأثيراته . على صعيد المؤسسات ، فإنني أدعو إلى مراجعه شاملة لمؤسساتنا السياسية والإجتماعية والثقافية والرياضية والإقتصادية العامة والخاصة لننظر فيما تحتاجه من تطوير وتحديث يجعلها قادرة على تنظيم طاقات أفراد المجتمع ، وتوسيع مشاركتها بما يحقق الإنجاز الجماعي والرضا الفردي من حيث القدرة على الإبداع والعطاء . فالقاسم المشترك هو أن هذه المؤسسات على وجه العموم ، تقصر عن تحقيق المراد من حيث المؤسسية والممارسة الديمقراطية والشورية ، وتخلو إلا قليلاً من وجود لوائح ونظم فاعلة تفصل الحقوق والواجبات ، وتحفز على المبادرة والإبداع ، وتحاسب على التقصير والتجاوز . مما يترتب عليه أننا ننجح بصفة عامة في مجال التخطيط والتنظير وإبتدار الأفكار – وبذلك عرف السودانيون عبر تاريخهم المعاصر ـ بينما يكون نصيبهم قدراً ليس قليلاً من القصور والإخفاق في ميدان الواقع والفعل . ولعل هذا من بين أسباب أخرى ـ ما جعل حركة مجتمعنا العفوية والتلقائية ، تتقدم على إيقاع مؤسساته وتنظيماته وروابطه وهيئاته الشعبية والرسمية وتلك ميزة تحسب له في مجال المبادرة وسرعة الإستجابة ، من غير أن تقلل من تحدي إنضاج مؤسساتنا على نهج مؤسسي فاعل. أما فيما يتعلق بالأشخاص والقيادات وهو وحده ما يتبادر إلى ذهن البعض عند الحديث عن الإصلاح والتغيير ، فإن ذلك مما تتباين فيه الموازين ، وتختلف فيه الأحكام حول تقويم الأداء والكفاءة ،ومهما يكن ،يظل للأشخاص والقيادات دور مؤثر في توجيه المؤسسات ونجاحها ، مما يجعل لمفهوم قضية تنمية الموارد البشرية موقعاً متقدماً ليس فقط في مجال الخدمة العامة بل في تخطيطنا الإستراتيجي في السياسة والإقتصاد والإجتماع ، ويدعو للوقوف طويلاً أمام قدارت مؤسسات التدريب في الدولة والمجتمع على إعداد القيادات والكوادر .

هذه نقاط أردت بها أن أصوغ إطاراً موضوعياً لحوار مجتمعي واسع حول القضايا والموضوعات التي تتناولها مجالس أهل السودان ويعبر عنها نبض الشارع الذي يتطلع إلى الأمن والإستقرار وتحسين أحوال المعاش ، وإتساع آفاق بناء المستقبل ، خاصة للأجيال الجديدة التي تشكل نسبة عالية من مجتمعنا الذي ينضح بالشباب والحيوية .
خامساً:ـ بشأن الأحداث التي صاحبت إعلان الإجراءات الإقتصادية الأخيرة
لقد عايشتم أيها الإخوة والأخوات الأحداث المؤسفة التي وقعت في سبتمبر الماضي عقب إعلان القرارات الإقتصادية والتي ظنها البعض من المتربصين فرصة مواتية لإسقاط النظام فسعوا لتحريض المواطنين للتظاهر والعصيان وأطلقوا مجموعات إجرامية خربت ودمرت ونهبت وقتلت ، ولكن الشعب بوعيه المتقدم أفشل مخططهم الإجرامي فخاب مسعاهم . ولقد نجمت عن تلك الأحداث آثار مُرًة شملت خسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة ، ونحن إذ نترحم على من ذهبوا ضحية تلك الأحداث المحزنة ، نؤكد أن القانون سيطبق بحزم وقوة على كل من سعى ويسعى لزعزعة أمن المواطنين وإستقرارهم فهذه مسئولية الدولة أولاً وأخيراً وقد أجريت التحريات الجنائية التي أسفرت عن بينات ضد 58 من المتهمين سيجري تقديمهم للمحاكمة لينالوا جزاءهم وفقا لمنطوق القانون وإجراءات قضائنا العادل وستتواصل التحريات لتقصي الحقائق حول مقتل من راحوا ضحية الأحداث وتحديد مسئولية مرتكبيها كما تتواصل أعمال اللجان التي كونت لحصر الخسائر المادية والبشرية التي تلتزم الدولة بالتعويض عنها حسبما تنتهي اليه الإجراءات القانونية .