حوارات ولقاءات
د.محمد محجوب هارون: الأزمة وصلت حدّاً لم يعد ممكناً أن يسكت أنصار الإنقاذ عليه
* كيف يحسب ما يدور من تدافع بين دعاة الإصلاحيين والمجموعة الحاكمة؟ هل يصب في صالح مطلوبات الحوار الوطني؟ – ظلت الساحة السياسيّة تتشكّل ويعاد تشكيلها حسب التحالفات؛ بدرجة أو بأخرى، فقد تحالف منشقّون من أحزابهم شاركوا في الحكومة كما شارك الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل لكن لا يخفى على أحد أن السلطة ظلت في يد (الجبهة) أو التيار الإنقاذي، كثيرون يرون القوى المتحالفة التي تحالفت مع المؤتمر الوطني إنما هي أقمار تدور في فلكه.. هذا بالضرورة لن يكون حدا للأزمة لأننا نراها تتفاقم يوما بعد يوم وهذا يثبت أن هذه التحالفات ليست ذات قيمة حقيقية، فالصورة هي الصورة ذاتها في الطريقة التي يدير بها المؤتمر الوطني فكرة الحوار، وبالتالي التحالفات مع الأحزاب لنشوء حالة وفاق وطني لم تتغيّر حتى هذه اللحظة. * كيف ترى المستقبل؟ وما هي الخيارات المطروحة؟ – أولا دعني أقول إنّنا نواجه أزمة سياسية من الطراز الأول، وهي أم الأزمات الاقتصادية والاجتماعيّة.. هذا يجعلني أقول للاقتصاديين الذين يتحدّثون عن وجود أزمة اقتصاديّة؛ إنّ السبب الرئيس لهذه الأزمة هو الأزمة السياسيّة، وهي الأساس، فهناك استقطاب سياسي حاد، ومعارضون وحروب، كل ذلك يستنزف أموال وقدرات البلاد، وهذا من شأنه أن يضعف الاقتصاد.. هذا يجعلنا مواجهين بعدد من السيناريوهات في وقت واحد؛ أوّلها العجز عن أن نُدير حواراً وطنياً حقيقياً، وبالتالي أن يمضي خطّ المواجهة العسكريّة، فنحن بلد يعيش حروبات في دارفور وكردفان وجنوب النيل الأزرق، ويعيش حالة احتقان حاد في المركز، وميل للجوء إلى العنف، مع تنامي حالة الكراهية. * والسيناريو الثاني؟ – السيناريو الثاني هو ألا يتقدم الخيار العسكري كثيراً، لكن يضيق بالناس الحال، فينسون الخوف ويخرجون إلى الشوارع طلباً لتغيير النظام، وهذا قد يُحدث تضامناً مع بعض المجموعات التي تحمل السلاح، ولا أحد يعلم إذا خرج الناس إلى الشارع، إلى أين سينتهي بنا هذا الطريق؟! * تبدو الرؤية موغلة في السوداوية.. – هناك السيناريو الأخير، الأقل كلفة؛ وهو ظهور قناعة حقيقية داخل المؤتمر الوطني والتيار الحاكم بأنّ استدامة الوضع الراهن أمر في حكم الاستحالة، وأنّ من مصلحة الوطن والمواطنين والقوى السياسيّة أن يبادر الحزب بطرح مشروع حكم تلقائي بجديّة، واستعداد حقيقي لدفع تكلفة هذا السيناريو الذي يجنب البلاد المخاطر، ويسهل الحوار حول المشروع الوطني، والاتفاق على الإجراءات المطلوبة من أجله. * ما دور المستقبل الحركة الإسلاميّة؟ وأيّ مستقبل ينتظرها بعد 25 عاما من الحكم؟ – من الصعب أن تحدّد ماهية الحركة الإسلامية كتكوين وكهيكل؛ هل التي يجلس عليها الدكتور الزبير أحمد الحسن؟ أم الشيخ الترابي؟ أو هل هي مجموعة د.غازي صلاح الدين؟ أم هي التي تمثّل تياراً كبيراً من اللائذين بالصمت؟ ولا بد من الإشارة بأنّه لا يجوز للحركة الإسلاميّة المتحالفة مع السلطة أن تدّعي أنّها الحركة الإسلاميّة، لكنها حركة إسلامية. * فترة الحكم؛ هل أضرّت بها أم لا؟ – ليس من العدل إصدار حكم مطلق.. صحيح أنّ التجربة أوقعت أذىً كبيراً بما كان يتمناه دعاة المشروع الإسلامي للمشروع الإسلامي.. فعلى المستوى الأخلاقي لا يمكن لأحد أن يبارك الميل الإنقاذي لحسم خلاف بالعنف وإراقة الدماء على النحو الذي نراه طوال هذه الحقبة، وبالمعايير الأخلاقية نفسها؛ لا يستطيع أحد أن يتسامح مع حالة الشراهة للاستئثار بالسلطة بفوائدها الماليّة والماديّة، ولا يُمكن أن يكون المشروع الإسلامي يعني إغراق البلاد في حروبات لا نهاية لها، مع عدم نسيان أنّ التجربة قد ساهمت في تقسيم البلاد على النحو الذي رأيناه.. باختصار هناك إشكاليّات حقيقيّة على مستوى الأخلاق والسياسة وإدارة الشأن العام، بوجوهه المختلفة على طول تاريخ التجربة. هذا لا ينفي الإنجازات الجديرة بأن تحسب مكاسب خلال تلكم الفترة. * ما موقف الدكتور محمد محجوب هارون مما يجري الآن؟ خصوصا وأنت ضمن الموقعين على مذكرة المثقفين الإصلاحيين الأخيرة؟ – هذه ليست مذكرة، فنحن أصدرنا بيانا رقم (1)، سميناه بيانا من مثقّفين سودانيين، ثبّت موقف احتجاج على العنف الذي واجهت به أجهزة الحكومة العمليّات الاحتجاجيّة التي حدثت في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر.. عبّر البيان عن قلق الموقّعين من مجمل الحالة السياسيّة في البلاد، كما أورد البيان ملاحظة تنامي حالة الكراهية والعنف، ودعا الحكومة إلى تبنّي اتّجاه يجنّب البلاد مأزق العنف.. وتلى هذا البيان بيان آخر أصدرته مجموعة غير التي أصدرت البيان الأوّل سمته؛ التأسيس للحركة الوطنية للتغيير، وهي تنادي بالتفكير العميق والمسؤول في أزمة الدولة الوطنية في السودان، للمساهمة في وضع ملامح مشروع وطني، بالتالي ليست انشقاقا على حزب من الأحزاب، برغم أنّ غالبيّة مؤسّسيها من الإسلاميين؛ خرجوا من المؤتمر الوطني.
