تحقيقات وتقارير

العلاقات السودانية الأمريكية..المعادلات الصعبة

[JUSTIFY]ظلت العلاقات السودانية الأمريكية منذ مجيء نظام الإنقاذ ذو التوجه الإسلامي تحت وطأة التقارير الإستخباراتية والهاجس الأمني للتخوف الذي يعتري الأمريكيين من إعتلاء أصحاب التوجه الإسلامي الاصولي لمنصات الحكم رغم المرونة وبعض البراغماتية التي حاول نظام الإسلاميين أن يتعامل بها مع واشنطن في مرات عديدة إلا أنها تصطدم في كل مرة بتشدد أمريكا عبر واجهات السياسة والتشريع الممثلة في الكونغرس والبيت الأبيض ,بعض الخبراء الإستراتيجيين في المجال السياسي أرجعوا السياسات الأمريكية تجاه السودان بأنها تقوم على حسابات المصلحة وربطها بالوضع الأمني المتعلق بالمصالح الأمريكية في المنطقة والإقليم ، كما استبعد خبراء آخرين حدوث أي تغيير في السياسة الأمريكية تجاه السودان مستندين في ذلك على أن الإدارة الأمريكية مرتبطة باستراتيجيات بعيدة المدى ولاتتأثر هذه الإستراتيجيات بالطواريء والتحسن الطفيف في المواقف السياسية هنا وهناك .

العصا والجزرة
وبالرغم من أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة والتي عاصرت حكم الإسلاميين للسودان منذ عهد بوش الأب وكلينتون وبوش الإبن وأوباما حالياً كانت ترفع شعارات الجزرة والعصا الا أن العصا كانت الأكثر حظاً في التعاطي مع الشأن السوداني حيث أكتنفت المواقف الأمريكية تجاه السودان حالة من العدائيات عبر المؤسسات الدولية مجلس الأمن والأمم المتحدة وتبني أمريكا للقرارات السالبة التي تدين السودان وتجرمه رغم التقدم الذي يلحظه البعض في تصريحات متفرقة للمسؤولين في البلدين وفي الوقت الذي أنجزت حكومة الخرطوم كل المطالب الامريكية بغية تحقيق مطمح مشروع للسودان بإقامة علاقات تسودها التبادل المنفعي والتطبيع الاخلاقي مع الولايات المتحدة شأن كل دول العالم التي تواطأت على ما يعرف بالعلاقات الثنائية المرتكزة على تبادل الخبرات والمنفعة وربط المواقف في الثنائي بين تلك البلاد الراغبة في الإندماج فيما يعرف بهذه العلاقات والشاهد ان أمريكا بهذه التناقضات في التعامل مع الملف السوداني يتضح انها تريد أكبر قدر من التنازلات دون أن تدفع الثمن وتستمر في الضغط على النظام القائم في الخرطوم وتستمر في إشهار العصا دون الجزرة.

الصراع الإستراتيجي
في وقت سابق كان البروفيسور حسين أبو صالح وزير الخارجية الأسبق اعد دراسة لملف العلاقات السودانية الأمريكية حيث ذكر ان ثقافة السودانيين ضعيفة بالصراع الاستراتيجي الذي يدور بشكل كبير في محاور متعددة كالطاقة و المياه والصراع حول الاراضي الزراعية و الموقع الإستراتيجي والصراع العقدي الثقافي ونحن نملك أراضي زراعية واسعة جدا وهي واحدة من معالم الصراع الاستراتيجي وقد استنفدت كل المساحات الزراعية في العالم في ظل فجوة اقتصادية زراعية عالمية والآن هناك صراع حول هذه الأراضي والمياه الجوفية المتوفرة بكثافة عالية في السودان وهي بالتالي عليها طمع أمريكي صهيوني وما يجري الآن في الساحة العربية بمثابة ترتيبات لصراع يدور في السودان حول الموارد المائية في نهر النيل ومنابعه وما إلي ذلك ويمضي ابوصالح الى محور آخر يدور حوله الصراع وهو الحديد الموجود بكثافة في السودان ويدور في العالم حوله صراع عنيف والدراسات تشير إلي أن الحديد المتبقي في العالم لا يكفي لأكثر من ثلاثة عقود والنحاس أيضا موجود بكميات إستراتيجية في السودان بالإضافة إلي الذهب الذي يوجد فيه بكميات كبيرة ونافس الدولار ورجع كسلعة إستراتيجية اكبر من القيمة الحقيقية للدولار. وهناك معدن إضافي وهو اليورانيوم والذي هو مرتبط بنظرية الطاقة الأعظم وهي نظرية للصراع الاستراتيجي ومن يمتلكه يمتلك القوة الأعظم ويسود العالم . بالتالي أمريكا لن تسمح لنظام إسلام سياسي يسيطر عليها ويصنع إتفاقات وتحالفات اتفاق مع فرنسا أو مع الصين أو غيرهما يمثل خطر عليها .