لقد كشفت تداعيات تلك الأحداث حجم المكر والتربص الجائر على بلادنا ، ولكن الله الغالب على أمره أبطل ذلك المكر ، كما شكلت وقائع الأحداث وتطوراتها إختباراً لوسائل الإعلام ، مكّن الرأي العام من المقارنة ، وإصدار حكمه بين من نجحوا في إلتزام المهنية ، والصدق والموضوعية ، وبين أولئك الذين أعماهم الغرض ، وأغراهم الهوى ، فخسروا إحترامه وثقته فيهم ، الآن وقد إنجلت تلك المحنة وعادت الأمور ـ بحمد الله ـ إلي طبيعتها كاقوى ما يكون ، ينفسح المجال لإعادة النظر في الإجراءات الإستثنائية التي اُتخذت إبان الأحداث ضد بعض الأشخاص والمؤسسات الصحفية والإعلامية التي تجاوزت قواعد المهنية والموضوعية
سادساً :ـ في شأن السياسات والإجراءات الإقتصادية
يجمع المحللون ـ أن أبرز مشكلات الإقتصاد السوداني راجعة إلي آثار الأزمة الإقتصادية العالمية والحصار الإقتصادي الذي إمتد لعقود على بلادنا ، ثم فقدان إيرادات النفط بسبب إنفصال الجنوب والتي كانت تمثل نصف ميزانية الدولة وتسعين في المائة من موارد النقد الأجنبي ، مع عجز الميزان التجاري الناجم عن زيادة الوارادات وقلة الصادرات ، وضعف الإنتاج والإنناجية . تذكرون أيها الإخوة والأخوات أننا مررنا من قبل في بداية عهد الإنقاذ بحالة مشابهة عندما ورثنا إقتصاداً جامداً متناقص الموارد ، وتضخما جامحاً وصل آنذاك سبعين في المائة ، وَشحاً بل إنعداماً كاملاً في الموارد الداخلية والنقد الأجنبي ودعماً خارجياً لمرتبات العاملين من تلقاء العون السلعي وصل الي خمسين في المائة من الميزانية آنذاك ، وانقطاعاً كاملاً من المعونات الخارجية منذ بدء الحصار الإقتصادي على السودان في العام 1984 قبل الإنقاذ بإعلانه دولة غير مستحقة لموارد الصناديق الدولية ، وقد عالجنا ذلك التحدي بقرارات مصيرية كبيرة كان أولها وأهمها إعادة توجيه الإقتصاد من إقتصاد تحكمي إلي إقتصاد حر يديره كل الناس وليس الدولة ، فكان التحرير الإقتصادي ثم أعلنا الإعتماد على الذات نهجاً للإنتاج وإجتذاب الموارد وأعتمدنا الزراعة قاطرة للإستثمار ، واتخذنا منهج دعم ورعاية الشرائح الضعيفة التي تتأثر بتلك السياسات والقرارات . وقد أدى نجاح تلك السياسات والقرارات الكبيرة إلى إستقرار وإزدهار إقتصادي شهد به حتى الخصوم مما شجع دولاً وجهات عديدة للدخول معنا في إستثمارات ومشاريع متنوعة قفزت بالبلاد قفزات مقدرة ومشهودة في مجالات البنى التحتية من كهرباء و طرق وجسور … وإتصالات وصناعات كالنفط … والسكر .. والأسمنت وغيرها . وفي العام 2011 ، جددنا إعتماد ذات المنهج لمواجهة تلك التحديات المتجددة ، فكان البرنامج الثلاثي للإصلاح الإقتصادي والذي إعتمد سياسة إحلال الواردات وتنويع الصادرات وزيادة الإنتاج كماً و تحسين الإنتاجية نوعاً ، وإستقطاب التمويل الذاتي للأفراد والمجموعات وأفرد البرنامج عناية خاصة للشرائح الفقيرة بإعتماد آليات التمويل الصغير و الأصغر ، وإعادة دعم توزيع السلع الأساسية للشرائح الضعيفة وإعتماد الدعم الإجتماعي المباشر للطلاب والأسر الفقيرة . إن عوامل نجاح التجربة السابقة ، تتوافر الآن وبقوة أكبر لتكرار النجاح رغم إزدياد معدلات الإستهلاك ،وإرتفاع سقف تطلعات المواطنين متى ما أحسنا إدارة الموارد وترتيب الاولويات. إن حزمة الإجراءات التي صدرت في سبتمبر الماضي بموجب البرنامج الثلاثي ، ستوفر موارد تضيف إلي قدرة