* أنت خرجت من المؤتمر الوطني؟ – نعم.. لأنّني أعمل الآن ضمن مشروع الحركة الوطنيّة للتغيير. * ضروري من يعمل ضمن المشروع أن يخلع عنه رداء الحزبية؟ – الضروري هو الاتفاق على مشروع المبادرة الحالي، لأنّ الانتماء الحزبي لا يتفق مع هذا الموقف.
* اتجهت مجموعة الدكتور غازي صلاح الدين إلى تأسيس حزب جديد.. كمراقب؛ كيف تنظر إلى هذه الخطوة؟ – طبعا لهؤلاء الإخوان تقديراتهم بالضرورة، لكنني أرى أن الخطوة تبدو مستعجلة بدرجة ما.. ربما سأل الرأي العام عن مبررات البقاء حتى الأمس بداخل المؤتمر الوطني، والرهان على الإصلاح من داخله، ثم فجأة تعلن تشكيل حزب جديد؟ فلا مشكلة في تكوين حزب جديد.
* هل ستقابل الساحة السودانية عامة هذا الحزب الجديد بترحاب؟ – هذا الأمر رهين معطيات ليست كلها متوافرة الآن، لكن ما أقوله؛ هناك حركة إصلاحية واسعة ينخرط فيها تيار عريض، وبالتالي حيث كانت هناك أرضية صالحة لبناء تيار جديد، فالمحك هو كيف يدير الإصلاحيون في مجموعة غازي علاقاتهم مع هذا التيار العريض؟ * هل هناك إمكانية لاجتماع المجموعات الإصلاحية في حزب واحد؟ – نحن نؤسس تنظيما إصلاحيا عريضا، لكن هذا نظرياً ليس أمراً مستبعداً، لكن أقول إنّ التحدّي تحكمه إلى حدّ كبير الاعتبارات العمليّة، لكن أؤكّد أننا سنعمل على المشترك، وتجاوز المختلف حوله.. ولابد من القول إن هناك صعوبات تتصل بالمرارات والاحتقانات والشعور بخيبات الأمل. * كيف ترى مستقبل الإسلام السياسي إذا ما قدر للإنقاذ الذهاب عن الحكم؟ – أنا متحفظ على مصطلح الإسلام السياسي نفسه، لأنّه أحد المفاهيم التي تمّ استلافها بدون نظر كاف. * هل يمكن أن نطلق عليه مشروع الحركة الإسلامية للحكم؟ – يمكن أن أقبل ذلك، ولا أعترض عليه.
* ماذا تقول عن مستقبله؟ – التجربة صاحبتها اختلالات كبيرة. * وهل الخلل بنيوي؟ أم ظاهري اتّصل بالممارسة؟ – في التصور وفي فكرة السلطة لم يتم التعاطي معها نظريا ولم يتم قياس التجربة الإنسانية مع السلطة من قبل الإسلاميين على نحو واف، فقد ارتكز المشروع على قراءات عجلى لبعض النصوص القرآنية مثل (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ) و(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ)، واعتبروا أن ذلك إعلان قيام سلطة أو دولة إسلامية.. حال إعلان ذلك أننا سنملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً.. نبقى نحن كنا مسلمين أو غير مسلمين إسلاميين أو محض مسلمين آدميين يسير علينا ما يسير على كل الناس من حب السلطة والمال.. فنحن في خلال هذه التجربة حملنا (أقباح ما لدينا وأضفناها لبعض أقباح ما وجدنا).. وخيبتنا في ذلك كانت كبيرة لا شك، فهناك حاجة إلى إعادة تأسيس نظرية المشروع الإسلامي من أساسه.
صحيفة اليوم التالي
أحمد عمر خوجلي
ع.ش
(فهناك حاجة إلى إعادة تأسيس نظرية المشروع الإسلامي من أساسه) على شلاء العباد ام داخل مدراجات الجامعة.