المؤتمر الوطني يرفض
بعد القرار الأمريكي الأخير بتجديد العقوبات الإقتصادية الأحادية أعلن المؤتمر الوطني على لسان الناطق الرسمي بإسم الحزب عمر باسان أن مسلك الادارة الامريكية في اعادة تجديد العقوبات علي السودان مرفوض ، وهذا الموقف يوكد على أن الولايات المتحدة تمضي في ذات الإتجاه الذي سلكته في مطلع التسعيات في تعاملها مع الحكومة السودانية ، مشيرا الي ان العقوبات سيكون لها تداعيات سالبة علي حياة المواطن السوداني وقال ان تصنيف السودان كدولة غير متعاونة في مجال مكافحة الإرهاب يقلل من فرصه في التعامل مع الكثير من المنظمات الدولية ,باسان ليس وحده كثير من قيادات الحكومة والمؤتممر الوطني أكدوا في غير مامرة على ان أمريكا غير جادة في التطبيع وأنها تستعدي السودان وتتعمد إستفزازه بهذه القرارات المعيبة.

نظرة سلبية
بروفيسور حسن حاج على الخبير الاستراتيجي بركائز المعرفة والمشرف على شعبة دراسات أمريكا ، نوه الى أن الإدراك العام للحالة السودانية عند الأمريكان في مجملها سلبي خاصة قضايا دارفور وملف الإرهاب,ولعل ملف الإرهاب الذي بسببه أصدرت ادارة الرئيس بيل كلنتون قرارات فرض العقوبات الأحادية في مطلع التسعينات وماتزال تجددها شهدت فيه وكالة المخابرات الأمريكية الـ(cia) بتعاون كبير من قبل حكومة السودان والواقع ان العلاقات لم تتحسن ولم ترقى الى مستوى التعاون الذي اقرت به المخابرات الأمريكية ويتحدث البعض عن خلافات بشأن ملف السودان بين الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض من جهة والكونغرس من جهة أخرى حيث يرون أن الخارجية أثبتت جدية في تحريك علاقات البلدين الى الأمام والقفز فوق المتاريس المصنوعة من قبل لوبيات صهيونية وقوى ضغط في الكونغرس اضافة الى مجموعات انقذوا دارفور والمنظمات التي يتزعمها الممثل جورج كلوني وغيرها وعمدت كل هذه المنظمات والمجموعات على الضغط في سبيل منع أي تقارب أو تطبيع بين الخرطوم ووااشنطن ولذلك تفشل وتصطدم جهود الخارجية الأمريكية ومحاولات البيت الأبيض بعقبات اللوبيات التي تتحكم حتى في الإنتخابات ولكن جهات أخرى تعول على وعي الأمريكان بمصالحهم والتي حالما يضعونها في ميزان بعيد عن الضغوط سيكون الأوفق أن يتم تطبيع كامل وتبادل منافع وعلاقات استراتيجية قائمة على بعد أخلاقي والتزام بالسيادة وبحق الخيارات في علاقات السودان وتحالفاته الخارجية حيث يربط البعض في هذا الشأن بقلق أمريكا من العلاقات المتطورة بين السودان والجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي تنظر لها واشنطن هي الأخرى بعين الربا وتضعها في قائمة الدول الإرهابية رغم التحسن في الخطاب السياسي بين واشنطن وطهران عقب انتخاب الرئيس الإصلاحي حسن روحاني مؤخراً ويبقى أنه من الضروري أن تتخلى امريكا عن نهج فرض الوصاية حتى تكون العلاقات بينها والسودان في مجال يسمح بالتعامل والتعاون بصورة أكثر إنفتاحاً من أجل المصالح المشتركة.

تقرير : أشرف ابراهيم: صحيفة الوطن [/JUSTIFY]

تعليق واحد