الدولة على إنفاذ الإصلاح الإقتصادي وبوجه خاص زيادة الإنتاج و تحسين الإنتاجية وزيادة رواتب محدودي الدخل ، وتوفير سقوفات أعلي للتمويل الصغير والأصغر لصغار المنتجين وتهيئة الفرص للكسب الحلال للخريجين وقطاعات الشباب وسيقدم لكم الأخ وزير المالية تفصيلات أوفى عن إستخدامات الموارد التي نتجت عن تلك القرارات . وحتى يتأتى لهذا البرنامج تحقيق نجاحات أكبر ،فإننا نعلن إتخاذ عدد من المعالجات ، منها تشجيع قيام مجموعات زراعية صناعية لتسمين الماشيه وذبحها وتصدير لحومها للبلدان المجاورة والأسواق العالمية . ومنها أيضا القفز بمعدلات إستخراج الثروة الجديدة في مجال التعدين حيث تتوفر أنواع كثيرة من المعادن الثمينة والأساسية في جميع ربوع البلاد ورغم تدفق الإستثمار الأجنبي لهذا القطاع ، إلا أننا نريد للإستثمار الوطني أن يأخذ حظاً كبيراً ، وهنا نوجه القطاع المصرفي المركزي والتجاري ليتولى بجرأة تمويل هذا القطاع الحيوي الواعد في كل مراحله وبالذات مرحلة الإستكشاف ذات المخاطر العالية .
أخوتي وإخواتي ….
لقد مضى عامان منذ بدأ البرنامج الثلاثي مما يتيح فرصة مناسبة لتقييمه وتقويم ورصد نتائجه وبما يسمح بإعادة صياغة أهدافه نحو النمو بدلاً عن الإنكماش والتقشف الذي فرضته آثار الإنفصال . ومن هنا فإننا ندعو لقيام ملتقى إقتصادي يسهم فيه الخبراء والمختصون والقطاع الخاص بما من شأنه أن يفضي بإقتصادنا الوطني إلي أفق جديد تتوفر فيه الموارد وتنطلق فيه التنمية ويتحقق فيه النمو الإقتصادي بمعدلات أعلى وتتسع فيه الفرص لتوظيف طاقات شباب هذه الأمة في مجالات الإنتاج والخدمات كافة .
سابعاً :ـ العلاقات الخارجية .
علي صعيد العلاقة مع دولة جنوب السودان
نحمد الله تعالى على أن التحديات التي واجهتنا في مسيرة المفاوضات والعلاقات مع دولة جنوب السودان قد زالت بفعل الحوار والتواصل بين قيادة البلدين ، و إننا الأن منطلقون لتطبيق كافة إتفاقيات التعاون بصفة مشتركة ومنسقة وبروح بناءة ، وكان آخر المساعي زيارتنا الناجحة لجوبا قبل أيام قلائل ، والتي أكدت أهمية تفعيل كافة الآليات واللجان المشتركة في الوقت الذي يسعى فيه البلدان بإرادة سياسية صادقة لحل المسائل التي لاتزال عالقة ، وسأواصل مع أخي رئيس جمهورية جنوب السودان بذل الجهد للتوصل الي حل نهائي ومرض لكل الأطراف لمسألة أبيي بخاصة المجتمعات المحلية بالمنطقة ومما سيعين البلدين على ذلك أننا إتفقنا أن يتم تشكيل الشرطة والمؤسسات المدنية الإنتقالية المشتركة لكي تتمكن المجتمعات المحلية من العودة إلي حياة طبيعية تزيل الضغائن والمرارات وتمهد لمستقبل تسوده الطمأنينة وروح التعايش السلمي المفضي إلي الإستقرار والسلام المستدام بالمنطقة .وأتفقنا ـ ايها الإخوة والأخوات ـ كذلك علي المزيد من بناء الثقة وتوفير المناخ الصالح لإنطلاق علاقات التعاون الحدودية على تحديد خط الصفر للخرطة الأمنية المؤقتة بين البلدين لإقامة المنطقة الأمنية منزوعة السلاح للتعجيل بفتح المعابر وتسهيل حركة المواطنين التلقائية لصالح الشعب في البلدين ، ونسعى لأن تكون العلاقات الإقتصادية والتجارية معبراً للعلاقات الطبيعية بين البلدين وستباشر اللجنة الوزارية العليا المشتركة أعمالها قريباً كما تسعى للإسراع في ترسيم الحدود بين البلدين وفي هذا الشأن نشكر للإتحاد الأفريقي وهيئته الرفيعه برئاسة السيد / ثامبوبيكي جهودهم المقدرة .
على صعيد علاقتنا الخارجية الأخرى
إيماناً منا بالدور الفاعل للعلاقات مع دول العالم تأثراً وتأثيراً ، فإننا نسعى لترسيخ دعائم علاقتنا الخارجية ، وتعزيز وتكثيف مساعينا بالحوار والتعاون ، وتقوية عرى الترابط مع دول الجوار القريب ، ودول القارة الإفريقية حاضنتنا الطبيعية ، والبلدان العربية محيطنا الأخوي ،وتقوية أواصر التعاون مع دول العالم الإسلامي رباطنا الأشمل ، وتعميق روح التفاهم مع كافة دول العالم ، بما يخدم السلام ، والأمن ، والإستقرار في العالم ، ويجنب الشعوب ويلات العنف والدمار والظلم ،
إننا إخوتي وأخواتي الكرام ـ نظل على موقفنا الراسخ في مناصرة الشعب الفلسطيني ، في كفاحه ، لإقامة دولته المستقلة وسعيه لإستعادة حقوقه المشروعة المقررة في المواثيق الدولية ، ونؤكد موقفنا العقدي الراسخ ، تجاه القدس والمسجد الأقصى ـ مسرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ، كما نسعى لتقوية وتمتين علاقات السودان ، مع البلدان الآسيوية ، ودول أمريكا اللآتينية الناهضة ، والتي نشكر ، ونقدر لها إسهاماتها في دفع مشروعاتنا التنموية ، وفي المجال الأوربي ، فقد تمكنا من إحداث إختراق سياسي ، وإقتصادي بارز مع علاقتنا مع بعض دولها، وقد شهدت عدة عواصم أوربية في الفترة السابقة ، ملتقيات إقتصادية بمشاركة واسعة أدت إلي تفهم جيد لقضايانا .

الإخــوة والأخــوات ..
تجدون تفصيل ما أجملته أمامكم الأن ، في ملحق الخطاب الذي يوزع عليكم ، وسيتناوله الأخوة الوزراء بالشرح عند تقديم بياناتهم ومداخلاتهم .
وختاماً ، التحية مستحقة للشهداء ولكل من جاهد وضحى عبر الحقب ليظل السودان شامخاً عزيزاً ، سيد نفسه وموارده ، مالكاً لقراره ، التقدير والإشادة للقوات المسلحة ، وقوات الشرطة والأمن على صمودهم وإستعدادهم الدائم للتضحية والفداء في تجرد ونكران ذات ، والتقدير الأوفى لشعبنا المعلم الذي ظل متقدماً بوعيه ومبادراته ، معتزاً بتراثه ، متمسكاً بقيمه وأخلاقه المستمده من شرع الله وسنة نبيه. والعهد لكم إخوتي وأخواتي ، ولهذا الشعب الأبي بكل فئاته ومكوناته ، أن أظل أميناً على ما فوضتموني وكلفتموني ، وأن أتخذ القرارات التي تصب في مصلحة البلاد والعباد ، مهما إقتضتني من مسؤولية وإقدام ، لا أخشى في الله لومة لائم ، ولا ابتغي إلا مرضاته وإعلاء شأن الوطن.
ونسأل الله بعد حمده حمداً كثيراً ملء السموات والأرض ومابينهما وماشاء من شيئ بعد ، أن يحفظ بلادنا ويعمها بالسلام والأمن والمنعة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخرطوم فى 28/10/2013م ( سونا)


تعليق واحد